الأغنية العُمانية ليست بخير

01 أكتوبر 2022
نوافذ ..
01 أكتوبر 2022

عندما أُعلنت وفاة المطرب يعقوب نصيب يوم الجمعة قبل الماضي (23 سبتمبر 2022م) تحسّر كثيرون، ليس لخبر الوفاة فقط فالموت حقّ في النهاية، وإنما أيضًا لأنهم اكتشفوا أن هذا الفنان العُماني الذي أمتع جمهوره في الثمانينيات بأجمل الأغاني كان يعيش بين ظهرانيهم طوال هذه المدة وهم يظنونه مات منذ زمن طويل. أما المطرب مدين مسلّم، فقد تكفّل مرضُه وانتشار خبره في وسائل التواصل الاجتماعي في تعريفنا أنه مازال حيًّا، ولكن ليس لفترة طويلة، فما لبث أن رحل هو الآخر عن عالمنا بعد خمسة أيام فقط من رحيل يعقوب نصيب، أي يوم 28 سبتمبر2022م.

يموت المطرب العُماني مرتين، الأولى عندما يسكت صوتُه سنوات طويلة دون أن ينتبه له أحد، والثانية هي الميتة الحقيقية المكتوبة علينا جميعا، ولا أظنني مبالِغًا إذا قلتُ إن الميتةَ الأولى هي التي تعجّل بالثانية، مع إيماننا طبعًا بأنه "لكل أجل كتاب".

قبل أن يرحل الفنان حكم عايل عام 2010م عن عمر 56 عاما فقط، وهو واحد من أهم الأصوات التي أنجبتها الأغنية العُمانية، أصيب بمرض في حنجرته أدى إلى فقدان صوته، وكأنها كانت إشارة قَدَرية رمزية لما سيحدث للأغنية العُمانية في تالي السنوات، إذْ لم تعد هذه الأغنية تُبث كالسابق في الإذاعة والتليفزيون إلا فيما ندر، ولم يعد المطربون العُمانيون يغنون، إلا قلة قليلة على رأسها صلاح الزدجالي وسالم العريمي وأيمن الناصر، وربما اسم أو اسمان آخران. ولأسباب تقشفية تخلت المؤسستان الرسمية والخاصة عن دعم الأغنية العُمانية، وتوقف مهرجانها الذي كان يرفد الساحة بالأصوات الجديدة، واختفت شركات الإنتاج الغنائي. وتزامن هذا كله مع رحيل أهم المطربين العُمانيين تباعًا: حمدان الوطني (مارس 2014)، سالم اليعقوبي (نوفمبر 2014)، أحمد راضي (يوليو 2015)، عبدالله الحتروشي (فبراير 2017)، سالم بن علي (نوفمبر 2017)، وصولًا إلى يعقوب نصيب ومدين مسلم، ليصبح المطرب العُماني إما ميتًا كهؤلاء، أو معتزِلًا برضاه (كأحمد الحارثي وإبراهيم خلفان)، أو صامتًا رغمًا عنه لضيق ذات اليد.

كل هذه المعطيات تقول لنا بكل أسف إن الأغنية العُمانية ليست بخير. وهذا ما أكده "سفير الأغنية العُمانية" الفنان سالم بن علي في حوار إذاعيّ أجريتُه معه في ديسمبر 2015م، إذْ وصف المطربين العُمانيين بأنهم "سحابة صيف"، وذلك في معرض تحسّره على ضعف اهتمام المؤسسات الحكومية والخاصة بهم، وخصّ بالذكر الفنان حكم عايل الذي "مرض ومات ولم يلتفت له أحدٌ في مرضه، ولم يحيِ أحدٌ ذكراه بعد وفاته لا في جريدة ولا في تليفزيون" كما قال. وكأن سالم بن علي -الذي سيرحل بعد هذا التصريح بعامين – كان يتنبأ أيضًا بما سيحدث له هو شخصيًّا بعد رحيله.

ليست الألحان العُمانية بالضعيفة، بدليل أن مطربين عربًا كثرًا يتسابقون إلى غنائها، بل إن بعضهم ينسبها لنفسه أو للتراث رغم أن ملحنيها العُمانيين على قيد الحياة، ومثال ذلك أغنية "عليهم صابرٍ" الشهيرة لعبدالمجيد عبدالله، التي "أخذ" الملحّن أنور عبدالله لحنها من أغنية حمدان الوطني. لكن مطربين وموسيقيين عربًا آخرين اعترفوا باللحن العُماني، كسميرة توفيق التي غنت عدة أغانٍ عُمانية، ومنها أغنية لحنها الملحّن العُماني ابن الساحل خصيصًا لها هي "يا بنات الخليج"، والعراقي نواف علي في غنائه أغنية حمدان الوطني الشهيرة "يا طير ياللي تنوح". وآخر هؤلاء حمزة نمرة في توزيعه الجديد لأغنيتَيْ "يا صانع اصنع لي طيارة" و"يا ماشي ممبي". وهذا التوزيع الجديد الذي يتماشى وروح العصر هو الذي انتبهت له مبكّرًا شركة إنتاج فني كبيرة كـ"سابكو" عندما أحيتْ أهم أغاني المطربين العُمانيين القدامى كمحمد سلطان المقيمي وحمدان الوطني وعبدالله بشير، بإعادة إنتاجها في ألبومات جديدة وفي توزيع لحني جديد، قبل أن تتراجع "سابكو" وتتخلى عن دورها المهم.

لستُ من هواة البكاء على اللبن المسكوب، لذا سأقول إن ثمة خطوات كثيرة يمكن بها – إذا ما توفرت الإرادة - إعادة الأغنية العُمانية إلى سابق عهدها الجميل في الثمانينيات والتسعينيات؛ منها تأسيس شركة أو شركات إنتاج غنائي كبيرة على غرار "سابكو" تكون مهمتها إنتاج الأغاني للأصوات الجديدة، وتلك الصامتة منذ سنوات، ومنها أيضًا عودة مهرجان الأغنية العُمانية السنوي، وتخصيص مساحات يومية للأغنية العُمانية في القنوات الإذاعية والتليفزيونية الحكومية والخاصة، وتكريم الدولة للأسماء الكبيرة التي أعطت أعمارها للغناء كشادي عُمان ومسلم بن علي بن عبدالكريم، وسالم محاد، وأحمد مبارك غديّر، وغيرهم، وخطوات كثيرة أخرى يمكن أن يذكرها الفنانون أنفسهم إذا ما دُعُوا لندوة حوارية تتبناها إحدى مؤسسات الدولة. وفيما عدا ذلك فإننا سنظل نتباكى على الأغنية العُمانية التي سيكون لسان حالها أغنية يعقوب نصيب الشهيرة: "ولا مرة جانا الزمان يعطف علينا/ ولا مرة شفنا الحنان بلمحة عينينا/ وكلما بكينا، وكلما شكينا/ لا مِن سمعنا، ولا مِن يعطف علينا".