خلط الأوراق في ليبيا .. مخاطر وتحديات !!

01 أغسطس 2022
01 أغسطس 2022

بالرغم من أن الأوضاع في ليبيا الشقيقة اتسمت على مدى الأشهر الأخيرة بالميل إلى السير نحو تقريب المواقف والتهيئة لتجاوز الخلافات حول انتقال السلطة من حكومة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة التي تولت السلطة في مارس من العام الماضي، إلى حكومة فتحي باشاغا التي كلفها مجلس النواب الليبي ومنحها الثقة في مارس هذا العام ولكنها لم تتسلم السلطة فعليا بعد، بالرغم من ذلك اندلعت احتجاجات ومظاهرات متفرقة في عدة مدن ليبية في الأول من الشهر الماضي وشملت طرابلس وبنغازي وسرت ومصراتة ودرنة وغيرها ، كما جرت مواجهات مسلحة بين الميليشيات المؤيدة للدبيبة وتلك المؤيدة لفتحي باشاغا في طرابلس ومصراته في عشرينات يوليو الماضي ، وهو ما أعاد الجدل وتبادل الاتهامات بين الفرقاء الليبيين حول المسؤول عن تحريك الشارع الليبي، وعن عودة المواجهات والتوترات ، فضلا عن محاولات استثمار ذلك من جانب بعض القوى الليبية وغيرها أما لتصفية حسابات أو لمزيد من خلط الأوراق وهو ما يعرض ليبيا لمخاطر وتحديات عدة، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة باختصار شديد إلى ما يلي: أولا : حتى أواخر مايو الماضي ، وبدعم من جانب بعثة الأمم المتحدة في ليبيا التي تشرف عليها الأمريكية ستيفاني ويليامز مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ، كانت قد تحققت نتائج إيجابية بالنسبة للاجتماعات بين مجلس النواب ومجلس الدولة الليبيين للعمل من أجل التوافق على صيغة للدستور الليبي وعلى قاعدة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا وإنهاء المرحلة الانتقالية. وقد أشادت وليامز بدعم القاهرة للمفاوضات التي استضافتها بهذا الخصوص وقالت إنه " تم التوصل إلى توافق حول 137 مادة من بين 197 مادة من مواد الدستور الليبي " وأن الطريق بات مفتوحا للتوافق حول المواد المتبقية بتعاون المجلسين وبالتزامن مع ذلك استأنفت اللجنة العسكرية المشتركة ( 5+5 ) اجتماعاتها وتوافقت على الاستمرار في العمل للحفاظ على وقف إطلاق النار في ليبيا والحيلولة دون حدوث مواجهات مسلحة وعلى استمرار فتح الطرق بين شرق وغرب ليبيا، كما أدى تخلي "باشاغا " عن دخول طرابلس لتسلم السلطة من حكومة الدبيبة وانسحابه منها "حقنا للدماء " بعد إصرار الدبيبة على الاستمرار في الحكم، إلى نوع من الهدوء النسبي. غير أن وجود حكومتين متنازعتين ، ولكل منهما ميليشياتها وقوات تابعة لها، وكذلك وجود مجلس للدولة برئاسة " خالد المشري " ومجلس رئاسة برئاسة "محمد المنفي "، ومجلس نواب برئاسة " عقيلة صالح " وكل منها ينازع الآخر اختصاصاته ، ويشكك في شرعيته ، بل ومعاداته والاستعانة في ذلك بأطراف إقليمية ودولية للاستقواء بها بشكل مباشر وغير مباشر ، فإنه لم يكن غريبا أن تقلق أطراف عدة من احتمالات وإمكانية نجاح مجلس النواب ومجلس الدولة الليبيين في التوافق على مسودة الدستور الليبي وعلى القاعدة التي سيتم على أساسها إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، وهو ما بدت مؤشراته بالفعل في مايو الماضي بعد اجتماعات القاهرة. إذ إن النجاح في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سيؤدي على الأرجح إلى ظهور قيادات ومؤسسات سياسية جديدة ولو بشكل ما ، ومن ثم التأثير على مصالح قيادات سياسية وميليشياوية مستفيدة من استمرار الوضع الراهن في ليبيا. وقد أشارت ستيفاني ويليامز إلى هذه النقطة في تصريحاتها أوائل الشهر الماضي وذلك عبر دعوتها إلى ضرورة تعاون كل الأطراف للتوصل إلى التوافق المطلوب. جدير بالذكر أن نقطة الخلاف الأساسية بين مجلس النواب ومجلس الدولة دارت حول شروط الترشح للمناصب السيادية في ليبيا، حيث يرغب كل طرف في وضع شروط تحرم خصومه أو أشخاصا محددة منهم من إمكانية الترشح في الانتخابات القادمة ودار الأمر حول حرمان من يحمل جنسية غير الجنسية الليبية من الترشح لتلك المناصب، إلى جانب الخلاف حول مشاركة القوات المسلحة في الانتخابات، وكان ذلك سببا في فشل جولة المفاوضات بين مجلس النواب ومجلس الدولة التي عقدت في جنيف أواخر يونيو الماضي ، وفي ضوء هذه الملابسات انقلبت الأوضاع بعدها بأيام قليلة .

ثانيا : ونظرا لأن انقلاب الأوضاع في ليبيا والعودة إلى خلط الأوراق لا يأتي بين يوم وليلة ، كما أنه لا يحدث لأسباب محلية فقط ، لأن هناك باستمرار ، خاصة في ظل طبيعة الأوضاع الليبية ، مؤثرات إقليمية ودولية تدفع عادة في الاتجاهات التي تخدم مصالح تلك القوى بشكل أو بآخر ، فإن مما له دلالة أن يشير رئيس مجلس النواب الليبي مؤخرا إلى ما أسماه " مؤامرة إسقاط الدولة الليبية ". وبينما أكدت القاهرة مجددا على موقفها المعروف حيال الحفاظ على وحدة واستقلال ليبيا ومصالحها وانسحاب الميليشيات والقوات الأجنبية منها وإنها تعمل على تحقيق التوافق بين الفرقاء الليبيين وحل الخلافات عبر الحوار ، فإن التقارب المصري الجزائري من خلال زيارة رئيس وزراء مصر إلى الجزائر أوائل يوليو الماضي ، يشكل تطورا طيبا للبلدين ولليبيا أيضا ، إلا انه من الواضح أن احتضان القاهرة ودعمها للمفاوضات بين مجلسي النواب والدولة وإمكانية توافقهما قد أثارت مخاوف أطراف محددة خوفا من نفوذ القاهرة أو تأثيرها في المستقبل . ولعل ما يوضح ذلك أن حكومة الدبيبة اتهمت مصر بالتعامل مع المواطنين الليبيين بشكل يزيد من فترات انتظارهم في المطار ومنافذ الحدود بين البلدين وهو ما نفته القاهرة رسميا في حينه ، كما أن بعض المعادين للقاهرة في ليبيا عمدوا إلى الادعاء بأن قوات خليفة حفتر ستعمل على تجنيس مصريين للعمل في صفوفها وهي محاولة مكشوفة ، ولا أساس لها ، للوقيعة بين مصر وبين شرق ليبيا . ومن جانب آخر عمدت أطراف إقليمية وغربية مؤخرا إلى استئناف شحن أسلحة ومعدات عسكرية لميليشيات غرب ليبيا . ومن جانب آخر عقد لقاء قمة في 6 يوليو الماضي بين تركيا وإيطاليا ، وكذلك التقى وزيرا خارجية الإمارات وإيطاليا على هامش اجتماعات بالي في اندونيسيا خلال قمة العشرين الشهر الماضي وبحثا الوضع في ليبيا. على أن الجانب الذي لا يمكن إغفاله يتمثل في انعكاسات الحرب في أوكرانيا على الأوضاع الليبية ، خاصة وأن واشنطن والدول الغربية لا تريد لروسيا دورا مؤثرا في ليبيا . وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن الدولي وافق الخميس 28 يوليو على التجديد لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا لثلاثة أشهر فقط تبدأ في أول أغسطس الجاري.

ثالثا: إنه في حين أكدت مظاهرات الأول من يوليو في طرابلس وبنغازي وغيرهما من المدن الليبية أن تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية في ليبيا بدأ يدفع الليبيين إلى التحرك ضد النخبة السياسية الموجودة ، ويحملها مسؤولية عرقلة إجراء الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية ، فإن توجيه بعض المتظاهرين في بنغازي إلى مهاجمة مجلس النواب الليبي وإحراق بوابته والاستيلاء على عدد من وثائقه ، تشير بوضوح إلى أن هناك من يريد المساس بمجلس النواب وبدوره على الساحة الليبية، وإذا كان مجلس النواب قد دخل في خصومة حادة مع حكومة عبد الحميد الدبيبة بعد سحب الثقة منها وتكليفه فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة ومنحها الثقة ، فإنه لم يكن مصادفة أن يتهم عقيلة صالح رئيس مجلس النواب محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي وشقيقه بتوجيه المتظاهرين لمهاجمة مجلس النواب. غير أن ذلك يدخل في إطار الجدل والسجال بين الأطراف المتنازعة والمتضاربة المصالح، ويتطلب ما هو أكثر من توجيه الاتهامات ، والمؤكد أن عملية خلط الأوراق في ليبيا تهدد بالفعل بالعودة إلى حالة أقرب إلى الفوضى ما لم يتم العمل على وضع حد سريع لهذه الحالة. وهناك العديد من الأمثلة في هذا المجال وفيما يتصل بتوظيف أموال النفط الليبي لصالح ميليشيات بعينها لضمان دعمها. وفي حين تسعى حكومة الدبيبة إلى إعادة فتح الطريق الساحلي لتعزيز موقفها، فإن المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة أعلنا أنهما يبحثان خطة لإنهاء الانسداد السياسي القائم وأنه يتم التشاور بشأنها. وقد ذكرت بعض المصادر أن حكومة الدبيبة تريد من خلال اقتراحها أن تحظى بوضع يمكنها بشكل ما من إصدار قرارات سيادية تحدد توقيت إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، وأن تحل محل مجلس النواب الذي يجب التخلص منه ضمن المؤسسات الأخرى حسبما ترى حكومة الدبيبة ، ويظهر من ذلك أن رواسب الخلافات بين مجلس النواب وحكومة الدبيبة لا تزال تحرك الطرفين ضد بعضهما البعض . وبينما لا يتوفر لهذا المقترح إمكانية التنفيذ ، خاصة وأن " باشاغا " أكد هذا الأسبوع أن حكومته " لن تسمح لأحد أن يفرض نفسه على الليبيين بالقوة ولا بشراء الذمم " على حد قوله ، فإن خطة سيف الإسلام القذافي التي اقترحها وتضمنت اقتراحين محددين يصعب تنفيذها عمليا هي الأخرى ، وقد أقر هو بذلك . ومن ثم فإن الخروج من المأزق الراهن يظل في يد القيادات الليبية ومن ورائها القوى الإقليمية والدولية المتحكمة في تفاعلات الموقف على الأرض ، ولأن القيادات تلك تعمل للحفاظ على مصالحها الذاتية قبل المصالح الليبية الوطنية ، فإن الشعب الليبي سيظل يدفع الثمن ، كما حدث في طرابلس ومصراتة قبل أيام ، إلا إذا تمكنت القيادات الليبية من التوافق فيما بينها وفي إطار التوافق الإقليمي والدولي حول مستقبل ليبيا ، والخوف أن ذلك لن يتحقق سريعا حسبما تقول المؤشرات للأسف الشديد، وذلك بالرغم مما يبدو من اتجاه لتحسن العلاقات المصرية التركية ، ومن اجتماع ميليشيات طرابلس والزنتان ومصراتة المؤيدة للدبيبة مع اللواء أسامة الجويلي قائد قوات غرب المؤيد لباشاغا في 27 يوليو والاتفاق على التهدئة ، والتحدي هو أن الاشتباكات إذا عادت فستكون أوسع وأخطر في المرة القادمة وقد يكرر الجويلي محاولات حفتر دخول طرابلس بالقوة المسلحة ، وتصريحات الجويلي شديدة الوضوح والدلالة.