البرتغاليون الذين انضموا للمقاومة العمانية

16 يوليو 2023
16 يوليو 2023

كان أعظم بلاء تعرضت له سلطنة عمان عبر تاريخها هو الغزو البرتغالي الذي استعمر سواحلها لأكثر من قرن ارتكب فيه البرتغاليون الكثير من المجازر العرقية التي دونوها في وثائقهم المحفوظة حتى اليوم في الأرشيف البرتغالي بالمكتبة الوطنية بلشبونة، ولا شك بأن تلك الوثائق قد وثقت العديد من التفاصيل المرعبة لمجازر البرتغاليين ونهبهم وأسرهم لكل الضحايا العمانيين الذين وقعوا تحت أيديهم في المناطق الساحلية العمانية بداية من ظفار حتى مسندم وما يليها من المدن العمانية في ذلك الوقت.

يتساءل الكثير عن سبب سيطرة القوة البرتغالية على الساحل العماني ولماذا امتد لهذا الزمن البعيد ليتجاوز أكثر من 100 سنة من العذاب الشديد للغاية على أجدادنا رحمهم الله؟!

والإجابة تكمن في أن عُمان وقتها كانت تعاني من اضطرابات سياسية خطيرة صراعا على السلطة مما تسبب في نشوب العديد من الحروب الأهلية التي هلكت العباد وقتلت منهم الكثير وبالتالي عدم وجود حكومة مركزية وجيوش مقاومة منظمة أدت في الأخير إلى ما يشبه بعصر الطوائف الذي حدث في الأندلس!

إذن نحن نتحدث هنا عن عصر الممالك العمانية من تحكمها بعض الشخصيات ليصل عدد الحكام في عُمان في تلك الفترة المظلمة من الزمان إلى أكثر من 40 حاكما وفق بعض المصادر التاريخية!

فهل لكم أن تتخيلوا كيف هي الأوضاع حينما قدم المستعمر البرتغالي للمنطقة؟!

أليس هذا الوضع اليوم يشبه الاحتلال الصهيوني لفلسطين؟!

عموما كل هذه الأحداث أدت في الأخير إلى استغلال المستعمر كل هذا الضعف ليقبع في سواحلنا العمانية مسيطرا على التجارة ليزداد الوضع الاقتصادي ترديا لدى العمانيين الذين كان ثراؤهم ينبع من التجارة البحرية منذ ما قبل الميلاد.

ومن الغرائب جدا أن المؤرخين العمانيين المعاصرين للأحداث لم يذكروا تفاصيل هذا الاستعمار، وهي علامة استفهام لم أستطع تفسيرها حتى الآن فكيف لاحتلال بغيض كهذا ولمدة طويلة لم يأت ذكره في كتب التاريخ العمانية القديمة عكس البرتغاليين الذين دونوا كل التفاصيل وقتها في وثائقهم المهمة؟!

وكم أسعدني جدا أن أجد موسوعة قيمة للغاية قامت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالعمل عليها لجمع 1500 وثيقة برتغالية فيها إشارات تفصيلية عن وجودهم في مدن الساحل العماني والتي حررها مجموعة من المختصين بعنوان «موسوعة الوثائق البرتغالية عن عُمان» الصادرة عام 2015م، ورغم أهمية هذا العمل لكل باحث تاريخي إلا أن الموسوعة للأسف غير متاحة للجميع إلا بأمر من وزير الأوقاف والشؤون الدينية!

وإنني لمن المحظوظين أن أجد نسخة من هذه الموسوعة المهمة من تاريخنا التي أفتقدها جدا لعدم اطلاعي على ما دَونه الاستعمار البرتغالي عن عُمان.

واختصارا لكل شيء سأنقل لكم بعض ما شدني في هذه الموسوعة، ومنها التحاق مجموعة من البرتغاليين للمقاومة العمانية في قلهات، وأهمية مدينة قلهات التجارية، فقد كانت أهم ميناء عماني ثري في المنطقة، وقد بينت الوثائق البرتغالية كل هذا منذ عام 1507م، ولا تنس عزيزي القارئ أن مدينة قلهات العمانية الثرية كانت لسنوات طويلة عاصمة مملكة هرمز الغنية جدا والتي وقعت هي الأخرى تحت يد الاستعمار البرتغالي الذي استعان بالحكام المحليين فيها.

تقول الوثيقة عن هروب البرتغاليين للالتحاق بأهل قلهات والمدونة عام 1517م:

«في الثاني من يونيو المذكور، سلم الوكيل التجاري ستة أشرفي ونصف (عملة نقدية) لجواو دو مييرا قبطان السفينة المسماة ساو جورج تنفيذا لأمر صادر عن القبطان بعد أن تأكد أنه أنفقها رفقة مسلمين كلفهم بالبحث عن برتغاليين فرا من قلهات والتحقا بالمسلمين»!

ولنتمعن في هذه الوثيقة البرتغالية، ولنحاول سويا أن نتخيل ماذا حدث؟!

سأشارككم هذا الخيال عن شبان برتغاليين كانوا برفقة السفاح الفونسو دي البوكيرك الذي أمرهم بقتل الأبرياء من الأطفال والنساء في قلهات بكل وحشية وعنف بعدما قضى على المقاومين هناك، كانوا يشاهدون كل هذه الفظائع والهمجية تمارس بحق العزل، أرادوا الامتناع وحاولوا التراجع عن قتل الأطفال، إلا أن قائدهم أمرهم بمواصلة القتل وإلا سيتم إعدامهم وصلبهم بتهمة التمرد، لم يكن ضميرهم سيسمح لهم بالخضوع أكثر لقتل أهلنا في قلهات دون أي مسوغ إلا طغيانا وتطهيرا عرقيا مقيتا لمسلمين لا حول لهم ولا قوة، لم يرحموا صرخات الأطفال والنساء ولا الرجال الذين تهتك دماء عائلاتهم أمام أعينهم قبل إعدامهم!

كانوا يعتقدون بأنهم سيواجهون وحوشا مثلما قيل لهم في لشبونة، ولم يجدوا إلا أناسا طيبين لا يريدون إلا السلام، وهنا قرروا الهرب، والفكاك من قادتهم وجرائم الحرب التي يرتكبونها، فكوا أسر بعض العمانيين الذين كانوا يعذبون ليل نهار تسلية بيد قادتهم بعدما اقتحموا السجن وقتلوا حراسه ليفكوا قيد الأسرى وينطلقوا بعيدا من قلهات متجهين إلى مركز المقاومة في أطراف المدينة حيث يختبئون، لينضموا مع المقاومة العمانية الباسلة ضد البرتغاليين وأعوانهم الخونة، في الوقت الذي خصص فيه القائد البرتغالي مبالغ من المال كمكافأة لمن يدلهم عليهم.

هكذا أتخيل الأحداث وأنا أقرأ الوثيقة فكيف تراها أنت عزيزي القارئ؟!

نصر البوسعيدي كاتب عماني