الصيف.. إثراء المعرفة وتكامل الخيارات

15 يوليو 2023
15 يوليو 2023

تشكل الإجازات الصيفية لطلبة المدارس والأسر فرصة مهمة لإعادة التوازن، ومراجعة التطلعات وتقييم المتحققات، وإعادة ترتيب الطموحات والخيارات والأهداف على حد سواء، وبلا شك فإن الترويح والاسترخاء والترفيه لابد أن يشغل حيزه الطبيعي في خارطة أيام هذه الإجازات؛ كون أن الانتظام اليومي على الدراسة، والجهد الفكري والجسدي للطلبة والمربين في سبيل تحقيق أهداف التعلم وحصد النتائج المرجوة يستهلك بلا شك من طاقة الطلبة وأسرهم. في المقابل فإن الاستثمار الأمثل في مواسم الإجازات الصيفية وربطها ببناء القدرات النوعية، وتغطية المعارف التي لا يسع الصف الدراسي لتغطيتها، واكتساب مهارات المشاركة الاجتماعية، وتعزيز التقاط المهارات المهنية الأولية يعد مطلبًا مهمًا كذلك، ويحقق قيمًا تنموية مضافة على مستوى شخصية الطالب، وللدولة بشكل عام.

تدور فكرة هذه المقالة حول مسألة خيارات الاستثمار في الإجازة الصيفية، وهنا نتساءل عن جدوى وجود منصة موحدة جامعة، تدار بطريقة مركزية، وتتيح للطلبة وأولياء أمورهم التخير بين عدة أنشطة وبرامج متنوعة للاستثمار الأمثل في إجازاتهم الصيفية، بحيث تكون المدد التي تقدم فيها هذه البرامج وفق خيارات متعددة، وبما ينسجم مع الحد الطبيعي أيضًا لفترة الترويح والترفيه والاسترخاء التي يحتاج إليها الطالب مع أسرته وذاته. هناك تباين في الأدبيات التي عدنا إليها حول الحد الطبيعي للإجازات الصيفية بشكل عام، وحول آليات استثمارها. فالتحليل للدراسات حول ذلك قامت به دراسة «The effects of summer vacation on achievement test scores: A narrative and meta-analytic review» يشير إلى طول فترة الإجازات الصيفية قد يؤثر على تحصيل الطلبة في الاختبارات؛ وخاصة في الرياضيات، وتأثير أقل على مهارات القراءة. بينما تربط دراسات أخرى ذلك بطبيعة العوامل الاجتماعية؛ مثل الطبقة الاجتماعية التي تنحدر منها الأسرة، وحجم الأسرة، ومكان الإقامة. وعلى أية حال فإننا نعتقد أن مثل هذه المدد في خصوصها وهياكل (تقويم السنة الدراسية) في عمومها هو مرتبط بصانع السياسة التعليمية، وبأهداف التعلم، وبالغايات الوطنية من التعلم، وبكثافة المعرفة والمهارات التي يجب أن يتلقاها الطالب بنهاية كل مرحلة دراسية، وبتقويم الإجازات والمناسبات الأخرى القائمة في الدولة.

وبالعودة إلى فكرة المنصة الموحدة؛ فإننا ندرك أن هناك الكثير الآن من العروض والخيارات التي تتيح للأسر اختيار ما تعتقده الأنسب لطلبتها؛ سواء من أنشطة رياضية، أو إلحاق بالمعاهد والمراكز الصيفية، أو إرسال في فترات معايشة وتعلم لدول أخرى وسواها من أنماط الاستثمار المتنوعة والجيدة. إلا أنه في تقديرنا يمكن أن تكون هذه المنصة أكثر تنظيمًا وضمانًا للقيمة التنموية المضافة، وتسهيلًا على أولياء الأمور للوصول إلى الخيارات المتاحة. فعلى سبيل المثال يمكن أن تطرح المنصة 5 مجالات أساسية، بحيث تندرج تحت كل مجال جملة من الخيارات. أو أن تتيح للأسرة والطالب خيارا من كل مجال لإعداد برنامج صيفي متكامل. وهذه المجالات الخمسة يمكن أن تكون (دورات التعلم الذاتي - برامج التطوع وخدمة المجتمع - برامج التدريب والمهارات الوظيفية - برامج التعلم التقني والمهني - برامج المعايشة والتعلم في الخارج). وهنا يمكن دعوة مقدمي مثل هذه البرامج (المحليين) لتقديم برامج متكاملة في المجالات الخمسة كخيارات مطروحة على المنصة، كما يمكن دعوة مؤسسات المجتمع المدني (الجمعيات) لتقديم برامج يمكن من خلالها إشراك الطلبة في العمل التطوعي والإسهام فيه وتسهم في تعزيز مهارات اندماجهم وإسهاماتهم الاجتماعية من خلالها. كما يمكن دعوة مكاتب المحافظات لتقديم الأحداث المتوقعة خلال فترة الصيف والتي يمكن أن يشارك الطلبة في تنظيمها وإخراجها. على الجانب الآخر يمكن دعوة بعض الشركات الكبرى لطرح بعض برامج التدريب الصيفي المهني بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل وترفيع مهارات الطلبة حسب المستوى الدراسي لهم. ويمكن كذلك تشغيل بعض برامج المنصة من خلال ربطها بمنصات التعلم الذاتي المعروفة مثل تلك التي تقدمها الجامعات العالمية، أو Coursera وسواها. ويتاح في المنصة للطالب تخصيص الخيارات حسب الصف الدراسي المنتقل إليه.

يمكن أن تكون بعض البرامج (مدفوعة)، ويمكن أن يكون بعضها (مجانية)؛ أما البرامج المدفوعة فيمكن أيضًا للطالب والأسرة تخصيصها حسب (إمكانية دخل الأسرة المتاح)، وبحسب عدد الطلبة من أفراد الأسرة الذين ترغب في إلحاقهم بهذه البرامج. يمكن كذلك أن تكون تجربة المنصة في السنوات الأولى (اختيارية) بالنسبة للطلبة والأسرة، على أن تتم عملية تقييمها بشكل دوري من ناحية الإقبال والمخرجات والانتظام، وربطها لاحقًا بدراسات تتبعية للأثر على مستوى اكتساب المهارات، والتحصيل، والاندماج المجتمعي، والمهارات الوظيفية. كما من الضرورة في حال وجود المنصة أن تتضمن برامج خاصة للطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة. وستكون المنصة كذلك داعمة ومحكومة في الآن ذاته للجهود الأهلية التي ترعى إقامة برامج صيفية للطلبة، سواء المراكز الصيفية في الولايات، أو البرامج التي تقيمها المجالس العامة. إن الأثر المرجو من مثل هذه المنصة متعدد الأوجه؛ فهو يضمن ويسهل لأولياء الأمور والطلبة الاطلاع على كمّ معقول من الخيارات المتاحة للبرامج الصيفية دون تكلف عناء البحث الذاتي، ويكفل تخصيص الخيارات المناسبة والمتنوعة قياسًا بالمستوى التعليمي للطالب. وهي على الجانب الآخر ستوفر خدمة لمقدمي هذه الخدمات الصيفية لعرض برامجهم في منصة موحدة. وفي شق مهم فهي تضمن إدماج شق التطوع والعمل المجتمعي كنشاط أساس وفاعل في تنمية شخصية الطلبة ومهاراتهم الاجتماعية. عوضًا عن ذلك فإنها ستتيح تصميم البرامج وفق (أولويات وطنية وتعليمية واضحة)؛ بحيث إن هذه الأولويات تبنى كل عام بناء على: أولويات التنمية الوطنية - مخرجات تقييم منظومة التعليم والتعلم عبر وسائلها المختلفة - حاجيات الاقتصاد الوطني. ويمكن لاحقًا مع تطور تجربة المنصة تخصيص الأعوام؛ بحيث أن يكون هناك عام مثلًا للاستدامة، وعام للذكاء الاصطناعي، وعام للهوية الوطنية... وبالتالي فإن طبيعة البرامج المقدمة في المنصة ونوعيتها تتسق مع تحقيق مقتضيات وغايات هوية ذلك العام.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان