بين تغريدة ماسك وتثريدة مارْك!

08 يوليو 2023
08 يوليو 2023

«ماذا سيفعل إيلون ماسْك الآن؟».. هكذا تساءلتُ وأنا أتابع باهتمام أخبار تطبيق التدوينات المصغرة الجديد «ثريدز» THREADS الذي أطلقته يوم الخميس مؤسسة ميتا المالكة لـ«فيسبوك» و«واتسب» و«أنستجرام» فاجتذب 70 مليون مشترك في أقل من يومين. ومبعث التساؤل هو أن «ثريدز» يقدم نفسه تقريبا (ودون أن يقول ذلك بشكل مباشر) بديلًا لمنصة تويتر التي كثر شاكوها هذه الأيام، وقل شاكروها، وتحديدًا منذ أن استحوذ عليها ماسْك في أكتوبر الماضي فقلَبها وجعل عاليَها سافلها.

ويبدو أن مارك زوكربيرج – مالك فيسبوك وواتسب وأنستجرام - وبعقلية تاجر فطِن، أراد أن يلقّن منافِسَه مالكَ تويتر درسًا قاسيًا مفاده: «إذا كنتَ غير قادر على الاحتفاظ بزبائنك فسنخطفهم منك»، لذا؛ فقد صمم «ثريدز» بحيث يتمتع المشترِك فيه بمزايا تويتر نفسها، فهو يسمح بكتابة منشور من خمسمائة حرف فقط، مع إمكانية إضافة صور ومقاطع فيديو، كذلك يمكن للمتابعين التفاعل عن طريق الإعجاب والتعليق وإعادة النشر، بما في ذلك اقتباس مقطع من المنشور.

هذا عدا اعتماد «ثريدز» في انطلاقته على قاعدة المستخدمين الخاصة بــ«أنستجرام» التي تتجاوز ملياري حساب، ما يوفّر على مستخِدم «ثريدز» البدء من الصفر، أي أنه ببساطة يمكن أن يتحوّل السبعة وثمانون مليون متابع للمطربة شاكيرا في أنستجرام (التي كانت من أوائل المسجّلين في «ثريدز») إلى هذا التطبيق مباشرة، والأمر ذاته ينطبق على متابعي منصة نتفلكس الثلاثة وثلاثين مليونا، التي انضمت لـ«ثريدز» كذلك في الساعات الأولى لإطلاقها، وقس على ذلك عددًا من المشاهير ورؤساء الدول والمنصات الإعلامية والفنية الكبيرة؛ لذا فإن من ميزات «ثريدز» أيضا إمكانية مشاركة «التثريدة»، عبر «الستوري» في أنستجرام. ولنلاحظ هنا أن اسم «التثريدة» في نحته العربي يتشابه مع «التغريدة» التي تميّز بها تويتر. في المسلسل الخليجي الشهير «درب الزلق» فكر التاجر حسين بن عاقول (عبدالحسين عبدالرضا) في طريقة تنقذه من الديون والالتزامات المالية الكثيرة التي أوقع نفسه فيها بسبب «غشامته» في التجارة، فتفتق ذهنه (وربما ذهن مستشاره، لا أذكر بالضبط) عن حرق مصنع الكبريت المتبقي للحصول على مبلغ التأمين الكبير، لكن شركة التأمين تكتشف الاحتيال في النهاية فترفض تعويضه، ويفقد بالتالي ما تبقى له من مال!، وأظن أن هذا ما سيحدث، بل بدأ بالحدوث بالفعل، للملياردير إيلون ماسك، حتى وإن اختلف المكان والزمان، فقد صار في مطلع هذا العام، وبعد أشهر قليلة من امتلاكه تويتر، أول شخص في العالم يخسر مائتي مليار دولار من ثروته، بحسب مؤشر بلومبيرغ للمليارديرات.

في أكتوبر من العام الماضي اشترى ماسك منصة «تويتر» بمبلغ ضخم بلغ أربعة وأربعين مليار دولار، وهو أكبر بكثير مما تستحقه هذه المنصة نظرًا لانخفاض قيم شركات التكنولوجيا من جهة، ومعاناة تويتر حينها من أجل تحقيق نمو وجذب مستخدمين جدد؛ من جهة أخرى. لكن ماسك مضى في الصفقة زاعمًا في تغريدة له أن سعيه لامتلاك هذه المنصة المهمة التي يتجاوز عدد مستخدميها ثلاثمائة وخمسين مليونا «لا يتعلق بالمال»، بل «لخدمة الإنسانية»، وأنه أراد «أن يكون للحضارة ساحة رقمية مشتركة»!، فصدّق البعض، وتشكك كثيرون. ويبدو أن هؤلاء المتشككين كانوا على حق، فعِوضًا عن محاولة استرداد المبلغ الكبير الذي دفعه، بتطوير المنصة لتجذب مستخدمين جددًا، فقد اختار ماسْك الطريق الأسهل، إذْ خفض القوة العاملة في تويتر من سبعة آلاف وخمسمائة موظف إلى ألفين وثلاثمائة فقط، ثم فرض رسوم اشتراك شهرية على المستخدِمين تصل إلى 11 دولارًا مقابل التمتع ببعض المزايا الإضافية في التدوين، بما في ذلك توثيق الحساب، في نسف لكل القواعد التي مشى عليها «تويتر» منذ إطلاقه في عام 2006م. وبعد أن كان الحساب الموثّق هو فقط للشخصيات الاعتبارية من إعلاميين وصحفيين وفنانين وأدباء ورؤساء دول، وهيئات حكومية معروفة، بات التوثيق حقًّا لكل من هبّ ودب ممن يستطيع الدفع حتى وإن كان باسم مستعار!. ولم يكتفِ ماسْك بهذا، بل أعلن الأسبوع الماضي عن سياسة جديدة للحد من قراءة التغريدات لمستخدمي تويتر بحيث لن يتمكن أصحاب الحسابات الموثقة من قراءة أكثر من ستة آلاف تغريدة في اليوم، في حين يقتصر العدد في الحسابات غير الموثقة على ستمائة تغريدة يوميّا، ثم عاد بعد ذلك ليرفع العدد إلى عشرة آلاف للحسابات الموثقة وألف لغير الموثقة، وخمسمائة للحسابات الجديدة، فيما اعتبره مستخدِمون لتويتر تمهيدًا لإجبارهم على الاشتراك بمقابل مادّي. هذا التخبّط من ماسك تلقّفه بسعادة مارك زوكربيرج فأطلق منصته الجديدة. ومن الطريف أن ماسك دعا مارك قبل أسبوعين للمنازلة في حلبة فيغاس، لكن زوكربيرج لم يُلبِّ الدعوة مفضِّلًا على ما يبدو المنازلة على حلبات التكنولوجيا فقط. فهل ستنجح «ثريدز» في أن تكون بديلًا لـ«تويتر»؟ أو أن «التاجر الغشيم» سيصحو من سباته ويراجع نفسه، ويحاول إصلاح ما يُمكن إصلاحه، ليعيد الثقة في المنصة التي عانت الأمرّين في وجوده؟. هذه الأسئلة ستجيب عنها الأيام. أما نحن العرب فلا نملك إلا التفرّج من بعيد كمتابعي مباراة مصارعة لا حول لنا فيها ولا قوة، ممزقين بين تغريدة ماسك و«تثريدة» مارك.