نوافذ.. البرازيل: من دفن الضفدع؟

10 ديسمبر 2022
10 ديسمبر 2022

يَروي أليكس بيلوس مؤلف كتاب «كرة القدم: الحياة على الطريقة البرازيلية» حكاية ذات مغزى يمكن أن تكون مفيدة في فهم لماذا لم تستطع البرازيل منذ عام 2002م تكرار إنجازها بالفوز بكأس العالم، ولماذا يدخل منتخب السيليساو في كل مونديال بعد عام 2002م مرشحًا بارزًا للفوز به «وأحيانًا كثيرة المرشح الأول، كما هي حاله في مونديال قطر»، لكنه يخرج منه في النهاية بخُفَّيْ حنين، وحذائَيْ نيمار!.

تبدأ الحكاية عام 1937م عندما حلت بنادي فاسكو دي جاما أشهر لعنة بفريق في تاريخ الكرة البرازيلية. ومختصرها أن هذا الفريق القوي كان على موعد مع مباراة في الدوري البرازيلي على ملعبه مع أحد أضعف أندية هذا الدوري واسمه «أنداريا» الذي وصل إلى ملعب خصمه قبل أصحاب الملعب، فقد تعرض لاعبو فاسكو لحادث سير في الطريق أدى إلى تأخرهم عن الوصول في الوقت المحدد للمباراة. في الأحوال العادية كان يمكن اعتبار «أنداريا» فائزا حسب القانون، لكن عند وصول فريق فاسكو اتفق الفريقان على إتمام المباراة، مراعاة من الفريق الضيف الضعيف للظرف القاهر الذي أدى إلى تأخر خصمه المضيف القوي، لكنه اشترط عليه أن يحترم هذه الروح الرياضية التي قابله بها ولا يستغل ضعفه فيقسو عليه. غير أن لاعبي فاسكو دي جاما، وأمام نشوة اللعب، وإغراء الفرص التهديفية، لم يلتزموا بالاتفاق فأمطروا فريق «أنداريا» باثنَي عشر هدفًا ولم يتيحوا له تسجيل ولو هدف شرف وحيد.

غضب أحد لاعبي أنداريا -وكان يتابع المباراة من على دكة البدلاء- لخيانة لاعبي فاسكو الاتفاق، فما كان منه إلا أن ركع على حافة الملعب ورفع كفيه إلى السماء داعيًا أن يخسر فاسكو اثنتي عشرة بطولة بعدد الأهداف التي سجلها لاعبوه تلك الليلة، ولتثبيت دعائه دفن ضفدعًا ميتا تحت عشب ملعب فاسكو، وهي وسيلة مضمونة حسب المعتقدات البرازيلية لتثبيت اللعنات وإيصال الدعاء، ومنذ تلك الليلة توالت الهزائم على فريق فاسكو وخسر الدوري غير مرة، وحاول جاهدًا إنهاء هذه اللعنة بأي طريقة، لدرجة أنه نبش أرضية الملعب بالجرافات للبحث عن الضفدع المدفون، لكنه لم يجده، واستمرت اللعنة.

وبالعودة إلى منتخب البرازيل وخروجه أمس من مونديال قطر، فقد يبدو طريفًا القول إن لاعبًا أو حتى مشجعًا ألمانيًّا ممن حطّم رونالدو الظاهرة قلوبهم في نهائي مونديال 2002م هو من دفن الضفدع هذه المرة، وتتعزز هذه الفرضية الطريفة أكثر إذا ما علمنا أن البرازيل؛ ممثلةَ الكرة الأمريكية الجنوبية الممتعة، فازت في ذلك النهائي على المنتخب الألماني؛ ممثل الكرة الأوروبية، وأن إقصاء منتخب السامبا من المونديال تم منذ ذلك التاريخ على يد منتخبات أوروبية؛ فرنسا في ربع نهائي مونديال 2006م، وهولندا في ربع نهائي 2010م، وألمانيا في نصف نهائي 2014م، وبلجيكا في ربع نهائي 2018م، وصولًا إلى كرواتيا في ربع نهائي مونديال 2022م، بل إن هزيمة البرازيل أمام ألمانيا عام 2014م كانت بنتيجة سبعة أهداف مقابل هدف واحد، وتُعدّ إلى اليوم أكبر هزيمة مذلة للبرازيل في تاريخ مشاركاتها في كأس العالم، منذ بدء مشاركتها فيه عام 1930م، وهي -بالمناسبة- الدولة الوحيدة التي حظيتْ بشرف المشاركة في جميع المونديالات.

أول تداعيات هذا الخروج هو استقالة المدرب «تيتي» بعد ست سنوات قضاها في تدريب منتخب السامبا، ومن المؤكد أنه لا يعرف أي شيء عن مثلنا العُماني «تيتي تيتي، مثل ما رحتي جيتي» الذي يُضرب في كل من يجدّ ويجتهد للوصول إلى هدف يبتغيه لكنه يعود مع ذلك خالي الوفاض، لكن استقالة المدرب وحدها لا تكفي، إذْ يتعين على القائمين على كرة القدم في البرازيل إجراء تقييم شامل لعمل المنتخب في السنوات القليلة الماضية، وإعداد خطة جديدة، بعيدة المدى لاستعادة الفوز بكأس العالم، أو بعبارة أخرى البحث عن الضفدع المدفون الذي تسبب حتى الآن في حرمان البرازيليين من الفرحة لأكثر من عشرين عاما.