سفراء بحر عُمان

03 سبتمبر 2025
03 سبتمبر 2025

كان الشاعر الراحل زاهر الغافري كثيرا ما يتغنّى ببحر عُمان، ويصفه بـ«العظيم»، وإذا كان الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري يقول مخاطبا نهر دجلة: يا دجلة الخير يا نبعا أفارقه 

على الكراهة بين الحين والحينِ 

فالغافري يقول«بحر عُمان العظيم 

لا أفارقه ولا يفارقني 

حتى في المنام» 

ليس فقط لكونه يشكّل مصدرا لعيش الكثير من الصيّادين والبحّارة ولا لجمال شواطئه، بل لأنّ في ذاكرته جرى تدوين ملاحم بطوليّة، ومن رحم هذا «العظيم» خرج رجال أفذاذ صنعوا تاريخ المنطقة باستكشافاتهم، ومغامراتهم، وبسالتهم في الحروب التي خاضوها دفاعا عن التراب ضد الغزاة الطامعين بأرض عُمان، وحين كتبتُ عن مشاهداتي خلال حضوري بعض فعاليات مهرجان (أمستردام للسفن الشراعية) الذي احتضنته العاصمة الهولندية (أمستردام) خلال أيام المهرجان الذي أقيم خلال الفترة 20 - 24 أغسطس 2025 م، لم أشأ المرور بشكل عابر على مشاركة سفينة (شبابُ عُمان الثانية)، المبنيّة على غرار السفن الشراعية القديمة، فهذه المشاركة لم تكن بالعابرة، فقد أسفرت عن تتويجها بجائزة (سفراء البحر)، خصوصا أن عُمان هي الدولة العربية الوحيدة المشاركة في المهرجان الذي يُقام منذ خمسين سنة بواقع مرة واحدة كلّ خمس سنوات، وجاء في حيثيّات الفوز أن الانضباط الطاقم العسكري العالي يقف في مقدّمتها إلى جانب عرض الأزياء التقليدية العُمانيّة، وهي أزياء عُرفت بخصوصيتها كونها تعبّر عن اعتزاز المجتمع العُماني بتراثه، وهُويته، ومحافظته عليه، مثلما يعتزّ بتراثه البحري، الذي يمتدُّ مع تاريخ عُمان، وقد صاحب العرض معزوفات من الموسيقى الشعبية العُمانية، تفاعل معها الجمهور، وصفّق بحرارة لها، إلى جانب محاضرات قدّمتها هيئة الاستثمار العُمانية لتعريف المستثمرين بالإمكانات الاقتصادية والعمرانية للسلطنة، كلّ هذه الأسباب جعلت سفينة شباب عُمان الثانية، تفوز بهذه الجائزة بجدارة، وتأكيدا لعمق العلاقات التاريخية بين السلطنة وهولندا قامت الأميرة لورينتيين بزيارة سفينة (شباب عُمان الثانية) سفيرة السلام العالمي، كما وصفتها الصحافة الهولندية هي شقيقة سفينة ( كليبر ستاد أمستردام) التي افتتحت المهرجان الذي تجاوز زوّار مواقعه المليون زائر لأول مرة، وقد بُنيت كلتا السفينتين في أمستردام بواسطة مجموعة (دامن) لبناء السفن، وتميّزت بمظهرها الأنيق، وأهميّتها الثقافية، ولم تقتصر الفعاليات على السفن التي جعلت نهر (أمستل) ملعبا لها، بل امتدّت إلى الشوارع، لتسير مواكب الوفود المشاركة، وكانت تتقدّم الوفد العُماني شابة عُمانية ترتدي الزي التقليدي وتحمل راية السفينة وشاب عُماني يرتدي الزي الوطني ويحمل بفخر الراية الخفاقة وخلفهما يسير المشاركون بأزيائهم العسكرية الأنيقة. 

وخلال صعود سموّ الأميرة متن السفينة التقت بطاقمها الذي قدّم تعريفا بالسفينة التي أدرجتها منظمة اليونيسكو ضمن قائمة أفضل الممارسات عالميا، وشمل التعريف تعدادا للأشواط التي قطعتها، وهي أشواط تدعو للفخر، فقد كانت سفينة عُمان الأولى قد اتجهت إلى نيويورك عام 1986م بهدف المشاركة في الذكرى المئوية الأولى لتنصيب تمثال الحرية وإحياء ذكرى رحلة (السفينة سلطانة) التي رست على ضفاف ميناء نيويورك في 13 أبريل 1840م حاملة على متنها أول سفير عُماني وعربي ( أحمد بن النعمان ) مع فصوص اللبان والبخور والسجّاد، وعطور وسيف مرصّع بالذهب وجوادين عربيين وهدايا أخرى ثمينة بعثها السلطان السيد سعيد بن سلطان(1807-1856) لتكون أول دولة عربية ترسل سفيرا لأمريكا. 

ولم تتوقف الإشادات بسفينة شباب عُمان الثانية، التي دشّنت عام ٢٠١٤ م وتشرف عليها البحرية السلطانية العُمانية، عند كلمات الإعجاب التي سالت على لسان سموّ الأميرة الهولنديّة، بل تجاوزت ذلك إلى ثناء الصحف والمواقع التي تهتم بكل ما يتعلق بالملاحة والقوارب، ومن أبرزها الموقع النيوزيلندي ( Boating New Zealand ) الذي ذكر في تقريره عن المهرجان أنّ السفينة العُمانية تمثّل «سفير سلام»، كما أكّدت وسائل الإعلام الهولندية في تغطياتها للمهرجان على القيمة التاريخية والثقافية لسفينة شباب عُمان ضمن المشاركات البحرية العالمية، ومن بينها المنصة الإخبارية الهولندية الشهيرة الناطقة بالإنجليزية ( NL Times) التي نشرت تقريرًا تضمن ذكر السفينة ضمن عدد من السفن التي شهدت طوابير طويلة لمشاهدة الصعود إليها، مشيرة إلى أن السفينة لفتت الانتباه من بين عدة سفن أخرى كانت مشاركة في المهرجان. 

كما نشرت صفحة المهرجان معلومات عن تاريخ السفينة باللغة الهولندية ونقل لي الصديق الشاعر علي شايع محتواها، ووصف الموقع السفينة بأنها «أكثر من مجرد رمز لتاريخ البحرية في العالم، بل هي سفيرةٌ، ورمزٌ فخورٌ لـ٤٠٠ عام من التضامن البحري، وذلك بخطوطها الرشيقة، وصواريها الثلاثة المهيبة، و34 شراعًا، وذكرت صفحة المهرجان كما أشار شايع:»تُعدّ سفينة «شباب عُمان 2» من أطول السفن الشراعية في فئة السفن الشراعية القصيرة، وتتّسع السفينة لـ54 فردًا من أفراد الطاقم و36 متدربًا، فعلى متنها يتدرّب عشرات الشباب العُمانيين على فنون الملاحة البحرية التقليدية، والقيادة». 

إن جائزة (سفراء البحر) تأتي تتويجا رمزيا لعلاقة تاريخيّة مع البحر، الذي على شواطئه كتب الأجداد أروع صفحات الأمجاد. 

عبدالرزّاق الربيعي شاعر وكاتب عماني