بشفافية: نبتهج بالمطر .. ولكن !

04 يناير 2022
04 يناير 2022

لم يكن أخدود العزم الذي أثر على سلطنة عمان بأمطار غزيرة لعدة أيام، الحالة الأولى التي يمتزج فيها الفرح والاستبشار بالغيث العميم، مع الحزن لحدوث وفيات نتيجة الأمطار والانجراف بالأودية. وعلى الرغم من تعدد التجارب التي مررنا بها طوال سنوات والأحداث المتعلقة بالأمطار، بتنوعها بين أخاديد ومنخفضات جوية وأعاصير وحالات مدارية، إلا أن الدخول الى مسارات الأودية وهي في شدة جريانها يتكرر، وفي كل مرة يفجعنا فقدان أشخاص نتيجة لفعل كان بالإمكان تفاديه، مع الإيمان المطلق بقضاء الله وقدره، ولكن على الانسان أن يعمل بالأسباب التي يبتعد فيها عن كل شي يشعر فيه بالخطر على حياته وسلامته وسلامة أفراد أسرته، فكيف بسيل جارف من المياه ؟!.

6 أشخاص 5 منهم من أسرة واحدة انتقلوا إلى رحمة الله بعد أن جرفتهم الأودية، عشرات الحالات التي تم إنقاذها من وسط الأودية والتجمعات المائية وهي على مشارف الغرق ، لا اعتراض على قدر الله، ونسأل الله ان يرحم من توفي ويسكنه فسيح جناته، وهنا ليس المهم أن نعرف الدوافع التي أدت الى دخولهم للوادي حتى جرفهم، ما يهمنا هو التمعن في حجم الخطر من دخول الأودية وتجمعات المياه، فهذه تجارب صعبة على المجتمع ومن الضروري أن يعمل على الانتباه اليها كمشكلة تتكرر دائما، ومن السهل تجنبها وتفاديها، فليس من السهولة أن نفقد أرواحا بهذا العدد مع كل حالة جوية.

لا تأتي الحالات الجوية صدفة، ومن خلال المتابعة نجد أن سلطنة عمان واحدة من الدول التي اهتمت بتطوير الأرصاد الجوية وتركز بشكل كبيرعلى متابعة حالات الطقس ونشر التوقعات والتحذيرات من خلال المركز الوطني للإنذار المبكر عند قدوم أي حالة جوية، كما تتفاعل كافة وسائل الإعلام بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي مع الحالات بصورة كبيرة نستشف من خلالها عدم التقصير في هذا الجانب، إضافة الى ما يبث من تحذيرات عبر هيئة الدفاع المدني والاسعاف، بكافة وسائل الاعلام، ومع ذلك تقع حوادث الانجراف في الأودية، ولا يزال مشهد قيادة مركبة باتجاه الوادي يتكرر!.

هناك حالات لا يلام فيها الإنسان في بعض الأحيان خصوصا في الأعاصير وعندما يكون الإنسان في بيته وتأتيه المياه ويبقى محاصرا، وعلى الرغم من ذلك يقاوم ويستنفد كل ما لديه من إمكانيات في سبيل البقاء، ولكن أن يذهب الانسان بنفسه الى التهلكة ويغامر بدخول مجرى الوادي فهنا الأمر بحاجة الى وقفة مع النفس والمراجعة لتجنب مثل هذه المواقف التي نستطيع أن نتجنبها ونجنب أنفسنا وشبابنا وأفراد مجتمعنا مهالكها من خلال رفع مستوى الوعي والحذر في مثل هذه الحالات الجوية.

إن المجازفة بعبور الأودية لا يدفع بنفسه للخطر فقط، فهو ومن خلال تصرفه ومجازفته، من الممكن أن يجر خلفه أشخاصا تأخذهم نخوتهم لخوض مغامرة الإنقاذ وقد يتأذون أو يصابون أو لا سمح الله يذهبون ضحية من أجل إنقاذ شخص غامر بنفسه بدخول الوادي ولم يفلح، وأصبح عالقا وسط المياه، تجرفه وتتلاعب بمركبته يمينا ويسارا باتجاه المجهول.

كذلك هناك من رجال الدفاع المدني والإسعاف من يكونون دائما في مثل هذه المواقف وتطلب منهم النجدة بعد وقوع حادث الانجراف، وعلى الرغم من عدم ترددهم في مثل هذه المواقف إلا أن رجال الدفاع المدني والإسعاف هم في النهاية بشر مثلنا يصابون ويبذلون جهودا كبيرة في سبيل الإنقاذ، والمعدات التي يملكونها أو الخبرات التدريبية مهما كانت مستواها فلن تكون أقوى من الطبيعة وخطرها.

لذلك علينا جميعا أن نعيد حساباتنا ولا تغرننا في حالات المطر قوة المركبة وخبرة القيادة الطويلة، والتفاخر بأن نحسب عبور الوادي إنجازا ، بل هو طريق للهلاك.. فهل نعتبر؟.