بشفافية.. لم نكن هكذا!

19 أبريل 2022
19 أبريل 2022

كنا نفتخر بأننا كمجتمع عماني لا نخوض في (توافه) الأمور أو الجوانب التي لا تعنينا أو لا نجني من ورائها أي فائدة ثقافية أو أخلاقية أوعلمية! لكن سرعان ما تغير الحال في الآونة الأخيرة، وصرنا للأسف الشديد عكس ما كنا، فالبعض تغيرت بوصلته، وأصبح يخوض في أوساط وسائل التواصل الاجتماعي، بما لا يصلح الخوض فيه أو حتى النقاش والجدال حوله، وعلى الرغم من المحتوى ـ الهزيل ـ الذي يبثونه، إلا أنهم في النهاية ينتمون إلى مجتمعنا المعروف بدماثة خلقه، ويحز في النفس أن يكون البعض بهذا المستوى.

حتى وقت قريب لم نكن هكذا، أو بمعنى أصح لم نكن بهذا المستوى من البعد عن أفضل الخصال التي كنا نتميز بها كمجتمع، ففي بدايات ظهور ما يسمى بالأجهزة الذكية، كان الكثيرون يتساءلون عن سر عدم وجودنا فيها وخوضنا غمار تفاهاتها في ذلك الوقت، حينها كان بعدنا عن توافه الأمور مصدر فخر واعتزاز، حتى أن الكثير من المجتمعات كانت تغبطنا على ما نحن فيه من اتزان وترفع.

تناولت إذاعة (البي بي سي ) البريطانية مطلع الأسبوع الجاري، موضوع (القرنقشوه) والجدل الحاصل حوله بوسائل التواصل الاجتماعي على مستوى الفضاء المحلي، ووصفته القناة بـ (جدال في أوساط المجتمع العماني)، ولولا كثرة المتجادلين حولها، لما كانت قد أثارت انتباه إذاعة بهذا المستوى من الشهرة والعراقة في أوساط وسائل الإعلام العالمية، فكيف نرضى لأنفسنا أن يأخذ عنا العالم فكرة أو مشهدا نتجادل فيه بهذه الطريقة، ونحن بغنى عنها ولا تليق أصلا أن نتجادل حولها، ونجعلها تشغل اهتماماتنا.

من يسمون أنفسهم مؤثرين أو مشاهير التواصل الاجتماعي، وللأسف بعضهم يفتتح اسمه أو لقبه بـ(الدكتور)، يبث تغريدة يشتكي فيها منذ الصباح بتعكر مزاجه!، وأخرى تشرب فنجان قهوة وتصوره وتغرد: وجه حبيبي ينعكس في القهوة! وآخر بدأ الشعر الأبيض يغزو لحيته ورأسه يخبر الناس جميعهم بأن نفسيته تعبانه اليوم! ومغردة أخرى تسأل: ماذا تلبس قبل الخروج؟!، وآخرون يتنابزون ويسبون بعضهم البعض، ويتجنون على أشخاص وشخصيات، مستسهلين عواقب أفعالهم، فكيف يؤمل في هكذا أشخاص أن يكونوا قدوة في يوم من الأيام؟، هذا ما يجب الانتباه إليه.

كانت المجالس العمانية عامرة بحضرة كبار السن وأهل الرأي والمشورة، ويتفاخر الإنسان بحضور ابنه في تلك المجالس، التي كانت بمثابة المدرسة التي تعلم الناشئة الأخلاق و(السنع)، وهذه الكلمة شاملة لكل تفاصيل الأدب والأخلاق والتربية الحسنة، فتلك المجالس ساحة حقيقية فيها يعرف الشخص كيف يتكلم ومتى وفي ماذا، وإن كان بين الحضور شخص يحمل من الهموم ما لا تطيقه الجبال، نجده لا يبوح بما في خاطره أمام الجميع، فيظل مترفعا صائنا لنفسه ومكانته كاتما لأسراره في حضرة الجميع.

ومن ذلك نستخلص الكثير من العبر والمعاني الراقية لكيفية حل المواضيع، ونستخلص أن ليس كل شي يقال أمام الملأ، كما أن تلك المشاهد تلخص لنا حالة في قمة الرقي لأسلوب مجتمعنا العماني في التعاطي مع المواقف والأحداث بحيث يصون الفرد نفسه وكرامته على الدوام.

لنكن كما كان أجدادنا وآباؤنا مترفعين عن الخوض في توافه الأمور، فساحة التواصل الاجتماعي شاسعة، ولا ينبغي أن يقال فيها كل شيء أو تصبح ساحة لتصفية الحسابات أو الخصام.. فلنترفع.

ودمتم بود.