بشفافية: في تربية الأجيال

19 يناير 2022
19 يناير 2022

تتزايد الدعوات يوما بعد يوم للاهتمام بتربية الأجيال باعتبارهم أساس الغد وسواعده التي تبني الأوطان مستقبلا وتستلم راية المسيرة من الأجيال التي سبقتها، ليس في سلطنة عمان فقط، بل في كل دول العالم، وفي عمان عندما تأتي الدعوة من لدن القائد ـ أعزه الله ـ للاهتمام بالأجيال والشباب وتربيتهم، فتلك رسالة للجميع بأن يسهموا في بلورتها لتكون نبراسا نعمل عليه جميعا بيد واحدة وفكر واحد لإيجاد أفضل السبل لتربية أجيالنا ولنغرس فيهم القيم الحميدة من نهجنا العماني الأصيل وتاريخنا التليد المفعم بالعزة والكرامة، والسعي بهم لاعتلاء صهوات المجد.

يطول الحديث وتتفرع الجوانب عندما نتناول مجالا شاسعا بحجم (تربية الأجيال)، فلم يعد هذا الجانب كما كان مقتصرا على أطراف معينين ومحددين، بل اتسع ليدخل شركاء كثيرون في هذا الجانب، وهنا تكمن الخطورة وتتعاظم المسؤوليات، عندما يفرض علينا (غرباء) الشراكة في مسؤولية حساسة لا يقبل فيها ذوو الشأن شراكة من أحد، فكيف بشراكة في تربية الأجيال؟!.

كان آباؤنا يعرفون وهم يرسلوننا إلى المدارس في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، أن هناك من يشترك معهم في تربيتنا، ولعل الكثير من جيل الشباب والآباء في الوقت الحاضر، قد سعدوا بشراكة المدرسة في تربيتهم، أو لنقل (تربيتنا) مع تربية البيت ممثلا بالأسرة ـ الأب والأم ـ والسبلة في محيط الأسرة الأكبر، وذلك باعتبار أن المدرسة نابعة من مظلة (التربية والتعليم)، ولا أخفي عليكم أنني كنت أسمع من المعلمين بالمدارس التي درست فيها، بكل المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، عبارة نحن هنا (لتربيتكم قبل تعليمكم)، والكلام هنا لم يكن موجها لي شخصيا، بل يقال بشكل عام وخصوصا عندما يتزايد الشغب الطلابي في الفصل ـ وما أكثره ـ وعلى الرغم من أننا في ذلك الوقت نتجه إلى المدرسة ونحن محاطون بتربية كريمة ـ ولله الحمد ـ إلا أنه لا مانع من زيادة في التربية من معلمينا ـ غفر الله لمن توفي منهم وأطال الله في عمر من هم على قيد الحياةـ، ففي النهاية نتذكرهم بكل خير وهم بالفعل كانوا قدوة لنا، وشركاء في التربية.

عبارة (لتربيتكم قبل تعليمكم) هل يرددها المعلمون والمعلمات اليوم في الفصول أم لا ؟ لا أعلم، فلم أتشرف بالحضور في فصل دراسي منذ أن غادرت المدرسة بعد الثانوية منذ قرابة 20 سنة، ولكن حاليا أرسل أطفالي كل صباح إلى المدرسة، وأتمنى أن يسمعوا كما سمعت أن هناك من يسعى إلى مزيد من التربية لهم إضافة إلى الدور الذي يقع على عاتقنا في البيت، مع الشكر هنا لـ (الأمهات)، التي أضع ويضع كثير من أبناء مهنتي مهمة التربية على عاتقهن.

وإذا ما كنا قد رضينا بشراكة المعلمين كما قال أمير الشعراء ( كاد المعلم أن يكون رسولا) في قصيدة أوصى بها الشاعر باحترام وتبجيل المعلم، فإن هناك من دخلوا ليكونوا شركاء فارضين شراكتهم في تربية الأبناء في الوقت الحاضر، ويتمثل ذلك بداية في القنوات التلفزيونية المتنوعة في توجهاتها مرورا بالمحيط المناطقي ووصولا إلى التقنية والأجهزة الإلكترونية التي أصبحت بين أيادي الأطفال برغبتنا أو رغما عنا، وكما يقال : (الدنيا باغية كذاك)، ولا أعلم من المقصود بالدنيا هنا ؟!، ولكن أعتقد أن الوضع العام لحالة تربية الأجيال دخل فيها شركاء من كل حدب وصوب، وبدخول الشركاء الغرباء في عالم تربية الأجيال، فإن ذلك بمثابة إعلان للتحدي الصريح للشركاء الحقيقيين أو الأصليين في التربية، ـ البيت ـ المدرسة ـ السبلةـ.

إن الشركاء الجدد قد فرضوا أنفسهم بتواجدهم بيننا، سواء رغبنا بذلك أم لم نرغب، وأصبح وجودهم حتميا بيننا، لذلك فإن التفكير بعقد مصالحة مع الشركاء، أراه أفضل الحلول، وذلك من خلال الحرص على أن نأخذ الجانب الإيجابي، ونترك الجوانب السلبية، من خلال التعمق في التفاهمات ووضع الخطوط الحمراء، ووضع المشروع الأصلي وهو (تربية الأجيال) في صلب الاهتمام، والهدف الذي يجب أن نسعى إليه جميعا، هو أن ننشئ جيلا نافعا لنفسه ولوطنه ودينه، سويا متزنا في كل الجوانب الحياتية.

وتبقى مسألة تربية الأجيال متفرعة وجديرة بالتناول في مقالات أطول من السطور السابقة، لذلك سيكون للحديث بقية، في الأسبوع القادم بإذن الله.