نوافذ: بينما ينام العالم

19 مايو 2021
19 مايو 2021

تقول سوزان أبو الهوى في مقابلة لها مع إذاعة ال” بي بي سي”، بأن اختيارها عنوان “بينما ينام العالم” لترجمة روايتها الأولى والأشهر حتى الآن، والمعنونة في أصلها الإنجليزي “الصباح في جنين“ كان خطأ.

سوزان أبو الهوى روائية فلسطينية أمريكية، تعود أصولها إلى بلدة الطور في القدس. تصف حياتها فتقول بأنها سلسلة من الزيارات ليس أكثر، في وصفها للإقامات القصيرة في مدن وبلدان مختلفة، فهي التي ولدت في الكويت ليست كويتية، بل فلسطينية تحمل جنسية أمريكية، وبين القدس وجنين والكويت وعمّان والولايات المتحدة، كانت حياتها مجرد عبور وزيارات.

لكن في عام ٢٠٠٠عادت أبو الهوى إلى جذورها في فلسطين، لتستكشف البلد الذي تحمل جيناته ومن ترابه تكونت، ولتستعيد الروائح والأصوات والمذاقات والخطوات الذاهبة في أزقة القدس وحارات جينين، وبعد أن عادت إلى أمريكا كتبت روايتها “ بينما ينام العالم” التي تحكي فيها حكاية ثلاثة أجيال من عائلة أبو الهيجا، التي هجرت من قرية عين حوض عام ١٩٤٨، فتلقفتها المنافي، وهي حكاية كل فلسطيني نجا من المجازر فحكم عليه بالشتات.

في مفتتح الرواية تحدق آمال - بطلة الرواية- في عيني الجندي الإسرائيلي، الذي ضغط فوهة بندقيته على جبينها، تحدق في عينيه، غير هيابة للموت وهي تتساءل كونها مواطنة أمريكية فيما إذا كان سيعبر المسؤولون الأمريكيون عن أسفهم لمقتلها، أم أن حياتها ستعتبر مجرد خبر عابر، وتعد من ضمن الأضرار الجانبية.

تنظر في عين قاتلها الإسرائيلي الذي يضع فوهة بندقيته على جبينها وتفكر “لقد قتل من قبل ، لكنه لم يقتل وعيناه في عيني ضحيته من قبل”.

هذه العبارة أحالتني إلى مشهد سينمائي، حيث غرس ”توم هانكس” السكين في صدر الجندي الألماني في فيلم “ إنقاذ المجند رايان”، تلك النظرة المتبادلة بين القاتل والمقتول، نظرة مرعوبة يقرأ فيها الفزع والاستعطاف، نظرة اختلط فيها الحزن بالخوف والفرح .

لكن المعادلة مقلوبة هنا، فنظرة آمال ليست مذعورة ، بل تنظر في عيني قاتلها وتنتبه إلى أنه يرتدي عدسات لاصقة، فتتخيله وهو يميل إلى المرآة ليرتديها، قبل أن يرتدي ملابسه العسكرية استعدادًا للقتل، فتحدث نفسها ”ما أعجب الأشياء التي نفكر فيها في تلك المساحة بين الحياة والموت”.

أتساءل أحيانا وأنا أستعيد ذلك المشهد، هل حدق قابيل في عيني هابيل أيضًا؟ أم عالجه بحصاته من الخلف، خوفًا من أن يستنجد الدم بالدم، فيتراجع القاتل عن جريمته التي عنونت لبدء تاريخ القتل؟

العيون تمنح قراءة كاملة للروح، لكن منذ أن تخلى القتلة عن استخدام السلاح الأبيض وبدؤوا في استخدام البنادق، والآن الصواريخ الموجهة عن بعد، لم يعودوا ينظرون في عيون ضحاياهم، صاروا يقتلون بضغطة زر وبدم بارد، وهذا لا يتطلب مواجهة حقيقية مع فعل القتل، إذ يصبح المقتول مجرد هدف على الشاشة، ولاحقًا مجرد رقم يضاف على القوائم؛ لذا فعندما وجه الجندي الإسرائيلي فوهة بندقيته إلى جبهة آمال، كان يضع عدسات لاصقة، عدسات يرى من خلالها، لكنها في الوقت ذاته تحجب.. تحجب الروح وقراءتها، وتحجبه أيضًا عن نظرة ضحيته، هو بحاجة لهذا الحجب، بحاجة له كي يصبح مجرد آلة حرب صماء؛ كي يقتل عن بعد.

“ بينما ينام العالم” عنوان أكثر مناسبة عندي من “ الصباح في جينين”؛ لأنه يصف ما حدث للفلسطينيين في غفلة من شعوب العالم، غفلة صنعتها وسائل الإعلام الصهيونية المضللة، أما الآن فهو يحدث مباشرة أمام أعين العالم، الذي وإن حاول إغماضها وادعاء النوم، فضحته وسائل التواصل، وجعلته في مواجهة مباشرة مع ضميره، هذه الصحوة ربما تغريه فعلا بتجريب “الصباح في جنين”.