سور بَهلا.. قراءة في أحدث وثائقه

06 مارس 2023
06 مارس 2023

سور بَهلا.. عتيق في نشأته، عظيم في مبناه، باقٍ بالمحافظة عليه، شملته قائمة التراث العالمي باليونسكو، حيث أدرج فيها عام 1987م مع مدينته التي يحيط بها. إلا أنه لم يُدرَس علميا، ولم يلج الحقل الأكاديمي حتى الآن، وقد بدأ الاهتمام به أكاديميا يلوح في الأفق، حيث تواصل معي بعض طلاب الدراسات العليا لأخذ معلومات عنه. ومع الإشادة بالأعمال التي قامت بها «وزارة التراث» في ترميم جوانب من السور؛ لكنها لا ينبغي أن تنسينا ما يتعرض له من دمار متواصل، نتيجة العوامل الطبيعية والبشرية.

لقد نشرتُ بجريدة «عمان» مقالين عن السور: «سور بَهلا.. مقاربة في النشأة والبقاء»، بتاريخ: 14/ 3/ 2022م، و«سور بَهلا.. قراءة في أقدم وثائقه»، بتاريخ: 26/ 6/ 2022م. وهذا المقال.. يقرأ آخر وثيقة حصلت عليها، وهي وثيقة شهدت تحولات المجتمع من العصر التقليدي إلى العصر الحديث.

وأهم ما حصل للسور؛ انتقاله من يد المجتمع إلى قبضة الدولة، فأصبح رهين الخطط الحكومية وقدرتها المالية، بعد أن كان المجتمع مسؤولا عن صيانته؛ بأوقافه وخدمته.

الوثيقة.. حصلت منها على نسخة رقمية، وهي الآن؛ محفوظة بدائرة المخطوطات بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، تحمل ختم الوزارة، وصفته: مربع مع استطالة قليلة أفقيا، كتب بداخله في السطر الأعلى (سلطنة عمان)، وبين الكلمتين شعار الدولة: الخنجر والسيفان. وفي السطر الثاني: (وزارة التراث القومي)، اختصارا لاسم وزارة التراث القومي والثقافة. وفي السطر الثالث: (المكتبة)، مما يدل أن الوثيقة دخلت الوزارة سبعينيات القرن الميلادي المنصرم أو أوائل ثمانينياته، حيث كانت المخطوطات ضمن مرحلة التأسيس للمكتبة الوطنية التي لم ترَ النور، وقد بدأ الاهتمام بها من جديد، رجاء أن تكون ضمن المجمع الثقافي. وفي السطر الرابع كتب: (الرقم العام: 2991). وأخيرا؛ بالسطر الخامس: (الرقم الخاص)، بيد أنه لم يكتب الرقم نفسه. ويقع الختم في الصفحة الأولى، وفي ص4 ختم من دون ذكر الرقم العام. وكذلك؛ ص70، التي جاء الختم فيها مقلوبا.

الوثيقة.. مكتوبة على دفتر مسطّر، لم ترقم صفحاته، وقد رقمتُ نسختي لتسهيل قراءتها. وهي تقع في 76 صفحة، منها 23 صفحة فاضية. لا يوجد عنوان رئيس للوثيقة، وإنما ترد عناوين فرعية على رأس كل كشف حساب للمصاريف، ومعظمها يخص السور. ويمكن أن أعطي عنوانا رئيسا لها؛ هو «مصاريف السور المحيط ببَهلا»، وقد اخترته لأنه يرد عدة مرات في الوثيقة، ومعتمد في الوثائق القديمة كالتي في «منهاج العدل» لعمر بن سعيد بن معد البَهلوي (ت:1009هـ). ومن عناوين الكشوف بالوثيقة: «الخارجة في مصالح الأموال»، «الخارجة في مصالح الأموال والسور»، «الخارجة في العمارة»، «صفة المخروج في مصالح الأموال»، «صفة المخروج في مصالح الأموال والمساجد»، «الخارج في مصالح الأموال والسور»، «مصرف السور»، «مصرف السور المحيط»، «مصاريف السور المحيط ببَهلا»، «بيان مصاريف السور»، «مصاريف السور ببَهلا»، «مصاريف سور بَهلا»، «مصرف الذي يخص سور الحارة»، «مصرف مال الكفن». باستثناء العنوانين الأخيرين اللذين جاءا في ذيل الوثيقة؛ فإن باقي العناوين تتعلق بالسور المحيط، وحتى تلك التي تتعلق بالبساتين والمساجد فهي -فيما يبدو- أيضا تخص السور.

بدأ التدوين في الوثيقة قبيل قيام الدولة الحديثة على يد السلطان قابوس بن سعيد (حكم:1970-2020م)، فأقدم تأريخ مدوّن بها: 1 صفر 1387هـ «11 مايو 1967م»، وآخر تاريخ: 28 جمادى الثانية 1396هـ «26 يونيو 1976م»، حيث استمر التدوين تسع سنوات وخمسة أشهر هجرية. وهي عبارة عن كشوف حساب بخدمة السور، خاصةً؛ بعد تهدم بعض جوانبه بسبب الأمطار، وبما يتعلق به من خدمة البساتين والنخيل، وبيع مياه الأفلاج، ونحوه.

الوثيقة.. فيها كشوف حساب بها جداول، لم يأتِ جميعها وفق نموذج موّحد، فبعضها احتوى عموداً للخدمة المقدمة، وبجواره عمودان لتكلفتها؛ أحدهما بالقرش أو الريال والآخر بالبيسة. وجدول آخر بالإضافة لذلك؛ احتوى على عمود رابع للتاريخ. وجدول؛ تأتي فيه أعمدة القيمة والتاريخ عن يمين عمود الخدمة، وتارة عن يساره. وفي جدول.. يأتي عمود التاريخ عن يمين عمود الخدمة، وعن يساره عمودا القيمة. وفي ص60 ظهر جدول به عمود «الملحوظات»؛ لكنه لم تسجل فيه أية ملاحظة. إن هذه الطريقة ذات الجداول في سجل جرد الخدمات؛ لم تكن موجودة في وثيقة «منهاج العدل» لابن معد؛ والتي كان سجلها سردا متواصلا دون أعمدة، وهذا يدل على أن هذا النظام للسجلات دخل إلى مجتمع بَهلا متأخرا.

هذا التحوّل.. نجده أيضا في طريقة المحاسبة، فتطالعنا -مثلا- ص7 بكشف فيه أسماء المعنيين بالحساب، وهم على التوالي: علي بن سالم؛ الوكيل، وعلي بن ناصر المفرجي؛ الشاهد، وموسى بن علي العبري؛ الملاحظ، وسعيد بن محمد؛ المحاسب، ومحمد بن مهنا؛ الوالي، بتاريخ: 1 صفر 1387هـ، وصافي الحساب: 206 قروش و118 بيسة. وفي ص21؛ كشف (حرر في 5 ج2 1389، وكتبه شاهدا عليهم سعيد بن محمد الحسني بيده، حضرتُ على هذا الحساب وأنا سعيد بن علي بن حميد القصابي بيده، حضرتُ هذا الحساب وأنا محمد بن سعيد الريامي بيده، شهدتُ بذلك وأنا حارب بن صالح الجديدي بيده، صحيح ذلك سليّم بن سالم الجديدي، صحيح ناصر بن سالم العبري بيده. علي بن سالم الحطابي بيده؛ الوكيل، موسى بن علي العبري؛ المفتش، علي بن ناصر المفرجي؛ القاضي، محمد بن مهنا العبري؛ الوالي)، وصافي الحساب: 677 قرشا و89 بيسة.

وهكذا؛ تمضي الكشوف بتقديم حسابات سنوية تقريبا، منها: في ص31 بتاريخ: 19 رمضان 1390هـ، وكان القاضي ببَهلا حمد بن زهير الفارسي، والوالي حمود بن علي بن حمود البوسعيدي، وصافي الحساب: 248 ريالا سعيديا. وص42 بتاريخ: 20 جمادى الأولى 1393هـ، وهو كشف لثلاث سنوات. وكان ناظر الأوقاف: سالم بن خلف، وناظر بيت المال: سعيد بن علي بن حميد، والوكيل: علي بن سالم، وشهادة سعيد بن محمد المحروقي، وبتوقيع والي بَهلا، وصافي الحساب: 721 ريالا عمانيا و197 بيسة. وص48؛ بتاريخ: 4 جمادى الثانية 1394هـ، وكان الوكيل: علي بن سالم بن سعيد، والمحاسب: منصور بن سليمان العامري، وناظر بيت المال: حميد عامر، والوكيل: علي بن سالم، والمشرف: خلف بن زاهر، وصافي الحساب: 773 ريالا عمانيا و197 بيسة. وص56؛ بتاريخ: (23 شعبان 1395 مطابق 30/ 8/ 1975)، وكان الوكيل: علي بن سالم بن سعيد، والمحاسب: منصور بن سليمان العامري، وناظر بيت المال والزكاة، ومشرف الأوقاف: خلف بن زاهر، وصافي الحساب: 950 ريالا و397 بيسة. وفي ص65 بتاريخ: 28 جمادى الثانية 1396هـ، وكان الوكيل: علي بن سالم الحطابي، والمحاسب: منصور بن سليمان العامري، وصافي الحساب: 950 ريالا عمانيا و587 بيسة.

الوثيقة.. شهدتْ تبدل العملة «الصرف» مرتين:

- بتاريخ: (8 ربيع الأول سنة 1390 هجرية)، وكان الحساب: (227 قرش فرنس، وصارت في الصرف عن ثمانية وتسعين ريالا سعيديا، بيد علي بن سالم، بتاريخ: 16 ربيع الأول سنة 1390)، ويقصدون بـ«قرش فرنس» العملة النمساوية المتداولة حينها.

- عام 1392هـ/1972م، من «الريال السعيدي» إلى «الريال العماني» بنفس قيمة العملة السابقة، ولذلك؛ لم تُشِر الوثيقة إليه.

الوثيقة.. ولأنها كتبت بامتداد عقد من الزمن؛ فقد اختلفت الأقلام واللغة فيها، فخطها ما بين جميل وضعيف، ولغتها بين الفصحى والدارجة؛ وهذه أغلبها، وفي ذلك فائدة، حيث تكشف عن اللغة والمصطلحات المستعملة وقتئذٍ، والتي بدأ بعضها بالانقراض.

ختاما.. الوثيقة مهمة لدارسي السور والتاريخ والاجتماع واللغة ببَهلا، وفيها الكثير من التفاصيل، وأدعو الباحثين للرجوع إليها.