ولايات

علي بن محمد العبري يسترجع ذكريات مسيرته التربوية بجامع نزوى

19 مايو 2023
يلقبونه بـ «راعي الحكمة» لخبرته في مجالات متعددة
19 مايو 2023

علي بن محمد العبري يسترجع ذكريات مسيرته التربوية بجامع نزوى

حصلت على الشهادة الإعدادية منتصف السبعينيات ثم تعينت معلما في نفس الجامع

نعمل في الزراعة وحراثة المزارع واستخراج الماء بطريقة الزيجرة لتوفير المستلزمات

عندما تدخل قرية فرق بوابة ولاية نزوى من جهة الجنوب تستوقفك حداثة الحاضر وعبق الماضي من خلال تمازج العمران ووجود شواهد قديمة على إصرار العماني قديما على التعامل مع ظروف ومتطلبات الحياة وأن وراء هذه المنجزات جيلا كافح وجاهد من أجل البقاء والاستمرارية وتزخر القرية بكثير من رجالاتها الذين حملوا لواء المجد والكفاح من أجل استمرارية الحياة وعندما تسأل أي شخص في القرية عن «راعي الحكمة» فهو بكل تأكيد سيشير إلى المعلم علي بن محمد بن سيف العبري أحد الأوائل الذين كانت لهم بصمات عديدة فلم يحصل على لقب «راعي الحكمة» من فراغ بل نظير الأعمال الجليلة التي قدمها ولا يزال يقدمها للقرية حيث يكفي أن نقول: إنه وهو الآن في منتصف الثمانينيات من عمره لا يزال يمارس مهنة الزراعة ويقوم بالإشراف على مزرعته ونخيله بنفسه لذلك كانت هذه فرصة لنستطلع معه حياة الماضي وكيف استطاع العمانيون تسيير شؤونهم خلال فترة شهدت الكثير من التحديات والظروف المعيشية فرغم اهتمامهم بتوفير لقمة العيش إلا أن ذلك لم يثنهم عن طلب العلم ثم تعليم الآخرين وهذا ما أوضحه ضيفنا في السطور التالية من الحوار حيث بدأ القول: إنه ومنذ أن كان في التاسعة أو الثامنة من عمره التحق مع أقرانه للتعليم في مدرسة المعلم سعيد بن محمد بالقرية بتوجيه وإرشاد من والده مضيفا أنه درس في هذه المدرسة وبمراقبة ورعاية من والده قواعد الإعراب وجزء عم ثم الجزء الأول ثم مع المعلم سالم بن حمود أمبوعلي الذي نقلهم بعد ذلك للمعلم سالم بن علي العزري الذي قدِم من إزكي للبحث عن عمل وتم تعيينه معلما حيث درست على يديه حتى سن الثانية عشرة.

حدث ذات يوم

وتابع المعلم محمد العبري الحديث: إن السبب الرئيسي لتغيير مسار حياته نحو تعليم سائر العلوم هو حالة وفاة وقعت في القرية حيث لم يجد المتوفى من يغسله نظرا لعدم وجود المعلم سالم في القرية وعند عودة المعلم للقرية طلب الصبيان ممن في مرحلة طلب العلم إلى مدرسته وبدأ في تعليمهم اللغة وأصول الدين والفقه وبعض العلوم الأخرى ومن هنا بدأ مشواره مع طلب العلم حيث استمر إلى أن أصبح شابا.

وقال: في عمر الشباب أحببت أن أؤدي فريضة الحج ولكن قلة ذات اليد لم تتح لي تحقيق أمنيتي لذلك عزمت على توفير النفقة من خلال السفر إلى دولة البحرين عام 1382 هـ حيث عملت هناك في المقاولات لمدة عام استطعت توفير نفقة الحج وما أحتاجه والحمد لله تيسر لي أداء المناسك في عام 1383 هـ الموافق له 1963 م بعدها عدت إلى أرض الوطن عملت لفترة في أعمال متنوعة إضافة إلى الزراعة من بينها إصلاح مضخات استخراج المياه من الآبار وكذلك استخراج النيل لصباغة الملابس من شجرة العظلم التي تكثر زراعتها واستخراج الماء من الآبار عبر الحيوانات «الزيجرة» وبعد ذلك التحقت للدراسة بجامع نزوى حيث درسنا العلوم الشرعية واللغة العربية وقواعدها مع مجموعة من الزملاء ثم بدأت الحياة في التحسن بعد عام 1970 وتولي المغفور له السلطان قابوس زمام الأمور حيث بدأت الدراسة في الجامع نظامية وحصلت على الشهادة الإعدادية منتصف السبعينيات واجتزت اختبار التدريس وتم تعييني معلما بجامع نزوى عام 1977 وواصلت التدريس في الجامع لمدة عشرين سنة زاملت خلالها الكثير من المعلمين من سلطنة عمان وخارجها من بينهم المعلم محمد بن عبدالله السليماني الذي كان معلما ومديرا وناصر بن عبدالله الحراصي وسالم بن مسعود الحديدي رحمهم الله وظللت معلما حتى سن التقاعد عام 1997 مع الإشارة إلى أن فترة التدريس أثناء بناء الجامع الجديد انتقلت إلى مسجد خراسين بمحلة العقر بنزوى.

مهن رديفة

وقال عملت في مهنة الخياطة فترة طويلة إذ كنت قد جلبت ماكينة خياطة عند عودتي من البحرين وبدأت العمل عليها وتدريب البعض كذلك على الخياطة حيث أصنع بين دشداشتين إلى ثلاث دشاديش في اليوم وأجرة الخياطة كانت 20 بيسة أما الوالد سالم بن سيف بن محسن العبري فقد كان أول من أحضر ساعة يد من السعودية حيث بدأنا في التعرف على الأوقات أما الساعات الحائطية فقد جُلبت من زنجبار؛ ومن الذكريات كذلك إقرار السلطان سعيد بن تيمور حكم الإمام محمد الخليلي –رحمه الله- على الداخلية حيث كانت الأمور السياسية والدينية مستقرة فالسلطان سعيد كان غيورا على الدين قبل أن تبدأ المشاكل بعد وفاة الإمام بسبب الفتن بين بعض القبائل ولكن الحمد لله انصهر المجتمع العماني في وطن واحد متوحد بعد حكم السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- فتحسنت الأوضاع وبدأت الخدمات في الظهور وافتتحت المدارس وكنا من أوائل المعلمين في الولاية ولله الحمد والمنة وما زالت هناك ذكريات راسخة نحكيها للأبناء للمقارنة بين ما واجهه أجدادهم وآباؤهم وما يعيشونه حاليا من رغد وتوفير كل المستلزمات وما يتطلب منهم من مضاعفة الجهد وشكر هذه النعم ورد الجميل للوطن.

ذكريات ومواقف

تطرق بنا الحديث إلى الذكريات السابقة ومن بينها ذكريات شهر رمضان فقال للشهر ذكريات لا تنسى حيث كنا نجتمع في تلة مرتفعة في جبال الحوراء بفرق لترائي الهلال وعند رؤيته نقوم بإبلاغ أكابر القرية وشيوخها لكي يقومون بإبلاغ الإمام حيث نطلق الأعيرة النارية وأحيانا يتم توفير وجبات الإفطار في المسجد من خلال الأوقاف التي وقفها الناس وهي عبارة عن تمر أو رطب مع جحلة ماء وبعد الصلاة نأكل بعض ما نزرعه في وقت الخصب أو في حالات الجفاف فتنعدم الأشياء إضافة إلى الظروف التي مرت بها البلاد فترات طويلة لم يكن الغذاء متوفرا فاكتفى الناس بالتمر والبر وكان عيش الكفاف والرضا في ذلك الوقت وحدث قحط كبير وجفاف لم تمر به البلاد من قبل وكان ذلك أواخر الأربعينيات بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؛ وعقب صلاة التراويح يتجمع الناس في المجالس يتسامرون ويتبادلون أطراف الحديث بالإضافة إلى حلقات العلوم في المساجد يتلون القرآن ويدرسون بعض الكتب ومن لا يعرف القراءة يكون مستمعا فقط ومع اقتراب العيد يبدأ الناس في التجهيز حيث يقوم الميسورون بذبح أغنام أو تشارك في بقرة لإعداد بعض الوجبات ويقوم البعض بإعداد الهريس في حالة توفر محصول البر المحلي أو حب البازري ونقوم بشراء أقمشة قبل العيد تقوم النساء بخياطتها باليد.