تداول : لماذا تخسر الشركات؟
shfafiah@yahoo.com
لا تختلف قضية شركة حلويات عمان التي نطرحها للنقاش اليوم عن قضية ريسوت للأسمنت التي ناقشناها خلال الأسابيع الماضية، فقد قدمت ريسوت للأسمنت بيانات مالية غير صحيحة، ولم تقم بتعديلها إلا بعد اكتشاف الهيئة العامة لسوق المال هذه المخالفة وإلزام الشركة بتعديل البيانات، وعلى الرغم من قرار الهيئة بحل مجلس الإدارة وتعيين مجلس جديد تكون مهمته إعادة الشركة إلى الربحية فإن الوضع المالي للشركة غير واضح حتى الآن، ولا ندري ما هو السبب الحقيقي الذي دفع السهم للصعود بصورة لافتة رغم أن المشكلة الحقيقية -من وجهة نظري- لم تجد الحل حتى الآن.
ولعل أبرز نقاط التشابه بين الشركتين هو اكتشاف المخالفات المالية في وقت متأخر جدا، فقد قالت شركة حلويات عمان في إفصاح لها على الموقع الإلكتروني لبورصة مسقط في 12 من أكتوبر 2020: إنها بصدد التحقق من صحة بياناتها المالية للنصف الأول من عام 2020 التي من الممكن أن تتضمن بيانات غير صحيحة، وأكدت الشركة في إفصاح لاحق نشرته في 6 يناير 2021 وجود تلك المخالفات، مشيرة إلى أن الخسائر المتراكمة بلغت في نهاية سبتمبر 2020 أكثر من 4.5 مليون ريال عماني. وقالت: إنها اتخذت إجراءات قانونية ضد الموظفين الذين تسببوا في تحريف البيانات المالية، موضحة أنها «تقوم بصياغة خطة عمل للتغلب على الوضع المذكور، وستتم الدعوة لعقد اجتماع للجمعية العامة غير العادية في أقرب وقت ممكن لمراجعة تلك الخطة والموافقة عليها»، وقامت الشركة في شهر فبراير 2021 بعقد اجتماع للجمعية العامة العادية تم خلاله عزل مراقب الحسابات الخارجي للسنة المالية المنتهية في ديسمبر 2020، وتعيين مراقب حسابات جديد.
بعد ذلك وتحديدا في أكتوبر من عام 2021 نشرت الشركة إفصاحا أكثر وضوحا بتوقيع رئيس مجلس الإدارة تحدثت فيه عن 4 نقاط أساسية، الأولى هي: تحديد الموظفين المتورطين في القضية، والثانية: فصل هؤلاء الموظفين من الشركة ورفع دعوى جزائية ضدهم، والثالثة أن التحريف في البيانات المالية وفقا لتقرير المدقق المستقل قد تم لأكثر من 3 أعوام ابتداء من عام 2017 حتى النصف الأول من عام 2020، والرابعة هي الآثار المالية المترتبة عن تحريف البيانات المالية، وقالت الشركة في هذا الصدد: «أما عن تحديد الآثار المالية التي يمكن أن تترتب على تحريف البيانات المالية آنفة الذكر فإن الشركة قد خسرت مبالغ مالية كما هو موضح في البيانات المالية للشركة التي تم الإفصاح عنها سابقا وكذلك في إفصاحات الشركة في هذا الخصوص، والحال هكذا فقد تأثرت عمليات الشركة التجارية نتيجة للخسائر المالية التي تكبدتها الشركة».
وبهذا الإفصاح نجد أن المسألة ليست مجرد لعب بأرقام الحسابات، وإنما تحقيق الشركة خسائر حقيقية أثرت على أدائها وأخرجتها من دائرة المنافسة، وجعلتها من الشركات المثقلة بالخسائر لتتجه في اجتماع الجمعية العامة غير العادية المزمع عقده في 29 ديسمبر الجاري إلى دراسة أوضاعها المتعثرة، وأخذ موافقة المساهمين على حل الشركة وتصفيتها؛ ليسدل الستار بذلك على واحدة من الشركات الناجحة التي لم يكد يخلو بيت في عُمان من منتجاتها على مدى أكثر من 3 عقود، كل ذلك نتيجة استغلال الإدارة التنفيذية لثقة مجلس الإدارة لتنهي الشركة عام 2021 بخسائر متراكمة تجاوزت 8.2 مليون ريال عماني في حين أن رأسمالها لا يتجاوز 700 ألف ريال عماني.
ويظل السؤال نفسه يتكرر في أكثر من قطاع: كيف يمكن لشركة تعمل في تصنيع وتوزيع الشوكولاته والحلويات أن تخسر في حين أن هذا القطاع مصدر ربح وثراء للكثير من الشركات العاملة في هذا القطاع؟ وهو السؤال نفسه الذي طرحناه سابقا: كيف يمكن لشركة تعمل في قطاع الأسمنت أن تسجل في 9 أشهر فقط خسائر تتجاوز 90 مليون ريال عماني؟
يبدو الحال هكذا أن علينا إعادة صياغة أسس جديدة للرقابة على الشركات، ومعايير أعلى للشفافية والإفصاح، والتركيز كثيرا على محاسبة الإدارات التنفيذية ومجالس الإدارة على أي خلل أو إهمال أو تقصير أثناء إدارتهم لشركات المساهمة العامة.
