بشفافية: بهويتنا العمانية.. نعتز

12 أبريل 2022
12 أبريل 2022

لم يعد أمام المجتمع إلا أن يختار المسار الصحيح لبناء فكر سليم، معافى من التأثيرات السلبية المحيطة به خصوصا في ظل عالم افتراضي وضع لنفسه مكانة بيننا ليكون موجها للأفكار والتوجهات، بعيدا عن الواقع الذي نعيشه، فلا المؤثرون هم المرآة الحقيقية للواقع ولا أفكارهم هي السبيل إلى التقدم و النمو والازدهار وتحقيق الطموحات وتربية الأجيال، ففي مجتمعنا وكل ما يحيط بنا من حضارة تاريخية وإرث مجيد كفيل بأن نشعر من خلاله بالفخر والاعتزاز بهويتنا وحضارتنا ومنه ننطلق إلى رحاب الطموح وتحقيق الأهداف، وغرس الانتماء للوطن بعزة وكرامة ونخوة وصلابة في الأجيال القادمة.

ومنذ أن ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي للواجهة قبل سنوات، وبدأ الكثيرون حول العالم التعاطي معها لتكون بمثابة العالم الافتراضي الرديف للواقع، أو العالم الآخر لتبادل الثقافات وتداول المعلومات، دخل إلى هذا العالم ملايين من البشر والمنظمات والآلات الإعلامية حول العالم لتأخذ مكانها في هذا العالم الافتراضي وتبني جسورا للعبور إلى عقول وأفكار الأجيال والمجتمعات متخذة أشكالا وقوالب متنوعة هدفها الأول جمع أكبر قدر من المتابعين، والتأثير عليهم، لتبدأ بعدها رحلة صناعة المسارات و التسلل إلى العقول و الفكر والتوجهات أيا كان هدفها أو توجهاتها، وبما أن المجتمع العماني جزء من هذا العالم، فقد دخل إلى فضاء العالم الافتراضي الكثيرون من أبناء المجتمع العماني، ومع مرور الأيام، وبعد العديد من التجارب التي مرت عبر سنوات لنوعية التعاطي مع هذه الوسائل، يبدو أن الغاية السامية لتبادل الثقافات والمعلومات، لم تعد بذلك السمو فقد تغيرت وانحرفت وجهات هذه الوسائل والشخصيات أو لنقل ـ بعض ـ مستخدميها عن حالة التبادل الثقافي إلى تبادل التفاهات ونشر السلبية بين المجتمعات، والانحطاط الأخلاقي في كثير من الأحيان، ولتأخذ بعدا آخر يتمثل في الاستخفاف بكل منجز يتحقق أو مكسب من مكتسبات الأوطان التي لم تكن لتتحقق إلا بعد جهد كبير، ومضن في سبيل تغليب المصلحة العليا للأوطان والمجتمعات والسمو بها والسعي إلى رفعتها.

وعلى الرغم من الانجراف الحاصل خلف هذه الوسائل، وبعض مشاهيرها إلا أنها تبقى حالة عابرة، أو يجب أن تكون عابرة، خصوصا بعد أن تكشفت مع مرور الأيام تفاصيلها التي بينت الوجه الحقيقي لها والذي اتضح أن معظمها غث لا يليق بأن يكون نهجا يحتذى به أو مرآة تعكس الواقع لتفاصيل الحياة التي كانت ولا تزال مصحوبة دائما محفوفة بالكفاح والعزيمة والجد والمثابرة والجلَد لبلوغ الهدف والغاية، وتحقيق عيش كريم، خصوصا في مجتمعنا العماني الأصيل الذي كان ولا يزال مهد حضارة صلبة وإرث حضاري عظيم، بناه الأجداد عبر حقب تاريخية متعاقبة استلهمت صلابتها من واقع البيئة العمانية التي تقف شاهدة أمام أعيننا على الإرث الحضاري الخالد، لذلك فما نشاهده اليوم من مشاهد لبعض من يسمون أنفسهم ـ مشاهيرـ لا تمت بصلة إلى تاريخنا وحضارتنا ومجدنا الذي نفخر به، فلا رجال عمان ولا نساؤها الماجدات كانوا بيوم من الأيام بهذه المشاهد من التراخي والانكسار والخدر الذي لا يمت بصلة بتاتا إلى عزتنا وشموخنا وصلابتنا.

وإذا ما عدنا إلى العالم الافتراضي واقتربنا منه أكثر في إطار المحيط المحلي، فان هذا العالم أيضا لم يختلف كثيرا عن ذلك الفضاء الشاسع حول العالم، في توجهاته و أفكاره واستخفافه بما ينجز خصوصا إذا ما تعلق الأمر بمنجز أو تقدم وطني تحقق على أي صعيد كان على المستوى الوطني المحلي أو الخارجي، ففي واحدة من أساليب الاستخفاف بالمنجزات، تمر على مشاهير التواصل الاجتماعي أو الشخصيات المؤثرة في وسائل التواصل ـ المنجزات ـ دونما أي تفاعل معها، كمثل من يغمض عينيه أو ينكس رأسه عن ما يتحقق أو تحققه البلاد بحكومتها وقيادتها من تقدم على عدة مستويات اجتماعية واقتصادية وتنموية، في حين يعود الأشخاص نفسهم ليتصيدوا كل ما هو سلبي أو مثير للشك، فيضعونه ضمن أولوياتهم، واهتماماتهم لتبدأ رحلة الاستنقاص والاستخفاف بعبارات و صور ومقاطع يبثونها في كل الوسائل المتاحة، عبر هواتفهم وهم جالسون ربما يتبادلون الضحكات دون أي شعور بالمسؤولية تجاه ما يبثونه من سموم.

إن المجتمع العماني وأمام كل هذه المشاهد الحاصلة في وسائل التواصل الاجتماعي، عليه مسؤوليات عظيمة تجاه التعاطي والتعامل معها للحاضر والمستقبل، فقد اتضح المشهد، والخيار أمام المجتمع، وهو العودة إلى الثقة بنفسه وتاريخه و حاضره ومستقبله، وأن يستمد عزمه و جلَده من تاريخه العظيم الذي توارثه أبا عن جد في هذه الأرض الطيبة التي بنيت شواهدها ومنجزاتها بسواعد أبنائها من رجال ونساء وبعزيمة صلبة وإخلاص وتضحيات جسيمة في سبيل العيش والحياة، فالحياة كفاح وصبر ولم تكن كل هذه المنجزات التي تحققت على أرض وطننا العزيز لتتحقق إلا بعزيمة الإنسان العماني و صبره و قوته التي استلهمها من كل ما يحيط به من تضاريس غرست فيه الصلابة والقوة والعزم، وبثت في شرايينه شموخ الإنسان العماني المكافح.

إن الأجيال القادمة لن تعترف إلا بهويتها، والمجتمع بكل ما فيه هو المسؤول عن ما يقدمه للأجيال القادمة، التي تنتظر ماذا سنقدم لها؟ لتكون حصن الوطن في المستقبل، فليكن حاضرنا قاعدة صحيحة لمستقبل أجيالنا، ليسمو الوطن بنا وتفاخر الأجيال، وذلك لا يكون بالتخاذل والانكسار واليأس بل بالعزيمة والصبر والجلَد.