كلام فنون.. مهرجان للموسيقى الصوفية في مسقط

05 فبراير 2023
05 فبراير 2023

وأنا في طريقي إلى مكان إقامة أمسيات مهرجان بيت الزبير للموسيقى الصوفية في الثالث والعشرين من شهر يناير الماضي، توقعت على الرغم من أن الدعوة عامة القليل من الحضور الجماهيري لسبيين رئيسيين: الأول، إن هذا الغناء الصوفي الذي يقدم على خشبة مسرح باستعمال آلات موسيقية لعامة الجمهور في سياق مهرجان ثقافي يشكل حدثا غير معتاد من حيث الفكرة والتنظيم.

ثانيا، إن بُعد مسافة مكان المهرجان لن يشجع الكثير من الناس على الحضور. ولكن، والحمد لله توقعاتي هذه لم تتحقق، وعلى مدى أيام المهرجان كانت المقاعد المخصصة للجمهور في المسرح المفتوح في مسرح منتجع شانجريلا بر الجصة ممتلئة تقريبا، ولم ألاحظ إن عدد الحضور قد تناقص في أي من الأمسيات الثلاث.

من وجهة نظري الغناء الصوفي جزء من التراث الغنائي في عُمان، وأعتقد المالد من أبرز أنماطه المعروفة التي يستعمل فيها آلات السماع (الطارات) في معظم محافظات شمال عمان، وكذلك أحمد الكبير جنوبا في مدينة صلالة الذي اختفى من خارطة الممارسات الغنائية التقليدية ربما لقلة المريدين من الأجيال الشابة وتأثير بعض التيارات الدينية التي ترفض هذه الممارسات الغنائية الصوفية وخاصة عندما تستعمل فيها الآلات الموسيقية. وكانت تقام في صلالة الحضرات والاحتفالات الصوفية في مختلف المناسبات الدينية والأهلية، حتى إن غناء الشرح المعروف هو واحد من أهم أنماط الغناء الصوفي فيها وله امتدادات ثقافية إلى حضرموت وغيرها من البلاد.

إن هذا المهرجان يشكل أهمية كبيرة في خارطة النشاط الغنائي العُماني، واستمراره أصبح ضرورة في ظل الإقبال الجماهيري الواسع، وخلق نوع من التوازن في النشاط الثقافي الموسيقي المحلي، وربما الوصول به إلى مستوى الحدث البارز على خارطة الفعاليات الثقافية العالمية.

وفي الواقع تابعت بعض الفرق المختصة بالغناء الصوفي في المحافظات الشمالية ويوجد إقبال واضح لممارسته، والاستماع إلى الفرق والمنشدين المتخصصين فيه، وتقام منذ عدة سنوات فعاليات عديدة للإنشاد في البلاد، وأرى إن هذا الغناء وصل مع بعض الفرق والمنشدين إلى مستوى رفيع من الأداء الفني، مع تمنياتي أن يتم في المستقبل الاعتناء باستعمال الآلات الموسيقية وانضمام العازفين على آلات التخت المعروفة، كالناي والعود والقانون والكمان، وتنويع في الآلات الإيقاعية والقوالب الفنية وأساليب الأداء.

وأتوقع ستكون نتيجة هذا التعاون بين المنشدين والعازفين المحترفين والمنسجمين في الأفكار الموسيقية والرسالة الثقافية نوع من الكمال الفني والروحي، وقد شعرت بذلك مع فرقة الحضرة للإنشاد الصوفي من جمهورية مصر العربية التي قدمت فقراتها في الليلة الثالثة. لقد كانت ليلة صوفية وغنائية لا تنسى تحققت بالانسجام الذي وقع بين المنشدين والعازفين رفيعي المستوى الفني.

ثلاث فرق رائعة قدمت روائع من الغناء الصوفي في هذا المهرجان الذي نظمته مؤسسة بيت الزبير في إطار احتفالاتها باليوبيل الفضي من 23 إلى 25 يناير 2023، وكما جاء في بيان التعريف بهذه الفعالية إن " مهرجان الموسيقى الصوفية هو أحد أهم المهرجانات التي تنظمها مؤسسة بيت الزبير ضمن برنامجها الثقافي الدوري ".

كانت الأمسية الأولى لمجموعة الشيخ حامد داود للإنشاد والتراث السورية وقدمت عرضها المتميز مصحوبا " برقصة الدراويش ".

أما الأمسية الثانية فكانت لفرقة الزاوية للإنشاد العرفاني العُمانية ورافقها الفنان التنزاني يحيى بيهقي، قدمت فقرات في غاية الإتقان الفني تخللها وصلات ارتجالية للفنان يحيى الذي تميز أداءه في الفقرة التي غناء فيها بلغته التنزانية إلى جانب العربية.

بلغت ليالي المهرجان ذروتها الفنية والروحية في الأمسية الثالثة مع فرقة الحضرة للإنشاد الصوفي المصرية، وقد كنت على استعداد للبقاء طالما استمروا في الأداء.

لا شك إن الإقبال الجماهيري على أمسيات المهرجان من بين أهم عوامل نجاح هذا المهرجان الذي أتطلع إلى دورته الثالثة، ولكن هذا ما كان له أن يتم إلا بحسن التنظيم والاختيار المناسب للفرق المتخصصة وتقديمها ضمن جدول مترتب ومناسب. ومن الأسباب المهمة أيضا لنجاح هذا المهرجان هو فعالية هندسة الصوت التي كانت من وجهة نظري رائعة.

*************

مسلم بن أحمد الكثيري

موسيقي وباحث