No Image
ثقافة

الكاتبة الكويتية منى الشمري: اتجاه قصصنا الخليجية أحادي النظرة وتبدو الأعمال الدرامية غير مشابهة لنا ولا تتفق مع روحنا السلمية

15 أبريل 2023
مؤكدة أن النص هو الركيزة الأساسية في نجاح العمل الدرامي
15 أبريل 2023

منى الشمري روائية وقاصة وسيناريست واحدة من أبرز الكاتبات في الكويت والوطن العربي، واستطاعت بفضل إبداعها تحقيق نجاحٍ كبير في المجال الأدبي والتلفزيوني، وتميزت أعمالها الدرامية بالعمق والتعبير الفني المتماس مع قضايا اجتماعية في المجتمع الكويتي والعربي بشكل عام، وأهم أعمالها الدرامية: "كحل أسود قلب أبيض" عام 2017، و "لا موسيقى في الأحمدي" عام 2019، و"أمنيات بعيدة" عام 2019، و"سيد العتمة" و"ذهبت مع الماء" عام 2022، وقد نالت عن هذه الأعمال إشادة واسعة من الجمهور والنقاد.

كما قدمت منى الشمري العديد من الأعمال الأدبية المهمة، أبرزها "يسقط المطر تموت الأميرة" عام 2012، و "رأسان تحت مظلة واحدة" عام 2018، و "خادمات المقام" عام 2020. وقد حصلت منى الشمري على جوائز عديدة لأعمالها الأدبية، بما في ذلك جائزة الدولة التشجيعية عن القصة القصيرة لعام 2017 "رأسان تحت مظلة واحدة"، وجائزة الدولة التشجيعية للرواية عن "لا موسيقى في الأحمدي"، وجائزة أفضل كتاب عربي في مجال الرواية من معرض الشارقة الدولي للكتاب 2022 عن روايتها "خادمات المقام". وصلت روايتها "خادمات المقام" إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عام 2022.

• أولا، لنتحدث عن أهم المشاريع الكتابية في حياتك سواء الدرامية أو الروائية أو الكتابة عموما؟

يُعَدُّ كل مشروع عملت عليه مهما في حينه، لأنه استغرق الكثير من الوقت في البحث والجهد قبل الشروع في الكتابة، سواء كان مشروعا أدبيا أو دراميا. وإذا كان يستمد أهميته من تفاعل الجمهور والقراء، فأعتقد أن رواية «لا موسيقى في الأحمدي» نالت نصيبها من الشهرة منذ اللحظة التي حصدت فيها جائزة الدولة التشجيعية للرواية، ثم تحولت إلى عمل درامي رائع لا يزال صداه مستمرا منذ عام ٢٠١٩، حيث لا تزال القنوات التلفزيونية ومنصات الديجتال تعرض العمل الكلاسيكي مرارا وتكرارا. وقد حققت رواية «خادمات المقام» أصداء جميلة بعد وصولها إلى قائمة البوكر الطويلة وحصولها على جائزة معرض الشارقة للكتاب كأفضل رواية عربية لعام ٢٠٢٢، وهي في طور التحول إلى عمل درامي كذلك.»

• انطلاقا من أن الرواية فن مستقل وأنه ظهر كثيرا على أعمال درامية وسينمائية كيف أثر شكل أحدهما على الآخر أو ساهم عموما في إبراز الآخر؟

لا يمكن للفن دائما مجاراة الأدب أو المنافسة عليه، لأن الأدب يبقى أكثر عمقا وحرية من الفن، برغم أن ذخيرة الأدب الوحيدة هي اللغة. وما يميز الفن هو حشد من التقنيات التي تدعم النص، مثل الأزياء والديكورات والإضاءة والإخراج والتصوير والجرافيك وغيرها، فتجعل الصورة البصرية ممتعة وجاذبة. ولذلك، حين يخدم الفن الرواية، فإنه يقدمها كعدد هائل من المشاهدين بصورة مرئية جديدة، قد تساهم في رواج الرواية، لأن غالبا العمل الدرامي لا يقول كل ما في الرواية وقد يقتبس منها الفكرة أو الحبكة ويقدمها بشكل مختلف. وقد يسيء العمل الدرامي للرواية فيقدمها بشكل مبتذل وساذج، فتأثير أحدهما على الآخر أمر في غاية الحساسية والهشاشة وفي الوقت ذاته في غاية القوة.

• يرى البعض أن الكثير من الروايات في الأفلام والمسلسلات تشوهت أو حتى لم تقترب من وحي النص الروائي، وأنتِ لا شكَّ أحد الذين نقلت أعمالهم إلى الدراما، فكيف تقيّمين التجربة في هذا الشأن عموما؟

ربما من حسن حظي أنني أمتلك موهبة وأدوات كتابة السيناريو، ولهذا أقومُ بنفسي بتحويل رواياتي إلى أعمال درامية، وهذا الحس لا يمتلكه كل روائي، برغم محاولات الكثير من الروائيين كتابة السيناريو، إلا أن الأمر لا ينجح دوما، لأنها كتابة صعبة وتحتاج موهبة مختلفة عن كتابة الرواية. تحويل أعمالي الأدبية أنا راضيةٌ كل الرضا حتى الآن عنه، ولكن من الصعب المغامرة وإعطاء نصِّي الأدبي إلى سيناريست لتحويله لعمل درامي، لأن المبدع في مجال الكتابة الدرامية نادر ويكاد يكون غير موجود، ولهذا لدينا كمٌّ من الإنتاج الدرامي الذي يمر مرور الكرام ولا يعلق في أذهان المشاهدين.

وأتفقُ معكِ أن هناك كثيرا من الروايات تشوهت عندما تحولت إلى عمل درامي، لكن الرواية تبقى شيئا والدراما شيئا آخر، ولهذا كان الأديبُ الكبيرُ نجيب محفوظ لا يكتب سيناريو رواياته، بينما يكتب سيناريوهات أعمال أخرى لأن إخلاصه لرواياته وشغفه بها قد يؤثر عليها حين يحولها إلى سيناريو. ولهذا لابد لكل روائي أن يتحرر من روايته حين تتحول لعمل درامي، وقد يحالفه النجاح أو الإخفاق، فثمة كثيرٌ من الظروف والعوامل التي تؤثر على نجاح العمل الدرامي.»

• يا ترى، لماذا في اعتقادك أن الموسم الرمضاني، كما يسمى، هو الأكثر احتفاء بالدراما عن باقي المواسم؟ بل وأنه لا نكاد نشاهد عملا دراميا جديدا طوال العام، في حين تتزاحم القنوات على البث الرمضاني الذي قد يفقد المشاهد بوصلة تفكيره ويشتت فكره من كثرة المعروض؟

الفن تغير بعد ثورة الديجتال وتخلص من شكله التقليدي. اعتدنا أن السباق الدرامي الرمضاني يغص بالأعمال الدرامية، وذلك لأسباب تجارية، فالقنوات والمنصات تدفع أكثر في شراء أعمال موسم رمضان، والمنتجين يهمهم هذا الموسم للبيع والربح وسد ساعات البث الطويلة. وعدد الأعمال الخليجية في رمضان قد تتجاوز أحيانا الثلاثين عملا، ولا يستحق منها المشاهدة إلا عملان أو ثلاثة.

وبعض منصات الديجتال، أصبح الإنتاج الدرامي مستمرا لا يتوقف طوال العام، وفيها أعمال من موسم واحد أو عدة مواسم. وأرى أن أعمال الثلاثين حلقة ستختفي مع الوقت، وهي فعليا بدأت في التراجع، فهذا العام أكثر الأعمال التي عُرضت على شاشة MBC أو شاهد كانت 15 حلقة، فالأعمال الناجحة تتخفف من التمطيط والبطء في الأحداث والتطويل للوصول إلى 30 حلقة.

• هناك أعمال كثيرة رغم اختلاف كتابتها إلا أن الناتج الذي نشاهده على الشاشة يكاد يكون متشابها في القصة والطرح وحتى الممثلين في بعض الأحيان، لو تحدثنا بصفتك كاتبة، ما السبب من وجهة نظرك في هذا التشابه الكبير في النصوص؟

النص هو الركيزة الأساسية في نجاح العمل الدرامي، ما يشد الجمهور هو الحكاية المحبوكة بشكل متقن، ثم تأتي بعد ذلك العناصر الأخرى المخرج والممثلون والديكور وغيرها، المشكلة أن المنتج يبحث عن النصوص الرخيصة لشباب هاجسهم الشهرة والنجومية يفتقدون التجارب الحياتية التي تجعل أعمالهم على درجة من النضج والوعي والعمق، هؤلاء الشباب بعضهم يسرقون أفكار ومشاهد أعمال أخرى أجنبية وتركية وكورية، فصارت القصص مكررة والأعمال متشابهة والمستوى رخيص والمحتوى ساذج لا يحترم عقل المشاهد، وهناك أعمال فاشلة تعتمد على كم مشهد جريء ومثير للجدل يجعل من العمل ترند في السوشل ميديا يثير النقاش وردود فعل الناس، لكن هذه فقاعات تنفجر وتنتهي في الوقت ذاته ولا تجعل العمل مشاهدا، فالقيمة والمستوى هما ما يبحث عنه المشاهد وما يجعله يواصل مشاهدة أي عمل، وما أحدث ضجة مؤقتة سرعان ما يترك الجمهور متابعته لأنه لم يقدم لهم عملا قويا يستحق الوقت والاهتمام.

• في سياق ما يعرض على الكثير من القنوات وأعني هنا القنوات الخليجية تحديدا لماذا أصبحنا نكرس في أغلب الأعمال همومنا ومصائبنا وحزننا ونبتعد في الغالب عن الجانب السعيد في الحياة ذاتها؟ لماذا هذا التشويه في حياة البشر وجعله واقعا أمام المتلقي أم نحن فعلا نعيش هكذا؟

لأن الحياة كلها دراما، وما يحدث في الواقع من دراما يفوق ما تقدمه الدراما التلفزيونية أحيانا، والمصائب والهموم هي التي تغذي بشكل أساسي الدراما التركية على سبيل المثال وهي مشاهدة بقوة ولها جمهور عريض هو جمهورنا الخليجي، لكن الطبيعة الخلابة في مواقع (لوكيشنات) التصوير وإبراز جمال المكان في المناطق التركية تجعلنا نهضم المآسى في قصصهم فالصورة مدهشة، أما الأعمال الخليجية فالصورة محدودة واللوكيشنات مملة وفوق المصائب كمية مبالغة في الأداء والافتعال من الممثلين مع الصراخ والطرقات، فنشعر بالغثيان كمشاهدين، كما أن اتجاه قصصنا الخليجية أحادية النظرة ولا تقدم جوانب أخرى من الشخصيات والنتيجة تشويه للواقع، وتبدو الأعمال الدرامية لا تشبهنا ولا تشابه ما يحدث في بيوتنا التي يسودها الاحترام والمحبة والسلام الداخلي.

• واستنادا إلى ذلك الواقع الذي قد يجهله البعض فأنك قدمتِ أعمالا نقلت من خلاله تجارب الإنسان لكنها لاقت انتقادا من البعض.. كيف تقيمين تجارب نقد الجماهير؟ وماذا تعني لك تلك الانتقادات؟

أعمالي وبفضل الله لاقت نجاحا كبيرا والإشادة والإعجاب كان أكثر بمراحل من النقد السلبي، ومع هذا فمن حق أي مشاهد أن يقول رأيه فيما يشاهد، سواء كان موضوعي أو رأي منفعل، ثم إن الفن وجهة نظر ومن حق البعض تقبله أو رفضه، واعتدت عدم الرد على أي انتقاد بل أشكر كل من منح أعمالي وقته واهتمامه.

• الكتابة للنجوم هل تؤيدينها؟ ولماذا تتراجع أعمال النجوم برغم وجود كتّاب خاصين بهم؟

الكتابة للنجوم مطمع الكثير من المؤلفين الشباب إلا إنه فخ، فما أسوأ أن يقال تاريخيا أن النجم سقط بسبب الكاتب الفلاني، كما أن البعض من النجوم الكبار تشبع من تجربته مثل الراحل عبدالحسين عبدالرضا الذي كان في سنواته الأخيرة يرفض الكثير من الأفكار بعذر أنه قدمها من قبل، وكذلك تفعل الآن الفنانة الصعبة سعاد عبدالله التي لا تجد نفسها في الكثير من النصوص التي تعرض عليها بسبب حجم التجربة والتشبع، فلاشيء يستهويها، وقد قدمت معها تجربة رائعة وعمل دراما نفسية هي «سيدة العتمة» ولاقت أصداء جميلة.

وبعض النجوم اعتاد على تكرار نفسه والمشاركة بغض النظر عن مستوى ما يقدمه، المهم كل عام يكون لديه عملان أو أكثر لأسباب تجارية وقد يخونهم الاختيار، فتجدهم يتحمسون لأعمال لا تجد قبولا لدى الجمهور، ومع سقوطهم لا يتوقفون.

وبالنسبة لي فالكتابة للنجوم أساسها وجود الفكرة هي التي تفرض النجم وليس العكس، فتفصيل الأدوار للنجوم مهمة تحتاج الكثير من الصبر والتضحيات والوقت وهي لا تلائمني تماما، لكنني أذهب مع الفكرة والحكاية التي تنادي النجم وتقول له هذا النص لك وهذه الشخصية هي أنت.