حديقة غنّاء في كتاب

02 مارس 2022
هوامش ومتون
02 مارس 2022

حين أهداني الدكتور هلال الحجري نسختي من كتابه الجديد (قصائد مختارة من عيون أدب الأطفال العالمي) في حفل توقيعه بمعرض مسقط الدولي للكتاب، استحضر مقولة نيتشة "داخل كل إنسان حقيقي يختبيء طفل يرغب في اللعب"، هذا الطفل يقفز، فجأة من مكمنه، ويمارس شغبه، بكل حرية، وربما أراد الحجري أن يقول أنه في هذا الكتاب حاول أن يستحضر طفولته، ويمارس شغبه مع الكلمات، وعوالم الطفل المدهشة، فقام بترجمة عدد من النصوص التي اختارها بعناية ودقة، فظهرت في كتاب زانته رسومات التشكيلية مريم القمشوعي، وصدر عن النادي الثقافي بالتعاون مع وزارة الإعلام، وكلنا نعرف صعوبة ترجمة الشعر، فكيف إذا كانت عن نصوص للأطفال تعتمد على مفردات مستقاة من البيئة التي يعيش فيها الطفل، والإيقاع الموسيقي ، الذي يفقده النص الشعري في رحلته من لغة إلى أخرى، يقول د. خالد البوشي عن ترجمة الحجري للنصوص المختارة، وقد أرفق ترجماته بالنصوص الأصليّة أن الحجري" ترجم بلغة شعرية جامعة بين الجزالة والسلاسة من جهة وبين الإيقاع الموسيقي ذي الجرس الموائم للمضمون من جهة أخرى، نصوصا إنجليزية تقدم عوالم، بل حديقةّ غنّاء فيها من براءة الطفولة ما فيها من عمق الفلسفة"

ويبدو أن الحجري أراد أن تكون النصوص قريبة من مدارك الطفل العربي لذا، ترجم تلك النصوص شعرا موزونا:

أنا ملتاع من الشفق

والمرافي أوقدت قلقي

عطش الترحال يسكنني

وأقاصي الأرض في رمقي

مركب في البحر يندهني

والصواري أشعلت ألقي

إن قلبي نبض دفته

جزر الأحلام من أفقي

راحل دوما وبي شغف

ومغيب الشمس منطلقي

يا عباب البحر يا فرحي

هل نفثت السحر في طرقي؟

ورغم غرابة بعض المفردات، بالنسبة للطفل إلّا أن الحجري وفق في اختيار مجزوء الرمل ذي الإيقاع الراقص الذي تطرب له أذن السامع، وهذا النص الذي حمل عنوان(غجري البحر) هو للشاعر الأمريكي ريتشارد هوفي، ورد في عمله الشعري( أغان من فاجابونديا) عاكسا شغفه بركوب البحر كما ذكر الحجري مشيرا إلى سبب اختياره لهذا النص منبها إلى " أننا نعاني في العالم العربي من قلة هذا النوع من الكتابة الذي يمكن تسميته بـ" أدب البحر"، فالحجري لم يكتف بترجمة النصوص، بل قام بتعاليق عليها، للتعريف بالشعراء والكتّاب، وتنبيه شعراء الطفل والمهتمين إلى قضايا مهمة بحكم اطلاعه ومتابعته ورصده للمشهد الثقافي العربي على مدى سنوات طويلة، بل يقوم بشرح النص لتقريبه من القاريء كما في نص( شخص ما) فيتحدث عن الذي يصف صوت طرق على بابه، ويذهب لفتحه، فلا يجد أحدا سوى "أصوات الخنافس وهي تتسلق الحائط وصياح البومة، ووقع نزول قطرات الندى ولكن هذه الأصوات لا تشبه ما سمعه، فيفتح الذهن على تساؤلات عن الطارق الغامض، لكنه يذكّر بالأصوات التي تطلقها الكائنات الصغيرة في الليل:

والخنفسا مشغولة

بنقر حائطي القصير

وبومة صيّاحة

في الغاب صوتها نكير

وجدجدا مثل الندى

له أزيز وصفير

ويناقش في نصوص أخرى،موضوعات كبرى كالموت، وهي موضوعات يتجنب شعراء الأطفال العرب التطرق لها، لكن الشاعر الإنجليزي جون كيتس في نصه ( كانت لدي حمامة) الذي كتبه خلال استماعه لمعزوفة ذكرته بشقيقه المريض، يجعل الحمامة معادلا لشقيقه ليجعل الفكرة سائغة لدى الطفل :

يحلق الملاك بالتغريد

وتسمع الغناء من بعيد

وإن تلاشى النور في المساء

واختفت المروج في الظلمات

يا عائدا بساعة الأصيل

الحب مهواك أيا جميلي

ويادليل السعد والهناء

مبارك مأواك في العلياء

ومثله نص الشاعر البريطاني لورد تنسيون (النهير) الذي كتبه على لسان جدول واصفا القرى التي يمر بها، وهو النص الذي يرى النقاد أنه رمزي يلمح إلى فناء البشرية:

أتغنى تدفقا وانسيابا

للقاء الإنهار ياللقاء

خلق الناس كي يموتوا جميعا

غير أن أتيتهم للبقاء

ولشاعر الطفولة الأمريكي يوجين فيلد يختار نصا رمزيا يجسّد "علاقة الأم بطفلتها تمثلت بقطرة ندى وقعت ليلا في أحضان وردة تذبل في النهاية من شدة الحزن:

فصاحت الوردة من فرط الأسى

ردي حبيبتي وروحي الفدا

واحسرتاه! لم تجد غير الصدى

فماتت الوردة قلبا كمدا

ومن أغاني الأطفال الإنجليزية يختار" توهودي لأمير رضيع" تغنى عند تنويم الأطفال، ويختتم كتابه بنص( إبراهيم بن أدهم) للشاعر لي هانت تتحدث عن العالم الزاهد المسلم إبراهيم بن أدهم ركزفيها الشاعر على الصوفي الذي رأى ملاكا يكتب سجلا لأولئك الذي يحبون الله، ولم يجد اسمه موجودا، فنبه الملاك الذي عاد في الليلة التالية بقائمة جديدة ظهر فيها اسمه، في نص يمجده المحبة، في كتاب أخذ به الحجري بأيدينا في حديقة غنّاء.