هل للموسيقى العمانية آلة وطنية خاصة؟
كتبت من قبل في هذه الزاوية مقالا عن الآلات الموسيقية، ولكن هذه المرة أناقش الموضوع من خلال السؤال المبين بالعنوان والذي كان قد وجه لي منذ سنوات ماضية.
الآلات الموسيقية ابتكار بشري يتولاه الصناع وهم عادة عازفون أولهم فيها علم وخبرة، والآلات الوطنية لها تراث ممتد.
والعازفون المهرة صنفان: المهرة المبدعون، ويشتغلون في الغالب على الآلات الوطنية.
فيما المهرة التقنيون من العازفين، يعملون على نقل المهارات والمحافظة على الأساليب الفنية، وهم الأكثرية الساحقة في كل موسيقات الشعوب، ومنهم يتشكل جمهور الموسيقيين الممارسين وأعضاء الفرق الموسيقية.
والخيط الرفيع الفاصل بين هذين النوعين من العازفين، القدرة على الابتكار والتعبير الفني الذي يبلوره العازف المبدع ويميز أسلوبه عن المعتاد أو السائد من الأساليب والمهارات.
ولكن من الذي يكتشف هؤلاء المبدعين؟ إنها المنظومة الثقافية والاجتماعية التي إما أن تكون محفزة أو محبطة، وبهذه المناسبة نذكّر أن شؤون إدارة الثقافة والفنون أمور حديثة في التاريخ العُماني ولم تكن حسب معلوماتي من اهتمامات السلطة السياسية قبل السبعينيات من القرن العشرين.
وفي كل الأحوال صنع العُمانيون بآلات إيقاعية، موسيقى رائعة لها هويتها الخاصة والمتفردة، غير إنه منذ السبعينيات من القرن العشرين تبلورت ظروف ثقافية حديثة حاول الموسيقيون الاستجابة لها والانفتاح على الموسيقى العربية بآلاتها الأساسية الوترية والهوائية والكهربائية التي لم تكن معروفة في الممارسة الموسيقية العمانية بالقدر الذي تحدث فيه فارقا في أساليب الأداء والتعبير الفنيين مثل الآلات الإيقاعية التي برع فيها الموسيقيون العمانيون وما زالوا.
وحسب معلوماتي فآلة العود بنوعيها ليست طارئة على الموسيقى العُمانية، ولكنها في الوقت نفسه كانت نادرة وتستورد من الخارج، وتراثها الغنائي العماني المعروف يمتد إلى القرن العشرين الماضي. وآلات التخت العربية الأخرى كالناي والقانون والكمان والرق غير معروفة في الممارسة عندنا، ولكن يستعمل في مدينة صلالة آلة مشابهة للناي من حيث إحداث الصوت تعرف بالقصبة.
ومجموع آلات النفخ المعروفة في الموسيقية العُمانية التقليدية أربع آلات هي إلى جانب آلة القصبة، المزمار أبو مقرون، والصرناي ( السرناي)، والهبان.
واقعيا يمكننا القول إن الموسيقى العمانية تتكون من نوعين أساسيين من الموسيقى لكل منهما خصائصه الثقافية والفنية، والنوعين هما: الموسيقى التقليدية، والموسيقى العودية، وهذه الأخيرة لا تزال في طريقها للتبلور فنيا وجماليا من وجهة نظري، مما سيتيح لنا إذا ما فهمنا جيدا هذا الواقع التاريخي والفني الاشتغال بشكل إبداعي فعّال على صناعة موسيقى حديثة لها خصائص مميزة في قوالبها الفنية وأساليب أدائها، مستعينين في ذلك بتراثنا المحلي من جهة والمنجزات الإنسانية في الآلات الموسيقية ولغتها وعلومها من جهة أخرى.
وهكذا نحن عمليا أمام نوعين من الموسيقى، واحدة لها تراث فني راسخ وممتد، وأخرى في طريقها نحو التبلور فنيا وخلق حاضنة اجتماعية وثقافية غير تقليدية لها، وهنا يكمن التحدي الفعلي لتطوير الموسيقى العُمانية، فالأولى تحافظ على هويتنا والثانية تمنحنا فرص التجديد والتطلع إلى الآفاق العالمية.
وفي الواقع التطبيقي العربي والعالمي يوجد عدد كبير من أنواع الآلات الموسيقية: إيقاعية، ووترية، ونفخ (نحاسية أو خشبية)، وكهربائية وغيرها، وليس جميعها يستوعب مختلف الأنظمة الموسيقية.. وهذه الآلات على كثرتها لم تتوفر للممارسين في الموسيقى التقليدية، من هنا عندما يتم توظيفها في إعادة أداء بعض ألحان الغناء التقليدي ينظر بعضهم إلى هذا باعتباره تطويرا.
وحسب معلوماتي، تم حصر وتوثيق أكثر من أربعين آلة موسيقية تقليدية عُمانية أكثر من 90% منها آلات إيقاعية لا يستعمل منها في الموسيقى العودية العمانية سوى نوعين هما: آلتا الرحماني والكاسر وفي ظروف محددة.
إن الآلات الموسيقية التقليدية العُمانية لم تصنع لكي تجتمع في فرقة موسيقية واحدة، والعازفون عليها ليسوا مدربين على هذا، ولكن لا يمنع القيام بذلك. والحقيقة كنت في وقت من الأوقات على مشارف جمع عدد منها في فرقة واحدة.
لهذا آمل أن تتولى هذا الأمر يوما ما الجهات المعنية بالحفاظ على التراث الموسيقي والصبر عليه، فهذا سيكون بمثابة ورشة عمل للعازفين والمؤدين من شأنه أن يحقق أهدافا عديدة منها بطبيعة الحال الحفاظ على التراث الموسيقي والتجديد في التلحين والأداء الفني.
ونعلم أن توظيف الآلات التقليدية في الموسيقى العُمانية الحديثة ليس بالأمر السهل لأسباب فنية ونوعية، ولكن تاريخيا الآلات الموسيقية والقوالب الفنية اللحنية والإيقاعية للغناء العودي مشتركة بيننا وبين بقية أقطار الجزيرة العربية، وعود المِزهر الآلة الوترية الأولى المؤسسة لهذا الغناء ورد اسمها ووصفها في كثير من المصادر التاريخية والشعر الجاهلي، وحديثا لها أسماء عديدة منها الطُربي في اليمن أو عود القنبوس في عُمان وحضرموت..
وهذا العود القديم جدا اختفى تقريبا من الجزيرة العربية موطنه الأصلي، ولم يبق من صنّاعه وممارسيه سوى عدد قليل جدا، وأسهم الباحث الفرنسي المعاصر الدكتور جان لا مبير المختص في الموسيقى اليمنية في إعادة إحياء صناعته باليمن، وقد دعونا أحد هؤلاء الصناع إلى مسقط للمشاركة في ملتقى العود الدولي عام 2006. وفي هذا المناسبة أجدد دعواتي المتكررة إلى الجهات الرسمية في عُمان ودول مجلس التعاون واليمن للعناية بهذه الآلة الوترية كرمز ثقافي مشترك لهذه البلاد العريقة.
