تداول : نحو مزيد من الرقابة على الشركات المتعثرة

07 ديسمبر 2022
07 ديسمبر 2022

لا يخلو أي اقتصاد من وجود شركات متعثرة لأي سبب من الأسباب، ففي الوقت الذي يتم فيه تأسيس شركات جديدة تخرج شركات أخرى من السوق بعد أن تفقد قدرتها على المنافسة أو نتيجة لمصاعب في السيولة أو التمويل أو لسوء الإدارة، وكأي سوق مالية توجد في بورصة مسقط عدد من الشركات المتعثرة التي تآكلت رؤوس أموالها بنسب تزيد على 25%، وبدلا من أن تبحث هذه الشركات - في وقت مبكّر وقبل تآكل رأسمالها - عن سُبُلٍ للنجاة فإنها تغرق أكثر وأكثر حتى تتجاوز خسائرُها المتراكمة حجمَ رأسمالها والاحتياطيات وتعجز بالتالي عن القيام بالأهداف التي أُنشئت من أجلها.

وفي ظل وضع كهذا وبما أن الشركات المدرجة في بورصة مسقط هي شركات مساهمة عامة وَعَدَت - عند التأسيس أو بعد التحول إلى شركة مساهمة عامة - المساهمين فيها بتحقيق أرباح مجزية ومكاسب متعددة فإن عدم قدرة هذه الشركات على تحقيق تلك الوعود - لأي سبب كان - يعتبر إخلالا بواجبات الشركة تجاه المساهمين فيها وبالتالي لابد من تدخل الهيئة العامة لسوق المال بصفتها الجهة المختصة بالإشراف والرقابة على شركات المساهمة العامة وبصفتها أيضا الجهة المختصة بحماية حقوق المساهمين في هذه الشركات.

ولعل الأحداث الأخيرة بشأن شركة ريسوت للأسمنت؛ والخسائر الكبيرة التي سجلتها الشركة في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري؛ وقيام الشركة بتقديم بيانات غير صحيحة؛ وعدم تصحيح هذه البيانات إلا بعد تدخل الهيئة؛ تتطلب مزيدا من الاهتمام بالشركات المتعثرة المدرجة في بورصة مسقط، وكثيرا ما أسأل نفسي كيف يمكن لهذه الشركات الحصول على عقود من الحكومة أو الشركات الحكومية وشركات القطاع الخاص طالما أن هذه الشركات متعثرة وغير قادرة على أداء مهامها؟، وكيف يمكن لها أن تنجز الأعمال الموكلة إليها بكل كفاءة واحترافية؟، وهل يمكن لشركة ما أن تقدم معلومات غير صحيحة عن نتائجها المالية بحيث تشير بياناتها المالية إلى تحقيق الشركة خسائر في حين أن الحقيقة هي غير ذلك؟ وماذا يمكن أن تستفيد الشركة من تضليل كهذا؟.

وفي المقابل كيف تسمح مجالس إدارات الشركات بتضليل المساهمين في شركات المساهمة العامة من خلال نشر بيانات تقول إن الشركة تحقق أرباحا في حين أن الشركة تسجل خسائر؟ أو أن الشركة تمكنت من تقليل خسائرها في حين أن الحقيقة هي عكس ذلك؟.

كل هذه المخاوف وغيرها تجعل من الضروري قيام الهيئة العامة لسوق المال بتشديد الرقابة على جميع الشركات وخاصة الشركات المتعثرة؛ إذ تعد الرقابة أحد العناصر التي تساهم في المحافظة على حقوق المساهمين في الشركة وتمكّن الشركات في نفس الوقت من تحقيق أهدافها وأهداف المساهمين، كما أن تشديد الرقابة على الشركات يساهم بشكل كبير في حماية الاقتصاد الوطني؛ فتدهور أداء شركة تعمل في قطاع اقتصادي حيوي كالأسمنت أو الأسماك أو النفط أو الغذاء يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني في مجالات متعددة لا تقتصر على القطاع الذي تعمل فيه الشركة بل يشمل مختلف القطاعات الاقتصادية، فازدياد حجم القروض على الشركات المتعثرة يؤثر على القطاع المصرفي، وتعثر شركات الأسمنت يؤثر على قطاع التشييد ويدفع الأسعار إلى الارتفاع، وتعثر الشركات العاملة في قطاع الغذاء يؤثر - دون أدنى شكّ - على قطاع الأمن الغذائي، وإذا أُسند إلى الشركة مشروع ثم تعثّرت هذه الشركة فإنها لن تتمكن من تنفيذ المشروع في الوقت المحدد، وهذه يعني أن جميع القطاعات الاقتصادية مترابطة مع بعضها البعض، وهذا الارتباط يجعل تشديد الرقابة على الشركات أمرا حتميا لتحقيق الأهداف التي أشرتُ إليها سابقا وهي: حماية الاقتصاد الوطني في المقام الأول، وحماية الشركات ثانيا، والمحافظة على حقوق المساهمين ثالثا، وفي نظري أن تشديد الرقابة على شركات المساهمة العامة سوف يدفعها إلى تحسين أدائها وتلافي الأخطاء التي تقع فيها، وربما تؤدي هذه الرقابة إلى تحوّل الشركات من الخسائر إلى الأرباح وهو أمر غير مستبعد إذا وجدت الشركات من ينتشلها من سوء الإدارة وضعف الأداء، على أن يكون هدف الرقابة هو إنقاذ الشركات وتحفيزها للنجاح لتلحق بالعديد من الشركات الناجحة المدرجة في بورصة مسقط.

محمد بن أحمد الشيزاوي

[email protected]