آلات الموسيقى العُمانية التقليدية والهُوية الثقافية «5»

21 أبريل 2024
21 أبريل 2024

استكمل ما بدأته في المقالات السابقة بشأن الآلات الموسيقية المحلية حسب التعريف الذي اعتمده في هذه السلسلة من المقالات، ثم أعرج في مقال تالٍ -إن شاء الله- إلى تلك الآلات التي أعتقد أن لها جذورًا غير محلية وجاءت إلى الموسيقى العُمانية عبر طرق الاتصال المختلفة التي طورها العُمانيون والشعوب المجاورة في آسيا وإفريقيا عبر قرون طويلة للتواصل فيما بينهم لأغراض متنوعة.

وفي الواقع يمكن التعرف على هذه الآلات بأنواعها إما من خلال أسمائها أو شكلها المميز وكذلك وظيفتها وهي جميعها عبر الاستعمال الطويل أصبحت من الآلات الموسيقية التقليدية العُمانية.

وفي هذا المقال سأقدم بعض المحاور التي من شأنها توضيح بعض هذه الخصوصيات مع مقارنة عاجلة بين بعض الآلات الإيقاعية المحلية الشرقية والجنوبية للجزيرة العربية وشمالها.

وكما وقعت الإشارة سابقا فإنني من الناحية النظرية أربط استعمال الآلات غير محلية المنشأ مع بدء العلاقات الاجتماعية والتجارية مع الشعوب المجاورة، ويمكن تتبع ذلك عبر المراجع والمصادر التاريخية المكتوبة رغم أن العُمانيين في المرحلة التي كتبوا فيها تاريخهم لم يعتنوا بصناعة الآلات الموسيقية ولا بفن الموسيقى عامة كما فعلت الشعوب التي اتصلوا بها في آسيا وإفريقيا، وتاريخ المراحل السابقة ( قبل الإسلام) كُتب في ظل سيادة هذا النظام الثقافي الجديد وبالتالي يمكن القول نظريًّا ومنطقيًّا أن ما يتصل بالموسيقى أو السماع قبل وبعد نشأة الكتابة التاريخية قد تم إهماله إلا في حالتين، الأولى، في سياق النقاش في مسألة ممارسة الموسيقى والغناء وهو في الغالب نقاش حسمه المتشددون لصالحهم حتى بدء مرحلة عُمان الإصلاحية.

والحالة الثانية، في سياق ذكر بعض الأحداث التاريخية وخاصة المعارك الحربية، وما تستعمله الأطراف المتخاصمة من آلات موسيقية لأغراض تشجيع المقاتلين أو الاحتفال بالنصر، وقد أشرت إلى ذلك في كتاب: «الموسيقى العُمانية مقاربة تعريفية وتحليلية» اعتمادا على ما ورد في كتاب: «تحفة الأعيان في سيرة أهل عُمان» وذكرت الآلات التي وردت في هذا المصدر التاريخي.

وفي هذا السياق نجد في كتاب: «كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة» للشيخ سرحان بن سعيد الأزكوي إشارة إلى وجود مقاتلين هنود شاركوا في المعارك الجارية لقمع ثورة ضد الإمام المهنا بن جيفر الذي تولى الإمامة عام 226هـ ومات 237هـ حسب المصدر المذكور.

وقبل ذلك وقعت الإشارة في المصدرين السابقين عن مغادرة سليمان وسعيد ابني عباد بن عبد بن الجلندى إلى شرق إفريقيا بعد انهيار دولتهم أمام جيوش والي العراق الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي مما يدل على قدم الصلات مع شرق إفريقيا.

إن هذه الأمثلة التاريخية التي أشرت إليها لا يمكن إغفالها عند دراسة تاريخ آلات الموسيقى العُمانية، خاصة أن الجذور الآسيوية والإفريقية بارزة في أنواع هذه الآلات وسنأتي على ذكر بعضها في مقال لاحق. وبشكل عام تعود جميع أنواع آلات الموسيقى التقليدية العُمانية إلى ثلاثة جذور جغرافية وثقافية هي: محلية، وآسيوية، وإفريقية، ونقصد بالآلات المحلية ما مصدرها عُمان والجزيرة العربية بحدودها الشاملة، فمعظم هذه الآلات الموسيقية على تنوعها، استعمالها مشترك في هذه البيئة الجغرافية والاجتماعية والثقافية العربية.

وبشكل عام آلات الإيقاع العُمانية ثلاثة أصناف: طبول برميلية الشكل برقمتين جلديتين، وأخرى دائرية برقمة جلدية واحدة وجميعها تصنع من الخشب والجلد، أما أنواع المصوتات بذاتها فتصنع من مواد متنوعة ثابتة أو منقولة، وذكرنا بعضها في مقالات سابقة تحت هذا العنوان.

وهذه الآلات الإيقاعية التي تصنع من الخشب والجلد يصعب تحديد تاريخ ظهورها في عُمان، فهي بالتأكيد آلات قديمة ولكنها كذلك بالنظر إلى طريقة صناعتها لم تظهر إلا بعد ظهور حرف الدباغة وصناعة الحبال، وبشكل خاص حرفة النجارة وامتلاك النجارين الأدوات المناسبة للتعامل من الخشب بالحفر أو التزيين، كما هو الحال مع طبول محافظة مسندم التي تشبه الساعة الرميلة. بل أن أشكال الحفر التجميلي على أجسام هذه الطبول قد يكون لها سياق تاريخي له صلة بتقنيات هذه الصناعة.

والطبول البرميلية الشكل لها ثلاث أحجام أساسية: الأول: الرحمانيات أو المهاجر، وهي أكبر الطبول العُمانية حجما، والثاني: الكواسر، وهي الطبول المتوسطة الحجم، ثم ثالثا: الطبول الأصغر حجمًا وتسمى في ظفار المراويس، وهذه الآلات أصيلة وقديمة في الثقافة العربية الجنوبية ومشتركة بين عُمان وحضرموت، ومنها انتشر استعمالها مع عود القنبوس في الخليج وشرقي آسيا وإفريقيا.

فحسب معلوماتي المتواضعة فإن هذا الثلاثي من الطبول ليس من الآلات الأساسية الإيقاعية في شمال الجزيرة العربية وأقطار الخليج، واستعمالها هناك متصل بالتأثيرات الثقافية والموسيقية الآتية من عُمان وحضرموت، ذلك أن السماع أو الطارات هي الآلات الإيقاعية الأساسية هناك كما هو الحال في السامري والعرضة.

والاختلاف هنا، أننا في شرق وجنوب الجزيرة العربية نستعمل أكثر أنواع الآلات الإيقاعية البرميلية حتى أننا في العرضة النجدية الأصل التي تسمى عندنا العيالة وأحيانا الوهابية نستعمل في أدائها أنوعًا من هذه الطبول، وليس كما هو شائع في السعودية والخليج أنواع الطبول الدائرية مختلفة الأحجام والتي قد تُغطى جانبيها برقمتين جلديتين ويتم تزيينها بذيول من الخيوط الملونة كما في العرضة النجدية... وللمقال بقية.

مسلم الكثيري موسيقي وباحث