نوافذ.. زيلينسكي وتملّق إسرائيل

02 أبريل 2022
02 أبريل 2022

«نحن نريد الحياة لكن جيراننا يرغبون برؤيتنا أمواتًا، وهذا لا يترك أمامنا مجالا لاختيارات كثيرة» لأول وهلة يمكن للمرء أن يتعاطف مع الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي في حديثه العاطفي هذا عن احتلال روسيا لبلاده، وهو تعاطف يستحقه أي شعب مسالم تعرض للاحتلال واغتُصِبت أرضه وشُرِّد أهله. نعم، بديهي أني متعاطف مع الشعب الأوكراني المحتل، وكان يمكن أن أتعاطف أيضا مع رئيسه المنتخب بصفته ممثلا لهذا الشعب، لولا معطيان اثنان جعلا الأمر برمته مجرد تملق من رئيس ضعيف لدولة احتلال أخرى. المعطى الأول: أن هذه العبارة التي انتقاها زيلينسكي متعمدًا قالتها جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي في معرض تبريرها لاحتلال فلسطين وقمع شعبه واعتداءات إسرائيل على الدول العربية. أما المعطى الثاني: فهو أن كلام زيلينسكي كان موجها لأعضاء الكنيست ووزراء في الحكومة الإسرائيلية في سياق انتقاده موقف إسرائيل الرافض تزويد أوكرانيا بمنظومات سلاح دفاعية، وما يراه من امتناعها عن فرض عقوبات جدية على روسيا.

ليس واردا بالطبع أن الرئيس الأوكراني الذي يشكو من مرارة احتلال روسيا لبلاده لا يعرف أن إسرائيل تذيق المرارة نفسها لفلسطين منذ عشرات السنين وتقتل أطفالها وتجوع أهلها وتدنس مقدساتها. إنه يعرف ذلك بالتأكيد، لكن الأمر هو أن المتعرضين للاحتلال هم درجات لديه؛ الدرجة الأولى هي درجة ذوي العيون الزرق من الأوكرانيين وغيرهم، والذين ينبغي التعاطف مع مأساتهم وإنهاءها بسرعة، أما الفلسطينيون ذوو العيون السود فهم من الدرجة العاشرة الذين لا يستحقون حتى مجرد الالتفات لمعاناتهم حتى وإن كان قد مضى عليها عشرات السنين. ولا ضير في هذه الحالة أن يذكّر زيلينسكي الإسرائيليين فيما يشبه التقريع أن «الأوكرانيين اختاروا طريقهم قبل ثمانين عاماً عندما أنقذوا اليهود من براثن النازية (...) الخيار الآن أمام الإسرائيليين»، بل إنه ينتقد مجرد سعي إسرائيل للتوسط بين أوكرانيا وروسيا: «يمكن التوسط بين الدول، ولكن لا يمكن التوسط بين الشر والخير»، هكذا قال، متناسيًا أن الشرّ الحقيقي هو الاحتلال، أيًّا كان مرتكبه، وإذا كان الاحتلال الروسي شرًّا (وهو كذلك)؛ فإن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الذي يستنجد به هو أبو الشرور كلها.

يواصل زيلينسكي حفلة الازدواجية في خطابه للإسرائيليين بالقول: «شعبنا اليوم يهيم على وجهه في العالم بحثا عن الأمن ويبحث عن العيش بسلام كما بحثتم أنتم»!، ورغم هذا الخطاب إلا أن حديثه لم يلقَ قبولا من الإسرائيليين، بل على العكس من ذلك، وصفوا خطابه بــ«الفظ»، كما رفضوا مقارنة الغزو الروسي لأوكرانيا بالمحرقة النازية. ويمكن تلخيص ردة الفعل الإسرائيلية الغاضبة على خطابه بتغريدة وزير الإعلام الإسرائيلي يوعاز هندل التي قال فيها: «لا يمكن إعادة كتابة التاريخ الفظيع للمحرقة. إبادة الشعب (اليهودي) حصلت أيضًا على أرض أوكرانيا. الحرب على أوكرانيا فظيعة لكن المقارنة بفظائع المحرقة النازية والحل النهائي تثير الحفيظة».

كان يمكن للرئيس الأوكراني أن يستحوذ على تعاطف العالم كله، بما في ذلك كل الشعوب المقهورة، لو أنه انطلق في عرض مأساة شعبه من منطلق أخلاقي ينظر للخير والحق والحرية من منظور واحد غير قابل للمساومة، وله في نيلسون مانديلا أسوة حسنة. أما تخبطه هذا، وبحثُه عن الشحم فيمن شحمُه ورم، فقد جعله كالمنبتّ الذي لا ظهرًا أبقى ولا أرضًا قطع. ولعل أصدق وصف لموقفه هذا ما قاله الفيلسوف والطبيب الألماني ألبرت شفايتزر - الحائز على جائزة نوبل في السلام عام 1952- في كتابه «فلسفة الحضارة»: «حينما يُفقَد الشعور بأن كل إنسان هو موضوع اهتمام عندنا لأنه إنسان، تترنح الحضارة والأخلاق، ويصبح الوصول إلى عدم إنسانية شامل مسألة زمن».

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني