تأملات في جوائز نوبل لهذا العام
11 أكتوبر 2025
11 أكتوبر 2025
كان أسبوعًا «نوبليًّا» حافلا، بدأ بتقاسم ثلاثة علماء جائزة الطب لاكتشافهم بعض أسرار المناعة، وانتهى بــ«خطف» معارِضة فنزويلية جائزة السلام «لجهودها في تعزيز الديمقراطية» في بلادها، وما بينهما أرغى العرب وأزبدوا وأراقوا حبرًا كثيرًا حول فوز عمر ياغي بجائزة الكيمياء، وعدم فوز أدونيس وترامب بجائزتي الأدب والسلام، على التوالي.
في البدء لا بد من الإشارة إلى أن جائزة نوبل للسلام تثبت عامًا بعد آخر أنها خاضعة لاعتبارات السياسة أكثر من أي شيء آخر، وما فوز ماريا كورينا ماتشادو؛ المعارِضة الفنزويلية، إلا دليل جديد يصب في هذا الاتجاه. وإلا فما معنى فوزها بجائزة السلام وهي الداعية إلى التدخل العسكري الأجنبي في بلادها! وكيف تُمنَحُ لها الجائزة وهي المؤيدة حربَ الإبادة التي شنتها إسرائيل على غزة منذ اليوم الأول، والمُعلِنة مرارًا أنها، إذا وصلت لحكم فنزويلا، فستعيد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل (المقطوعة منذ عام 2009) وستنقل سفارة بلادها إلى القدس!. رئيس جائزة نوبل يورغن واتن فريدنس يقول إنها فازت لأنها «تفضل صناديق الاقتراع على الرصاص»، ولا أدري كيف سيحدث تدخل عسكري في بلادها دون رصاص!، وهل كانت إسرائيل تنفذ إبادتها بالورود!
إنه لمن المؤسف حقًّا أن لجنة الجائزة لم تجد في كل الأشخاص والمنظمات التي حاولت جهدها خلال سنتين كاملتين التخفيف من معاناة أهل غزة، وفرض العقوبات الصارمة على إسرائيل، مَنْ يستحق جائزة السلام، كالإيطالية فرانشيسكا ألبانيز التي أدت مقتضيات منصبها كمقرّرة خاصة للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بمنتهى الضمير المهني والإنساني، فدافعت بشكل قانوني صارم عن حقوق الإنسان الفلسطيني والقانون الدولي الإنساني، ويشهد على ذلك تقريرها «تشريح الإبادة» الذي رفعته لمجلس حقوق الإنسان في جنيف في مارس 2024، والذي خلُصَ إلى وجود «أسس معقولة» لارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية في غزة، مع توصيات بفرض حظر سلاح وعقوبات ومساءلة عليها، إضافة إلى إعدادها تقريرًا مُحْكَمًا للمجلس نفسه التابع للأمم المتحدة اختارت له عنوان: «من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية» فضحت فيه قائمة من حوالي خمسين شركة أمريكية وإسرائيلية متورطة في دعم العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. لكن لجنة نوبل لم ترَ فرانشيسكا، ولم ترَ أيضا السويدية الشابة غريتا ثونبرغ التي آلت على نفسها فتح أعين السياسيين على أزمة المناخ العالمي، وتوجت جهودها أخيرًا بالمشاركة في أسطول الصمود العالمي وتعرضت لمضايقات جنود الاحتلال. كما لم تنتبه اللجنة لمنظمة «المطبخ المركزي العالمي» التي كانت تقدم المساعدات الغذائية لأهل غزة في عز الحصار عليهم، وقتلت إسرائيلُ سبعةً من أفرادها بدم بارد.
الطريف أن ماتشادو أهدت فوزها بنوبل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لِما وصفته «دعمه الحاسم» لقضية بلادها، ولسان حال ترامب يقول: «ما دمتِ ستهدينها لي، فليتك تركتِها لي من البداية، فأنا أستحقها أكثر منك»! نعم. هذه ليست نكتة. ترامب الذي يعادي المهاجرين في بلاده ويعاملهم بعنصرية بغيضة، ولم يدخر دعمًا سياسيًّا ولا عسكريًّا ولا اقتصاديًّا إلا وقدمه لإسرائيل في حرب الإبادة التي شنتها على غزة، ترامب هذا يؤمل نفسه بجائزة نوبل للسلام، ولَطالما صرح بذلك علنا! الأمر الذي جلب له في النهاية سخرية وشماتة من العالم أجمع، والعرب على وجه الخصوص، على عدم استجابة لجنة نوبل لهذه النزوة.
شماتة العالم بترامب لم تتفوق عليها إلا شماتة بعض العرب بأدونيس لعدم فوزه بجائزة الأدب التي نالها هذا العام المجري لاسلو كراسناهوركاي، رغم أن أدونيس ظل مرشحًا سنويًّا لها عن جدارة واستحقاق. وقد أصبح هذا الأمر من كليشيهات جائزة نوبل للأدب لدى العرب. في الأيام القليلة التي تسبق إعلان الفائز ينشط مريدو أدونيس بتساؤلاتهم: «هل يفعلها هذه المرة؟»، وبعد إعلان الفائز ينشط مبغضوه في منشورات الشماتة. لكن ما ميز مبغضي هذا العام هو الكذب. فقد كتب أحدهم: «وكنت سأدعو لك بطول العمر، ونسيان هذا الموضوع «أي الجائزة» لتريح، وترتاح، لكن، ونظرًا لما تتعرض له من قهر كل وقت من هذا العام بسبب هذه القضية جعلني أتراجع حرصًا عليك»، وفي الحقيقة أن أدونيس توقف عن انتظار نوبل منذ زمن طويل، وكان يزعجه مجرد سؤاله عنها. وشخصيًّا كانت لي تجربة معه قبل تسع سنوات، يشهد عليها الصديق عاصم الشيدي الذي شاركني محاورته في فندق هرمز بالسيب في 13 ديسمبر 2016، وكنتُ قد أعددتُ له سؤالا عن الجائزة، وبمجرد أن فتحتُ فمي قائلا: «أود أن أسألك عن جائزة نوبل» رفع يده بطريقة احتجاجية يطلب مني تغيير السؤال.
أما عمر مؤنس ياغي الذي تقاسم جائزة نوبل للكيمياء مع عالِمَيْن آخرَيْن فحكايته هو الآخر حكاية. فبمجرد الإعلان عن فوزه بدأ شِجارُ العرب وتلاسنهم حول نَسَبِه؛ فالأردنيون يقولون: «هو أردني لأنه مولود لدينا في عَمّان»، والفلسطينيون يذكِّرون بأن أبويه لاجئان فلسطينيَّان، والسعوديون يقولون: «هو يحمل الجنسية السعودية منذ عدة سنوات، ونحن منحناه جائزة الملك فيصل العالمية قبل عشرة أعوام». وفي خضم هذا النزاع لم يذكر أحدٌ شريكَيْه في نوبل؛ الياباني سوسومو كيتاغاوا والبريطاني ريتشارد روبسون، ولا سبب فوزهم بالجائزة (تطوير الأطر المعدنية العضوية). وتناسى العرب أن ياغي أمريكي الجنسية أيضا، عاش ودرس في الولايات المتحدة منذ كان عمره خمسة عشر عاما، وأن إنجازاته العلمية حققها في المختبرات الأمريكية، وأنه -وهذا هو المهم- لو كان بقي بين ظهرانينا نحن العرب لما حقق أي شيء. فـــ«هناك يدعمون الفاشل حتى ينجح، وهنا يعرقلون الناجح حتى يفشل» كما قال ذات يوم العالِم مصريُّ الأصل أمريكيُّ الجنسية أحمد زويل، الذي فاز هو الآخر بجائزة نوبل للكيمياء عام 1999.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
