أزمة الباحثين عن عمل والحلول الممكنة
سالم بن سيف العبدلي / كاتب ومحلل اقتصادي -
تعتبر قضية الباحثين عن عمل من القضايا العالمية والتي تعاني منها أغلب دول العالم وبدرجات متفاوتة بسبب زيادة الطلب عن العرض فأعداد من يكونون جاهزين لدخول سوق العمل يزداد بمتوالية هندسية بينما أعداد الوظائف المتاحة تزداد بمتوالية عددية وفي ظل الأزمات العالمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية المترابطة والمتتالية تزداد المشكلة تعقيدا وظهر ذلك جليا أثناء الأزمة الصحية التي يعيشها العالم منذ أكثر من سنة ونصف وهي جائحة كوفيد -19 حيث خلفت في عام 2020 م أكثر من 25 مليون عاطل ومسرح (بدون وظيفة).
ولم تكن السلطنة بمنأى عن هذه الأحداث والتي ضاعفت من حجم المشكلة حيث صاحبها هبوط في أسعار النفط وتراجع الصادرات وأدت إلى اتساع عجز المالية العامة وارتفاع المخاطر المالية مما أدى إلى قيام الحكومة باتخاذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية لمحاولة إصلاح هذا الخلل وعودة التوازن المالي ورفع التصنيف الدولي للسلطنة وكان لهذه الإجراءات تأثيرها المباشر على المواطن.
وعندما نتحدث عن أزمة الباحثين عن عمل فهي أزمة متجددة فكلنا نعلم بأن جهودا كثيرة بذلتها الحكومة منذ ندوات التشغيل والتي أمر بها المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - والتي خرجت بنتائج وقرارات عملية من أهمها برنامج سند وصندوق رفد وإنشاء مديرية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وغيرها من التوصيات كما تم اعتماد ملايين الريالات للتدريب والتأهيل إلا انه وللأسف الشديد أغلب تلك البرامج والإجراءات لم تأت بنتيجة تذكر وظل عدد الباحثين عن عمل في تزايد.
التجمعات السلمية التي قام بها شباب الوطن خلال الأسبوع الماضي في مختلف محافظات السلطنة قدمت رسالة مهمة وواضحة للجميع على أن هناك فعلا مشكلة ينبغي حلها ونحن نعلم جميعا بأن العيش الكريم من أهم أوليات الحياة في أي مجتمع وهذا لا يتأتى إلا بالحصول على وظيفة مناسبة للشباب يستطيع من خلالها تأمين مستقبله وحياته فمن غير المعقول أن يجلس الشاب في قائمة الانتظار بعد تخرجه من الجامعة أو الكلية أو المدرسة لسنوات وهو باحث عن عمل مما يضطره إما الاعتماد على أسرته أو التوجه إلى وسائل أخرى قد تكون غير قانونية للحصول على مبالغ تعينه.
وجاءت التوجيهات السامية لجلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- لتبعث الأمل من جديد في نفوس شباب الوطن وتعيد الأمور إلى نصابها حيث وجه جلالته -أعزه الله- بتسريع المبادرات التشغيلية وتوظيف 32 ألف شاب وشابة من خلال طرح ألف وظيفة شهريا في القطاع الحكومي والمدني والعسكري حتى نهاية العام وتوفير 2000 فرصة عمل بنظام العقود المؤقتة ومليون ساعة للعمل الجزئي في المؤسسات الحكومية بمختلف المحافظات ودعم أجور الداخلين الجدد للقطاع الخاص بـ 200 ريال إضافة إلى الإعانات الشهرية من صندوق الأمان الوظيفي للمتأثرين بالتسريح.
وينبغي هنا أن تتكاتف كافة الجهود بما فيها جهود القطاع الخاص والذي ينبغي أن يبادر إلى توفير بيئة جاذبة ومناسبة للشباب فيها ضمان لاستقرارهم الوظيفي ورأينا خلال الأيام الأخيرة إعلانات كثيرة لوظائف متعددة ونأمل أن لا تكون مجرد إعلانات مجاملة كما حصل في عام 2011 عندما بادرت العديد من الشركات بطرح وظائف للعمانيين إلا أنها بمرور الوقت تبخرت واختفت.
كما أنه لابد أن نتوجه إلى الحلول الدائمة ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال توفير منح مالية نقدية للشباب رواد الأعمال وبشروط ميسرة للراغبين في العمل لحسابهم الخاص في مختلف المهن فهناك العديد من الشباب لديهم الرغبة لإقامة مشاريع خاصة بهم إلا أنهم يعانون من عدم توفر السيولة النقدية وصعوبة الحصول على التصاريح اللازمة.
يمكن أيضا تهيئة أراض زراعية للشباب الراغب في الاستثمار في هذا القطاع وهناك مبادرة سابقة إلا أنها لم تر النور حتى الآن والمتمثلة في تخصيص 50 قطعة أرض زراعية للشباب في محافظة جنوب الباطنة ويمكن إحياء هذا المشروع والتوسع فيه ليشمل مختلف محافظات السلطنة فهناك أراض كثيرة تصلح للاستثمار الزراعي بعد تخطيطها وتوفير البنية الأساسية لها إضافة إلى الأراضي الخاصة بالوقف والتي تصلح لإقامة مشاريع زراعية وتجارية كما ينبغي تشجيع الشباب على التوجه إلى الاستثمار في اقتصاد المعرفة والذي هو المستقبل وشبابنا قادر على العطاء والإنجاز إذا ما توفرت له الظروف والبيئة المناسبة.
من الأمور المهمة هو السعي نحو تعمين الوظائف العليا في الشركات العامة والخاصة سواء في مجالس الإدارة أو في الإدارات التنفيذية ومن واقع خبرة وتجربة فالشركات التي يديرها عمانيون دائما حريصة على إعطاء فرصة للشباب وتوفير البيئة المناسبة لهم من أجل تحقيق طموحاتهم.
