ثقافة

ندوة نقدية تعاين سلسلة الأفلام الوثائقية «بيت العجائب»

30 أكتوبر 2024
قدمت رؤى فنية وسينمائية وتاريخية
30 أكتوبر 2024

استضاف النادي الثقافي صباح اليوم ندوة نقدية حول سلسلة الأفلام الوثائقية «بيت العجائب»، وتأتي الندوة بالتعاون بين النادي الثقافي ووزارة الإعلام.

وناقشت الندوة النقدية الأفلام الثلاثة، «الإمبراطورية»، و«عصر القوافل» و«صوت ممباسا»، من زوايا متعددة، وتناولت الجلسة الأولى التي أدارتها الدكتورة ميا الحبسية التأثيرات الثقافية للثلاثية الوثائقية، وجوانب تأثيرها على صناعة الأفلام الوثائقية في عُمان مستقبلًا، وسرديات هذا المحكي السينمائي، بالإضافة إلى دور مجلة نزوى في إنتاج الفيلم، إلى جانب مقاربة لتمثلات السينما اتخذت الفيلم أنموذجًا، فيما طرحت الجلسة الثانية التي أدارها الإعلامي سالم العمري الدقة التاريخية في الفيلم، وسؤال التوثيق والإبهار، بالإضافة إلى اللغة السينمائية والكاميرا في الفيلم.

قصر الراوية والراوي

طرح المكرم الدكتور عبدالله الكندي في ورقته التي حملت عنوان «بيت العجائب.. قصر الراوية والراوي» سؤالين، الأول حول التأثيرات الثقافية التي تحققها ثلاثية «بيت العجائب» على المناقشات المستقبلية للتاريخ والثقافة العمانية عامة، ولموضوع الوجود العماني في شرق إفريقيا بشكلٍ خاصٍ، والثاني حول جوانب تأثير ثلاثية «بيت العجائب» على صناعة الأفلام الوثائقية في عُمان مستقبلًا.

ولفت الكندي إلى تقمُص «بيت العجائب» الذي بناه السلطان سعيد بن سلطان في 1883م، دور الراوي الذي يسرد حكاية الوجود العُماني في شرق إفريقيا كما أراد له المخرج، تأكيد على الرمزية التاريخية لهذا المبنى، باعتباره واجهة سياسية وثقافية واجتماعية للوجود العُماني في شرق إفريقيا، وفي زنجبار على وجه التحديد.

وكما في الثلاثية الوثائقية، فإن «البيت» يتحدث عن الشخوص والأحداث، ويربط مساراتها، وتحولاتها، ويمثل نقطة انطلاق للأحداث التي تربط خيوط هذه الثلاثية الوثائقية.

سرديات المحكي السينمائي

تناول الدكتور أحمد يوسف في ورقته موضوع السلطة والهُويّة في ضوء سرديّات المحكيّ السينمائيّ، وحدد فيها متصوَّرين للسلطة، وثلاثة متصوّرات للهُويّة؛ حيث قسّم السلطة إلى سلطة مادية وسلطة رمزية تتمثل في شخصية تبوتيب كما يقدّمه لنا المحكي السينمائي حسب الدكتور أحمد.

أما الهويّة فقسّمها إلى هوية صلبة عبارة عن عناصر ثابتة لا تتحرك «طوباوية»، وأشار إلى أن العنصر الثابت في الهوية الصلبة فهو العنصر البيولوجي وهوية مرنة التي تضم كل العناصر المتحركة الأخرى، ومثلها تيبوتيب في كونه عربي وعُماني وإفريقي ومتعدد اللغات، حيث وضعنا أمام مكونٍ جديدٍ وهوية مرنة تتحرك وتتجدد عبر التاريخ ولا تنغلق على نفسها فتصبح ثراءً لمكون التاريخ العُماني، وهوية سائلة، مشيرًا إلى أن السينما تخاطبنا بأصوات متعددة تشكّل مستويات سرديّة بالغة التعقيد.

وأضاف: فهي -السينما- تريدينا أنّ نقبل الطرح الذي تخاطبنا من أجله، وتسوّق لها سواء من جهة كاتب السيناريو أو المخرج أو المؤسسة المنتجة، موضحًا الأركان الأربعة التي يقوم عليها هذا المحكي: الحيّل التوليفيّة (التركيب)، التأطير، الكاميرا التي تمثل البعد الرمزي الذي يسرد، والإخراج، وأكد أن للإخراج دورا كبيرا في تقديم وتقسيم الصورة التي تريد تشكيلها عن تاريخنا.

مجلة نزوى وإنتاج الفيلم الوثائقي

وقدّم عبدالرحمن المسكري ورقة استعرض فيها دور مجلة نزوى في إنتاج الفيلم الوثائقي والرؤية الإنتاجية لسلسلة أفلام «بيت العجائب»، في إطار ترسيخ هويّة عُمان الثقافية، وتعظيم إرثها الحضاري والإنساني «إنتاج الفيلم الوثائقي.. قراءة في الرؤية والتطلّع»، منطلقًا من فكرة الصناعة الثقافية في عُمان، مشيرًا إلى أن إنتاج مجلة نزوى للأفلام الوثائقية تجربة مهمة في سياق الصناعات الثقافية في عُمان، كما أنها مرحلة مهمة في تطور ممارسات الصحافة.

وأشار المسكري إلى أن تجربة مجلة نزوى في إنتاج سلسلة الأفلام الوثائقية «بيت العجائب» التي قدّمت محتوى بصريًّا متقدمًا، يتناول ملامح من الإنجاز الحضاري العُماني في زنجبار وشرق إفريقيا في أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يقود إلى الحديث عن أهمية الاعتناء بتاريخ عُمان الحضاري، الذي تراكم عبر قرون من الفعل الإنساني في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأثمر إنتاجا معرفيًا ضخما في صنوف العلوم والآداب والفنون، وخزينًا ثريًّا من الملاحمِ والقصص والأحداث، كل ذلك يحكي خلاصة تجارب إنسان عُمان، وحصيلة أفكاره، ومجمل تفاعلاته مع محيطه على مرّ الحقب والعصور.

ولفت إلى أن الأمر يستوجب إيجاد علائق تجسر معرفته الإنسانية، وتعزز هويّته التاريخية، وتنقل خطابه الثقافي في وسائط فنيّة تتلاءم مع متطلبات التلقي المعاصرة، وتستثمر التحوّلات التكنولوجيّة والثقافيّة في طرائق الإنتاج، في ظل ما تشهده وسائل البث الثقافي من انزياحات متسارعة عن أشكالها التقليدية باتجاه وسائط سمعية/بصرية على نحو يدفع الأجيال إلى التعلق الرّصين والعميق مع هواجس الهوية والثقافة وأسئلتهما.

من التاريخ المروي إلى التاريخ المرئي

وقدّم الأستاذ يونس النعماني ورقته التي حملت عنوان: «من التاريخ المروي إلى التاريخ المرئي -مقاربة لتمثلات التاريخ في السينما- فيلم بيت العجائب أنموذجًا» هدفت إلى الكشف عن تمثلات التاريخ في الفنون البصرية وخاصة السينما في فيلم بيت العجائب، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الدراسات التفسيرية المهتمة بالفن وغيره من المواد المرئية لا تتخذ شكلًا مكتوبًا، وأن عرض هذه المادة المرئية وتفسيرها بواسطة المتاحف وقاعات العرض تُخِضَعُ النصوصَ للترتيب الفعلي لمثل هذه المادة، وعلى الرغم من أن النشرات التي تصاحب المعارض غالبًا ما تكون عبارة عن أدوات تحمل أحدث الدراسات والبحوث عن موضوعاتها، وأكد على أن إذا ما فتحنا طريقةً ما أمام هذا الكم الهائل من المادة المرئية (التاريخ السياسي - التاريخ الاقتصادي - تاريخ العمارة - التاريخ الفكري والاجتماعي إلخ..) فإنها ستؤسس لمعرفة تاريخية، بالرغم من غرض استخدامها كتسلية مثلًا أو دعاية وإعلام. إلا إنها تمثل هُوية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

الدقة التاريخية

في الجلسة الثانية من الندوة سلّط الدكتور محمد بن حمد الشعيلي في ورقته (التمثيل السردي والدقة التاريخية في سلسلة الأفلام الوثائقية «بيت العجائب» على الأحداث التاريخية المصورة سينمائيا في سلسلة أفلام بيت العجائب، ومقارنتها مع ما دون عنها ومطابقتها للحقائق العلمية التي جاءت في ذلك).

وأوضح الشعيلي مجموعة من الملاحظات التي لم اختلف في ورودها في الفيلم عن المصادر التاريخية المختلفة.

وأشار الشعيلي إلى أن فيلم الإمبراطورية استطاع من خلال أحداث منتقاة ومحطات مختارة أن يقدم سردا مميزا حول سيرة السيد سعيد بن سلطان المرتبطة بالوجود العُماني في شرق إفريقيا، وجذب المشاهد إلى موضوعات غير مألوفة مثل: التنافس العُماني في شرق إفريقيا، والعلاقة بمملكة بوغندا.

ومن الملاحظات العامة التي عددها الشعيلي: غياب إبراز عام ١٨٣٢م كتاريخ مهم في تاريخ الوجود العُماني في شرق إفريقيا، وفي موضوع العلاقات الخارجية تم التركيز على بريطانيا وأمريكا بينما أغفل موضوع العلاقات مع فرنسا حسب الشعيلي، ورأى أن الفيلم ركز على العلاقات مع مناطق في شرق إفريقيا مثل أوغندا ولم يشر ولو بشكل عابر إلى العلاقات مع جزر القمر التي كانت محطة مهمة.

ووصف الشعيلي فيلم عصر القوافل بالمنصف والمحايد في ظل الاتهامات الموجهة للعرب والعُمانيين في موضوع استلاب السلطة وتجارة الرقيق. أما فيلم صوت ممباسا أشار الشعيلي إلى أنه تمكن من إظهار التأثير العماني الواضح في ممباسا.

التوثيق والإبهار

وأشارت مزنة المسافر إلى أن العمل يميل في كل طياته أن يكون عملًا عالميًا مبهرًا جالبًا للأسئلة في الأفئدة المشتاقة إلى أرض سكنها العمانيون سابقًا.

وقالت: نجد في كل أبجديات الفيلم السمعية والبصرية فيلم ديكو دراما أي بين الوثائقي والدرامي بعين مختلفة، وأن الفحص التاريخي الذي تم خلال الشخصيات الرئيسية هو بداية فتح باب للتعارف الجديد حول تاريخ الوجود العُماني في شرق إفريقيا، وأن سعي فريق العمل في جعل العمل ينطق بتقنيا عالية ويتفرد بلغة واضحة تظهر في ولوج مشاهد معبّرة عن المكان وعن الذاكرة.

وأضافت: نقف متمعنين في خريطة العمل وآلية تحقيقه وكيف وُجد وكيف اُكمل وهو فيلم جيد في حرفيته لكن يصعب اتباع عنصر التشويق المعروف في حبكات السينما فيقترب العمل نحو التوثيق ويبتعد قليلًا عن الإبهار. لكنه عمل مكتمل العناصر وعجيب التسلسل.

اللغة السينمائية

وتحدث مهدي بكار عن اللغة السينمائية في الفيلم التي تقوم في الأصل على الإقناع والإمتاع والإبداع، وهي لا تحتاج إلى لغة صعبة وإنما بسيطة يفهمها المتلقي كما يشير بكار، مشيدا بالانتقالات الجميلة والممتعة، من خلال الراوي غير المتوقع وهو بيت العجائب وحركة الكاميرا والزوايا واللقطة في المتحف البلجيكي، بلغة هدفها الإيهام بالواقع.

ومن حيث التعليق والحوارات أشار بكار إلى أنها غلبت اللغة السينمائية الجميلة في الفيلم، كما أن الزوايا الواسعة قد تصغر الشخصية مقارنة بالأحداث الجارية حولها.

فيلم عالمي..

وتحدث المخرج فريدريش كلوتشه عن تجربة الفيلم من عدة جوانب مشيرًا إلى أن الفيلم يستهدف الجمهور العالمي مقدمًا شكلًا من التوافق معه. وحاول تقديم الفكرة الأشمل لثلاثية بيت العجائب، وكل جمهور كان يحمل توقعا مختلفا عن الفيلم. وتطرق إلى الانتقالات الزمنية في الفيلم على الرغم من كونه فيلمًا وثائقيًا يعمل على مساحات ضيقة والنجاح فيها مقرون بعمليات البحث وإيجاد أفضل سردية ممكنة.

الأداء المقرون بالبحث

وقدّم أحمد الكلباني مؤدي دور السيد سعيد بن سلطان في الفيلم شهادة ذاتية سرد فيها تفاصيل رحلته مع الدور وتقمصه للشخصية التاريخية المهمة التي كان قد جسّدها سابقا في أوبريت «رحلة السفينة سلطانة» الذي كتبه الأستاذ أحمد الإزكي وأخرجه الأستاذ. ناصر الرقيشي وتم إنتاج العمل بشكل جيد من قبل شؤون البلاط السلطاني في شهر نوفمبر من عام 2017، وهذا كان أحد أسباب الاختيار حسب الكلباني.

واستعرض الكلباني وصفًا من تحليل قام به لشخص السيد سعيد بن سلطان بناء على الإجابات المتوفرة والاستنتاجات التي قام بها، وصحب الحضور في مجموعة من الشهادات الأجنبية التي وصفت سمات الإمبراطور الظاهرية والباطنية والتي كانت جزءًا من أدوات متعددة استخدمها لأداء العمل.