الأوركسترا ترافق العمل
الأوركسترا ترافق العمل
ثقافة

أوبرا "ريغوليتو".. الحياة مقابل الحب!

23 يناير 2022
على مسرح دار الأوبرا السلطانية
23 يناير 2022

يكون من نصيب الجالس بالصف الأمامي مباشرة في مسرح دار الأوبرا السلطانية رؤية الأوركسترا التي تكون في طابق منفصل أسفل المسرح، ما لا يمكن لبقية الجالسين في الصفوف الأخرى من رؤيتها بخلاف الجالسين في الصفين الثاني والثالث ربما الذي يكون لهم نصيب من رؤية جزء يسير من تلك الأوركسترا الضخمة، وكهذا كان نصيبي عند حضور عرض "أوبرا ريغوليتو" في ثالث عروضه أمس الأول السبت، فقبل انطلاق العرض بدأ العازفون يتوافدون واحدا تلو الآخر نحو منصتهم، وبدأت أصوات الموسيقى الحية تعتلي المسرح بين عازف يجرب الأوتار، ونافخ للناي يختبر آلته، وقارع طبول يراجع النوتة الموسيقية وبين تجربة لمعزوفة ستكون بعد قليل حاضرة وترافق العرض الأوبيرالي الرائع.

خفتت أنوار المسرح، فاعتلى حينها مايسترو الأوركسترا "يان لاثام كونيج" منصته، ملوحًا بعصاه ويديه للموسيقيين، فتصاعدت على طبقات متوازنة أصوات الموسيقى إعلانا عن بداية العرض.

حكاية العرض

قصة تراجيدية رواها العمل الأوبيرالي "ريغوليتو"، تتنوع فيها الشخصيات الرئيسية، المهرج الذي لا يسمح له إلا بالضحك وإضحاك الآخرين، والدوق "مانتو" الذي يعشق فتاة يحاول بشتى السبل الوصول إليها معلنا لها حبه، وابنة المهرج التي تقع في الحب وتضحي من أجله، وشخصيات متعددة أكملت أدوارها لتربط الأحداث ببعضها للوصول إلى خاتمة العمل.

المهرج يعيش في قصر الدوق "مانتو"، يوجه السخريات، ويوجه النكات محاولا إضحاك الحاشية والدوق، إلا انه في ذات الوقت يمتلك قلبا قاسيا، لا يمنعه عمله من توجيه الاتهامات للآخرين في زمن يعتبر فيه مجرد حبَّ الفتاة عار عليها وعلى عائلتها، فتوجه الاتهامات إلى أحد الكبار بالسن بأن ابنته سببت له العار، فيلقي العجوز لعناته على المهرج بعبارات الدعاء والتهويل والوعيد، بعد أن قسى عليه المهرج ساخرا من وضعه!

الدوق يعيش في حب فتاة يعتقد بداية أنها زوجة المهرج، وعُرف عن الدوق حب الفتيات حتى المتزوجات منهن، يوهمهن بالحب والمشاعر التي من الممكن أن تكون حقيقية، يعلن لهن عن رغبته بالزواج والارتباط، يقنعهن بأن الحب هو الأسمى من كل شيء حتى عن الملك والحكم والجاه.

أما ابنة المهرج "غيلدا" فتعيش في عزلة فرضها لها والدها، حيث عاش في فترة من الشك والخوف والقلق من المجهول، وذلك بعد أن ألقى عليه العجوز من اللعنات، فخاف أن يحل به العار كما حل بالعجوز، فحرم ابنته من الخروج من المنزل إلا للكنيسة لأداء الصلاة، ووفر لها خادمة ترعاها، فتعيش الفتاة في ضجر رغم معرفتها ويقينها بحب والدها لها بقوة، فهي هواؤه وعائلته وكل حياته، وهو المقطوع من شجر فلا أسرة له بعد وفاة زوجته إلا ابنته.

الخادمة التي تعيش في بيت المهرج تسمح لأحد الرجال بدخول البيت ومقابلة ابنة المهرج "غيلدا"، هو ذاته الشاب الذي وقعت عينا "غيلدا" عليه وهي تذهب للصلاة، وفي ذات اليوم الذي دخل إلى المنزل عبَّر لها عن حبه، وقبل ذلك سمعها وهي تتغزل به وتصفه بأعذب كلام الحب والهيام، فتتكون علاقة حب ومودة بينهما، وبذلك حلَّ العار على ابنة المهرج، وحلت اللعنة التي خاف منها عليه.

يدعي الشاب أنه طالب فقير، خوفا من أن تعرف أنه الدوق مانتو فترفض حبه خوفا من أبيها.

يقرر رجال الدوق خطف ابنة المهرج من منزلها، وجلبها إلى الدوق، ثم يعلم المهرج بذلك، فيذهب إلى القصر مشتاطا بغضبه، مناديا على ابنته، بين تهديد ووعيد، وبين رجاء وانكسار، فيعرف الدوق والعسكر أنها ابنته وليست زوجته، وحينها يقابل ابنته وتعترف له بالعار الذي حل بها، فلم يهدأ المهرج إلا بعد أن يحاول الانتقام من الدوق وقتله بواسطة قاتل مأجور، فالقاتل المأجور على اتصال بالدوق، ويذهب إليه الدوق خلسة لشرب النبيذ ومعاشرة امرأة.

وفي أحد الأثناء بينما كان الدوق عند القاتل، كان المهرج وابنته التي تكن للدوق كل الحب، كانا موجودين خارج بيت القاتل، يطلان على الدوق من وراء سور البيت، فترى "غيلدا" الدوق على حقيقته وعلاقته، لكن ترفض أن يُقتل وتحاول مع والدها أن يسامحه وأن لا ينتصر للانتقام في الظلام الحالك.

هنا يعطي المهرج ابنته المال، ولباس رجال لترتديه ثم تهرب بعيدا في البحر، لينفذ هو انتقامه مقابل 20 قطعة من الذهب للقاتل المأجور، الدوق ثمل والقاتل مستعد لقتله، لكن "غيلدا" تضحي بنفسها لتُقتل بدلا من الدوق، لتتلقى الطعنات بالاتفاق مع القاتل، الذي يضعها في كيس كبير ليستلمها المهرج ويدفع للقاتل أجرته.

كانت صدمة المهرج كبيرة عندما استلم الجثة، فقد سمع صوت الدوق "مانتو" وهو يغني، هل الصوت في خياله، أم هو صوته الحقيقي، فيكشف عن الجثة المستلقية أمامه ليجد ابنته تلفظ أنفاسها الأخيرة، لتخبره بأنها ضحت من أجل حبيبها، وهي تصعد للسماء نحو أمها، وستدعو لوالدها من هناك، فماتت بين يديه!

ينتصر الحب في نهاية العرض الأوبيرالي، وينهزم الانتقام ولا فائدة للندم!

أوبرا "ريغوليتو" لجوزيبي فيردي، وهو عمل إنتاجي جديد لدار الأوبرا السلطانية مسقط، بالاشتراك مع مؤسسة أرينا دي فيرونا وأوبرا ومسرح باليه ليثوانيا الوطني، وإخراج العالمي فرانكو زفيريللي(1923-2019)، والعمل مأخوذ عن مسرحية للكاتب الفرنسي فيكتور هوجو بعنوان "الملك يمرح".

وقد قدم العرض الأوبيرالي أيام الخميس والجمعة والسبت من الأسبوع الماضي، واستمر لأكثر من 3 ساعات بما في ذلك الاستراحات الطويلة بين لوحات العرض.