هوامش ومتون: فوضى على رفوف المكتبات!

09 مارس 2022
09 مارس 2022

هل أن تأليف الكتب، وطباعتها، ونشرها، صار من السهولة، بحيث لم نعد نفاجأ عندما نقرأ خبرا في مواقع التواصل الاجتماعي عن صدور كتاب، أو نسمع عن حفل توقيع كتاب لشخص لا علاقة له من بعيد أو قريب بالكتابة، والطباعة، ولم يسبق له النشر في الصحافة الورقية ولا الإكترونية، ولم ينتمِ لجمعيّة أدبية، ولم يحضر ندوة، أو محاضرة، ولم يكتب مقالا؟

سؤال يدور برأسي كثيرا، أنا الذي تردّدت طويلًا قبل أن أطبع أوّل ديوان لي، حتى أن صديقي الشاعر عدنان الصائغ هدّدني بالقطيعة، إن لم أقدم على تلك الخطوة في مناخ كانت ظروف الطباعة غير ميسّرة مثلما هي اليوم، والرقابة الفنية كانت صارمة، بحيث من الممكن أن تعيد ديوانا لشاعره إن وجدت اختلالا في الوزن، أو أخطاء نحوية، التي صارت اليوم شائعة في الكتب وعلى «قفا من يشيل» وسط فوضى النشر، التي جعلت الكثير من الكتب تخرج من المطابع، دون فحص ومراجعة مثلما أنزلت! لتحتلّ حيّزا من رفوف المكتبات!

وهذه الظاهرة تحيلنا إلى مقولة ماركوس شيشرون المولود في 106 قبل الميلاد «إنها أوقات عصيبة الكلّ صار يؤلف الكتب»، ولكنّها كتب بلا قرّاء!

ومما ساعد على ذلك، طمع الكثير من الناشرين، بالكسب المادي الذي صار هدفًا لهم دون الاهتمام بالمحتوى، فجعلوه معيارا في النشر، أضف إلى ذلك، غياب الرقابة الفنية، والنقد الحقيقي.

ولكن لما يتّجه من غير ذوي العلاقة، إلى الكتابة، والطباعة، والنشر؟

هل صار تأليف الكتب من لزوميات اكتمال الشخصيّة الاجتماعية، فينظر إليه نظرة إجلال، مثلما ينظر البعض للشعر، كونه من لزوميات الفروسية العربية؟

وفي حوار مع ناشر دار حول الزحام الذي رافق حفل توقيع كتاب أحد المؤثّرين بمواقع التواصل الاجتماعي، بعد إعلانه عنه في معرض مسقط الدولي للكتاب، تساءلت: لماذا لم يكتف بشهرته وله متابعون بالملايين؟ فهل أنّ الشهرة لا تعني شيئًا ولا تكتمل إلا بتأليف الكتب؟

هل هي محاولة للخروج من العالم الافتراضي والنزول للواقع؟

خصوصًا أن أحد المؤثرين العمانيين قال: ذات يوم في جلسة حوارية أقيمت بالنادي الثقافي، أنه لا يجد القبول الاجتماعي في الواقع مثلما يحظى به في الواقع الافتراضي.

ولكن قبل ذلك هل بالضرورة أنّ المؤثّرين يمتلكون قدرة على الكتابة، مثل قدرتهم على الكلام في مقاطع الفيديو؟

لا أظن، فحين راجعت تغريدات ذلك المؤثّر وجدت جملها مرتبكة ونصفها مكتوب بالعامية، والنصف الآخر كتب بكلمات تخلو من الصياغة السليمة، وقد سقطت عنها الهمزات، فهل يستطيع شخص لم يضع صياغة سليمة لعدد من الكلمات أن يؤلف كتابا يشهد هذا الإقبال الكبير، وجلّ جمهوره من الشباب، كما لاحظت في الفيديوات التي انتشرت، قبل إلغاء الحفل من قبل إدارة المعرض؟

إن الذي جعل هذا الظاهرة، ظاهرة تأليف (المؤثّرين في مواقع التواصل) تنتشر هي ضمان بيعها، لأنها تعتمد على نجوميّة المؤلّف بغضّ النظر عن جودة المحتوى، وتوفّر الطباعة، التي صارت متاحة لمن يرغب، وينسى أصحابها أنّ الكتابة عصارة تجربة، ومعرفة، وتحتاج ثقافة واسعة، وتأمّلا، وصمتا، وسط ضجيج الحياة اليومية، التي تحيط بعوالمهم المتخمة بالضوء، والمعجبين، يقول مارسيل بروست «الكتب الحقيقيّة ليست بنت الثرثرة اليومية والنهارات العادية، بل بنت الظلام والصمت»، وحين أهداني بعض الذين ينتمون لهذا الصنف من الكتبة، كتبهم، سألتهم عن قراءاتهم، فوجدتهم يتفوّهون بما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي، والثقافة التداولية المشاعة، وتساءلت مع نفسي: كيف إذن كتبوا؟ ومتى يقرأون، لا سيّما، يعيشون حياتهم طولا وعرضا، يقول بورخس «لقد قرأت كثيرا وعشت قليلا»؟

لقد كثر (المؤلّفون) وقلّت (ديدان الكتب)، وهو الوصف المجازي الذي أطلقه زوربا بطل رواية (زوربا اليوناني) لكازنتزاكي على من يقرأ، فهذه (الديدان) هي «أفضل من سواها في فهم الكائنات البشرية» كما ترى كلوديا هاموند، وحين تكتب، فإنها تقدّم زادا معرفيّا، وثقافيّا، وجماليّا، ففي النهاية، فالكتب المؤثّرة التي تغيّر من نظرتنا للحياة قليلة، ونادرة، والبقاء للكتاب النافع، المفيد، أما الزبد فيذهب جفاء!

_________

* عبدالرزاق الربيعي شاعر وكاتب مسرحي

نائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي