نوافذ .. أغلفة موازية

12 فبراير 2022
12 فبراير 2022

لعل المترجم المصري محمد الفولي لم يتوقع وهو يصمم ـ من باب الدعابة ـ أغلفة موازية لبعض الكتب الأدبية العالمية ويضعها في صفحته على فيس بوك، أن تلاقي فكرته الظريفة كل هذا الصدى الكبير عربيا، فقد تحوّل هاشتاج #أغلفة_موازية إلى «تريند» عربي على تويتر وفيسبوك خلال الأسبوع الماضي، وتبارى مستخدمو هاتين الوسيلتين شديدتَيْ الانتشار من وسائل التواصل الاجتماعي في ابتكار أغلفة جديدة لكتب وأفلام سينمائية معروفة عربيًّا وعالميَّا.

وكما كان يحدث في الأغلفة الحقيقية فإن المتابع يستطيع التمييز بين نوعين من «الأغلفة الموازية»؛ مباشر، يشرح معنى العنوان بوضوح، وغير مباشر يقرأ روح العنوان ويضع له تصميمًا موحِيًا، وفي كلا النوعين يحضر الذكاء وحسّ الدعابة وسرعة البديهة. من الأمثلة على النوع الأول الغلاف الجديد لرواية «السقّا مات» ليوسف السباعي حيث وُضعِتْ صورة للممثل المصري الشهير أحمد السقّا مستلة من أحد أفلامه وهو يصوب المسدس ناحية جبهته في محاولة انتحارية على ما يبدو. أما النوع الثاني فمثالُه الغلاف الجديد لرواية نجيب محفوظ «حديث الصباح والمساء»، الذي كان صورةً شهيرة جمعتْ أسطورتَيْ الغناء العربي فيروز وأم كلثوم وهما تتصافحان وتتبادلان القُبلات، في تلميح إلى المقولة الرائجة بأن فيروز تُسمَع في الصباح، بينما تسمع «كوكب الشرق» في المساء.

أعاد هذا «الترند» التذكير بأهمية الغلاف لأي كتاب، ولكن هذه المرة بشكل شعبي لا نخبوي. أي أننا لم نحتج للناقد الفرنسي جيرار جينيت (Gérard Genette) ليخبرنا أن الغلاف من أهم عتبات النص. وعندما نقول «الغلاف» فإننا لا نعني العنوان الذي يضعه البعض شرطًا لجودة الكتاب من خلال تلك المقولة المُضَلِّلة: «الكتاب باين من عنوانه». فالعنوان هو تفصيل صغير من تفاصيل الغلاف الأخرى التي تتضافر معه لتجذب القارئ، وليس بالضرورة أن يكون وحده الجاذب للقراءة، فكم من عنوان كان خادعًا ولا يقول شيئًا عن المضمون.

ولإدراك المؤلفين أهمية الغلاف، نجدهم أحيانًا يختارون دار النشر التي يحبون أغلفتها، وأحيانًا يشترطون على الناشر أن يتولى المؤلف نفسه الاتفاق مع مصمم أغلفة يثق به. بل إن بعض المؤلفين ممن لديه معرفة بالتصميم لا يرضى أن يصمم أغلفة كتبه سواه، فعلى سبيل المثال صمم الأديب الفرنسي جان كوكتو غلاف روايته «أفيون» بنفسه، أما جونتر جراس – الأديب الألماني الحائز على نوبل سنة 1999م- فقد صمم كل أغلفة كتبه بنفسه، وعندما سألتْه مجلة «ديرشبيجل» عام 2010 عن سبب ذلك كانت إجابته: إن تفاصيل الغلاف تشكّل اللمسة الأخيرة للكتاب، «وهي مهمة بقدر الجملة الأولى في الكتاب، لذلك تتطلب العناية ذاتها التي يوليها الكاتب لمحتوى روايته»، وعندما عادت المجلة لتسأله: «ما هي مواصفات الغلاف الجيد؟» كانت إجابته أن الغلاف «يجب أن يُلخص محتوى الكتاب ويبسّطه، كما لو أنه رمز».

لكن الغلاف الجيد ليس فقط ذلك الذي يلخّص محتوى الكتاب ويُبسّطه، فثمة أغلفة كثيرة جميلة وجاذبة للقارئ لكن من الصعب القول إنها تحقق ما قاله جراس، بل إن بعضها غامض حتى على مصمِّمه، يروي ماركيز في مقالته عن «الهوس التأويلي ومدرسي الأدب السيئين» (ترجمها إلى العربية حيدرة أسعد) أن أستاذًا لمادة الأدب طرح على ابنة صديقٍ مُقرب له خلال امتحانها النهائي الذي تمحور حول رواية «مائة عامٍ من العُزلة» لماركيز سؤالًا غير مُتوقع: إلامَ يشيرُ الحرفُ المعكوس في عنوان الرواية؟ وكان يقصدُ طبعة بيونس إيريس التي صمم غلافَها الفنان ﭬينست روجو، وعكس خلاله أحد حروف الكلمة الأخيرة من العنوان منفّذًا ما أملاه عليه إلهامه الخالص والرصين كما يقول الأديب الكولومبي، لكن الفتاة لم تستطع الإجابة عن السؤال. وعندما طرح ماركيز على ﭬينست روجو ذات مرة السؤال نفسه، أجابه بأنه، أيضًا، لا يعرف!

المفيد في دعابة الفولي أنها نبهت كثيرًا من مرتادي تويتر وفيسبوك إلى عناوين كثيرة في الأدب العربي والعالمي، ولو لم يكن لها إلا هذه الحسنة لَكَفَتْها. أما الطريف فيها فهو أن الفولي نفسه بات محطّ اهتمام الصحف والفضائيات المصرية التي استضافته لتحاوره عن هذه الدعابة، لا عن ستة عشر كتابا ترجمها عن الإسبانية، ولا عن مجموعته القصصية التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة ساويرس!.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني