facebook twitter instagram youtube whatsapp


أحمد سالم الفلاحي
أحمد سالم الفلاحي

نوافذ : فواتير..

13 مايو 2022

shialoom@gmail.com

حياتنا محملة بمجموعة من الفواتير، بعضها حاضرة الدفع، وبعضها الآخر مؤجلة الدفع، وبين هذه وتلك هناك قصة إنسان لا يزال يعيش على أمل أن يدفع ما هو حاضر، وأن يسعفه العمر لكل يدفع ما هو مؤجل، فالدفع؛ على ما يبدو فرض عين، ولا مجال لأن يدفع عنك أحد فواتيرك الحاضرة والمؤجلة، حتى بعد موتك، فأنت الملزم بدفع فواتيرك، فإما بوصية مكتوبة، وإما باجتهاد ورثتك ومن مالك الذي تركته شاهدا على تقصيرك في دفع فواتيرك، فالبائع الذي اشتريت منه، ليس يسيرا أن يتنازل عن حقوقه، وهذا البائع قد يكون تاجرا اشتريت منه بضاعة، وقد وضعته أنت بإرادتك في مقام المسروق، حيث سرقت منه صِدْقَه، فاتهمته بالكذب، وقد يكون أمينا فخونْتَه، وقد يكون متواضعا فنعتَّهُ بالكبر، وقد يكون غير منتبه، فاستغفله بصفات لا تليق به، فحَمَّلْتَ نفسك فواتير أنت في غنى عنها.

ولو أن الأمر مقتصرٌ على جانبه المادي؛ فلربما الأمر يكون سهلا؛ ولكن الأصعب هنا أن تكون هذه الفاتورة أو تلك تتعدى الجانب المادي الصرف النقود، أو العقارات، أو الذهب والفضة، وغيرها والأصعب هنا أكثر هي الفواتير المتعلقة بحقوق الآخر المعنوية: ظلم، كذب، افتراء، نميمة، غيبة، تحايل، سرقة غير معلنة، حقوق مهدرة، وعقوق متعمدة؛ لا أول لها ولا آخر، والصعوبة هنا أكثر، عندما لا نملك الشجاعة للإعتراف بها في حضرة من أسأنا إليه، حيث نتوارى عنه بعيدا، مع إقرار أنفسنا بأننا مارسنا؛ في غيابه؛ كل هذه الموبقات، دون علمه، والمفارقة تتسع أكثر عندما نقابله بابتسامة، ونأخذه بالإحضان، ونشعره بأنه في مأمن من كل ما قد يفكر فيه بأننا أحد مصادر خوفه.

على امتداد مساحة العمر الممتدة، كم هي عدد الفواتير، التي تبقى دون سداد، وكم يكون غض الطرف عنها؛ على أنها من الماضي، وأن الحاضر كفيل بأن ينهي سداد مجموعة فواتيره، وتمر الأيام، وتتراكم طبقات الفواتير؛ واحدة تلو الأخرى، شيء من التسويف، وشيء من الآمال، وشيء من العزم على القادم أكثر همة في دفع هذا الكم الهائل من الفواتير، ويصبح الحاضر ماضيا، وتتجدد الأزمنة وتتقادم، ولا تزال الفواتير تعاني من غوايات التسويف، ولا يزال الإنسان يقنع نفسه بأنه ليس الوحيد المؤجلة فواتيره إلى أجل مسمى، فيتقصى دروب البحث عن فواتير جديدة، فالحياة تتيح له هذا التقصي، فما تقدمه له من مباهج، ومتع، واستسهال في تراكم الفواتير، كل ذلك يجعله يغض الطرف عن ما تقادم من فواتير لا يساوي شيئا، مقابل ما استجد في عالم الفواتير.

المصيبة الكبرى أن فواتير الإشباعات البيولوجية من أكل وشرب، لا تعاني كثيرا من عدم السداد، ولكن الفواتير الحاضرة الدفع هي تلك المتعلقة بالآخر، وبحقوقه المغتصبة منه، بوعي أو بغير وعي، بعلمه أو بغير علمه، في حضرته أو في غيابه، ومع الإقرار بوجود هذه الفواتير وخطورتها على مستقبل الأنفس، إلا أن الإنسان لا يزال يغض الطرف عنها، مسوفا بطول العمر، وبتغاظي الطرف الآخر عن مجموعة الإساءات التي انتهكت حرماته، ونالت من شخصه، ومكانته كإنسان له حرمة الصون، وعدم المساس بكرامته، مع أنها دين مستحق سيدفع عاجل أو آجل. "اللهم أوف الدين عن المدينين".

أعمدة
No Image
نوافذ :كلام الناس
shialoom@gmail.comجبلت النفس الإنسانية على التنظير في كل شيء، بمعرفة وبغير معرفة، بقصد وبغير قصد، ولأن الكلام ليس محصورا على أحد دون آخر، إذن فالجميع يتكلم، والجميع يُنَظِّرْ، والجميع يعلل، والجميع يفسر، والجميع يدافع، والجميع يتهم، وكل هذه الصور هي من مفرزات الكلام، ولأن «اللسان ليس به عظم» - كما...