الـدقـم «أيـقونـة» الـشـرق

06 فبراير 2024
واجهة عُمان للتنويع والاستدامة
06 فبراير 2024

على ضفاف بحر العرب تتربع مدينة المستقبل، حاملة لواء التنويع الاقتصادي في سلطنة عمان، ففي كل يوم يولد على أرضها مشروع وتنبت فكرة.. تجتذب رؤوس الأموال والأعمال بعد أن ذاع صيتها على مستوى العالم كأفضل بيئة استثمارية آمنة، مزدهرة بمفردات الحياة العصرية، وتحولت في فترة قياسية وبجدارة إلى أيقونة الشرق.

إنها الدقم، الشاهد الأبرز على التحول الاقتصادي والتنموي الكبير في سلطنة عمان، المدينة التي شيدت من الصفر حيث لم تكن سوى استراحة للصيادين لتتحول إلى وجهة للاستثمار العالمي وركيزة اقتصادية تربط خطوط الملاحة بين الشرق والغرب.

بقوة الإرادة والتصميم ونجاعة التخطيط تتحول الدقم تدريجيا إلى شريان عالمي للطاقة، وتجتذب المزيد من المشروعات التي تخدم هذا القطاع الحيوي وتتكامل معه، ما يؤكد ويرسخ مكانتها وتأثيرها في الأسواق العالمية. فضلا عما يتوفر فيها من مقومات وبنية أساسية متطورة ومرافق وخدمات تضمن لسكانها جودة الحياة والاستقرار والعمل المنتج والعيش المطمئن.

وعلى مدى السنوات العشر الماضية توالت المشروعات الاستراتيجية في الدقم التي أكسبتها ميزتها التنافسية على المستوى العالمي، وهو ثمار ما ضخته الحكومة من استثمارات ضخمة في إنشاء وتطوير المرافق والخدمات، وما تم تبنيه من توجهات ناجحة نحو تشجيع وجذب الاستثمارات التي تقدم قيمة مضافة للاقتصاد تمكنه من النمو المستدام وترسم ملامح مشرقة لمستقبل الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار.

ويأتي في طليعة تلك المشروعات ميناء الدقم بإمكانياته الكبيرة لاستقبال السفن العملاقة، وقدراته المتطورة ليكون مركزا عالميا للتجارة واللوجستيات، والحوض الجاف أحد أكبر مجمعات إصلاح السفن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وميناء الصيد متعدد الاستخدامات الذي يمثل نقلة نوعية في قطاع الصيد وما يرتبط به من أنشطة وصناعات، إلى جانب المطار الذي يتطور باستمرار ويسهم في تنشيط وجذب السياحة ودعم الجاذبية الاستثمارية للمنطقة.

واليوم تتوج الدقم مسيرتها بأكبر الاستحقاقات عندما يتفضل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وأخوه الشيخ مشعل الأحمد الصباح أمير الكويت ـ حفظهما الله ورعاهما ـ بافتتاح مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية. وذاكرة المكان تعود بجلالة السلطان، قبل خمسة أعوام، يوم أن قام بوضع حجر الأساس لهذا المشروع ليحظى باهتمامه الشخصي، كما هو الحال مع سائر مشروعات المنطقة الاقتصادية.

ومصفاة الدقم ترجمة ناجحة لعمق العلاقات الاقتصادية بين سلطنة عمان والكويت، كونها أكبر مشروع استثماري مشترك بين بلدين خليجيين. وبافتتاحه تعزز عُمان قدراتها في صناعة البتروكيماويات، وترفع طاقتها التكريرية الإجمالية لتتجاوز 500 ألف برميل يوميا بإضافة 230 ألف برميل من المنتجات المكررة عبر هذه المصفاة، التي تتكامل مع محطة تخزين النفط في رأس مركز، لترسخ مكانة البلاد على خريطة الطاقة العالمية.

مع هذه المشروعات الاستراتيجية تتشكل ملامح هيكل النمو والتنويع الاقتصادي الجديد من خلال صناعات ريادية ومشروعات كبرى للبتروكيماويات والخدمات اللوجستية وصناعات الغذاء.

وترسي الدقم مكانتها كمدينة المستقبل العصرية ومركز صناعي قادر على تطويع الابتكار وجذب الاستثمارات الجديدة التي تقدم الحلول المتجددة للتنمية والتنويع، وتبدي توجها نشطا نحو التحول لمدينة ذكية ومستدامة للعمل والحياة.

وانسجاما مع هذا التوجه تتبنى المنطقة الاقتصادية مشروعات المستقبل التي يقود دفتها الشباب بأفكارهم الفذة وإبداعاتهم، بين مبتكر ومستثمر، حيث خصصت أول منطقة لتجارب الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة وتقنيات المستقبل، وبها استثمارات طموحة منها مركز مستوطنة الفضاء ليخدم الأبحاث والتجارب العلمية والعملية لمحاكاة رواد الفضاء وأبحاث العلوم والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي.

وفي ظل التوجه العالمي نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة، تقود الدقم التحولات المهمة في الصناعات الخضراء، بعد التوقيع على اتفاقيات صناعات الهيدروجين الأخضر، التي تمثل في حد ذاتها إضافة نوعية غير مسبوقة للتنويع، وتمهد لجذب استثمارات تعتمد على الوقود الصديق للبيئة كما هو مصنع الحديد الأخضر، مخصصة مساحات واسعة لتطوير هذا التوجه الصناعي المستدام.

إن الوضع التنموي الذي وصلت إليه سلطنة عمان يدعو إلى التفاؤل بالدور الرائد الذي تؤديه المناطق الصناعية والحرة والخاصة بوصفها محركات مهمة للتنويع الاقتصادي، وقد استفادت عمان من تجارب الدول الرائدة في هذا القطاع التي حولت مسارها نحو الازدهار.. ففي ميادين العمل والبناء تشكل الأمم ملامح مستقبلها، وتواصل طريقها نحو المجد.

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، حققت سلطنة عمان الكثير من النتائج الإيجابية والملموسة في الجوانب المالية والاقتصادية، لتكون منطلقا إلى مزيد من الحصاد، وتأكيدا على نجاعة وجدية توجهات التنمية في رؤية عمان المستقبلية وخطة التنمية العاشرة وارتكازهما على منهجيات مدروسة وبرامج تحدد المستهدفات وآليات التنفيذ. وما تحقق يعطي أفقا واسعا للتنويع، وإرساء قاعدة إنتاجية متنوعة ومتطورة للنمو.

إن عمان بطموحاتها وقفزاتها التاريخية لا يمكن أن يقف بها الزمن؛ لذلك ظلت وتظل مشرئبة إلى مستقبلها، متكئة على ثوابتها، مراهنة على ذخيرتها الدائمة عقول شبابها، وإيمانهم بأدوارهم، منطلقة من يقينها بمكانتها العظيمة التي حباها الله منذ الأزل. وتبقى الدقم أحد المسارات التي تبناها فكر جلالة السلطان ـ حفظه الله ـ للوصول بعمان إلى المكان الذي تستحق.