No Image
منوعات

الفنانة ليلى دمشقية: الفن أداة مهمة لفهم العالم من حولنا

31 يوليو 2023
تقدم أعمالا أحادية بلغة "التجريد"
31 يوليو 2023

عمّان "العُمانية": تتأمل أعمال التشكيلية الأردنية ليلى دمشقية بمعرض "ما بين الثنايا"، في مفاهيم الوجود والزمان والمكان، وتطرح أسئلة حول التجارب التي نحياها، والتحول الذي نشهده خلالها وفي أعقابها، مثل التنقل من مكان لآخر، وتَقَدُّم العمر، وتجربة الموت والفقد.

وتوضِّح دمشقية في حوار مع وكالة الأنباء العُمانية أنَّ أعمالها المعروضة في جاليري رؤى للفنون بعمّان، تعكس جانبَين؛ الأول جانب فيزيائي ملموس "يمكننا رؤية آثاره والتعرف على معالمه وعناصره لأنه مرئي، كتغير أجسادنا وملامحنا، وفقدان أشخاص رحلوا عن حياتنا، واختلاف شكل الأماكن التي نتنقل فيما بينها".

أما الجانب الثاني فهو مجازي غير ملموس "يرتبط بمشاعرنا وأحاسيسنا، يمكننا وصفه أحيانًا، وأحيانًا أخرى يكون عميقًا صعب التعريف، وفرديًّا جدًّا بحيث يكاد يستحيل التعبير عنه بالكلمات، لا لأننا نفتقر إليها، بل لأن الاتفاق عليها مع الآخرين غالبًا ما يكون ضربًا من المستحيل" بحسب دمشقية.

وترى الفنانة التي درست الفنون الجميلة بالجامعة الأردنية أنَّ مجموعة تجاربنا الفردية السابقة وسماتنا الشخصية ومعتقداتنا وآراءنا جميعها "تشكل مزيجًا متفردًا يفرز ردود فعل تختلف تمامًا من شخص لآخر".

وتؤكد أنَّ الإنسان يجد نفسه بين الحيّزَيْن الملموس والمجازي "عالقًا في حالة من الفوضى.. في الـ(ما بين)، يحاول الإجابة عن الأسئلة التي تراوده، وفهم التغيير والتحول الذي يجتاحه، وتعريفه بل والتحكم فيه". موضحةً: "أحيانًا، ننجح في التحكم بمسار بعض التجارب وتغييره، وأحياناً أخرى، ننزلق في متاهات ساحقة ونائية، يختلط فيها الواقع بالخيال، لنجد أنفسنا في حالة من الهذيان.. لذلك يحاول هذا المعرض التأمل في حالة الترحال المستمر هذه".

وتتنوع الأعمال المعروضة لتتضمن الطباعة والحفر والطباعة الحجرية، وغيرها من الوسائط الفنية التي تنحو باتجاه التجريب. وتقول الفنانة في هذا السياق: "يقدم كل وسيط مجموعة فريدة من الإمكانيات الفنية، مما يتيح لي استكشاف مجموعة واسعة من التقنيات والقوام والتعبيرات المرئية، والتعامل مع عمليتي الإبداعية بتنوع وتجريب، وهذا يؤدي في النهاية إلى إنشاء مجموعة أعمال ديناميكية وآسرة".

وترى دمشقية أنَّ التفاعل بين هذه التخصصات الفنية المتنوعة أمرٌ بالغ الأهمية، لا سيما في عصر التقدم التكنولوجي، حيث فتحت ثورة التقنيات آفاقًا جديدة للتعبير الفني.

وإذا كانت دمشقية تؤمن أنَّ الأساليب التقليدية مثل الطباعة والحفر والطباعة الحجرية تحظى بمكان مميز وقيمة عالية في عالم الفن؛ لأنها "تضفي عنصرًا ملموسًا إلى العملية الإبداعية، وهذا قد لا يلتقطه الفن الرقمي بالكامل"، فإنها ترى أنَّ دمج تلك الأساليب بهذا الفن يمكنه سد الفجوة بين الماضي والحاضر، وتعزيز الحوار بين التقنيات الفنية الكلاسيكية والحديثة.

وتؤكد أنَّ هذا التفاعل لا يضيف عمقًا إلى إبداعاتها فحسب، بل يحفز أيضًا على تقدير التراث الغني للفن، وأوضحت أنَّ هذا المزيج من العناصر التقليدية والمعاصرة يمنح لفنها بعدًا فريدًا وجذابًا لفنّها، ويتردد صداه مع الجمهور "الذي يقدّر أهمية اندماج القديم والجديد في عالم يفتقر للفن الخلّاق".

وحول ارتباط أعمالها بعلم النفس والفلسفة تقول دمشقية: "يكمن الرابط بين فنَّي وبين علم النفس والفلسفة في استكشاف الفضاء بين المساحات. لقد أثار هذا المفهوم اهتمام البشرية عبر التاريخ، وألهم تأملات دينية وفلسفية عميقة، وتحقيقات علمية، وتعبيرات فنية. وتجسد حالةُ البينية التي يمثلها هذا المفهوم الطبيعةَ المتعدّية للمادة وللكون الذي يتميز بالتحول المستمر وعدم الثبات".

وفيما تقدمه من أعمال فنية، تهدف دمشقية إلى الخوض في هذه الموضوعات العميقة وسواها، على أمل الكشف عن حقائق أعمق حول طبيعة المكان والزمان والوجود. ويعرض معرضها "ما بين الثنايا" أعمالًا تصور حالات التدفق والتشابك والفوضى، والتي تم تقديمها جميعًا على أنها مطبوعات أحادية اللون بالأبيض والأسود.

ومن خلال هذه التعبيرات الفنية، تحاول الفنانة نقل رحلتها الشخصية للنمو والشيخوخة، بالإضافة إلى رصد التطور على صوتها الفني. ومن خلال استكشاف "ما بين الثنايا"، تتعمق ليلى دمشقية في تعقيدات الوعي والروابط التي تجمع البشر معًا، مؤكدة أنَّ هذا التوجه يسمح لها بالتفكير في "اتساع الكون ومكاننا فيه"، مما يثير تساؤلات حول طبيعة الواقع وتصوراتنا للعالم..

وهكذا، يصبح الفن بحسب دمشقية، وسيلة تمكّنها من الانخراط في هذه الاستفسارات الفلسفية والنفسية، مما يمنح المتلقي لمحة عن "الترابط بين الحياة والحالة المستمرة للتحول والتدفق الذي يحيط بنا". كما يمكّنها كل ذلك من إنشاء أعمال لا تعكس رحلتها الشخصية فقط، بل أصداءها أيضًا واشتباكها مع "موضوعات وجودية ميتافيزيقية أوسع، من خلال الخوض في جوهر الوجود ومحاولة استكشافه".

وحول أعمالها الفنية المعروضة حاليًّا، توضح دمشقية أنها قامت بتصميمها لتشجيع الدراسة والتحليل، ودعوة المتلقّين إلى تفكيك تعريفاتهم الخاصة للجوانب الأساسية للواقع: المكان، والوقت، والإدراك، والانتقال. وأوضحت أنَّ هناك بعض الأسئلة التي تود طرحها على الجمهور عند استعراض هذه الأعمال، وهي: ما الأفكار التي تتبادر إلى الذهن؟ ما تفسير تفاعل العناصر داخل القطع؟ هل تستحضر تأملات في الطبيعة العابرة للوجود أو حالة المادة المتغيرة باستمرار؟ ما جوانب الفن التي تلفت الانتباه؟، وَدَعَتِ الجمهور بذلك إلى استكشاف الألغاز العميقة التي تحيط بنا في الكون الشاسع والمتغير باستمرار.

وتشير دمشقية إلى أثر عملها في مجال التوعية المجتمعية على تجربتها بقولها: "كان العمل مع المجتمع تجربة تحويلية، حيث عمّق اتصالي ليس فقط بالعالم من حولي ولكن أيضًا مع نفسي، وأتاح لي التواصل مع أشخاص من خلفيات مختلفة لفهم نقاط الضعف التي نمتلكها جميعًا كبشر، وتعزيز فهمي لكيفية ترابط تجاربنا. لقد مكّنني هذا الفهم من أن أكون أكثر تجريبية في عملي، حيث أتعلم باستمرار من الآخرين حول كيفية إدراكهم للعالم من خلال وجهات نظرهم وخبراتهم الفريدة".

وحول مشروع "العلبة" الذي أسسته مع التشكيلية رند عبد النور، تؤكد الفنانة ليلى دمشقية أنَّ الغرض الأساسي منه هو "إعادة الفن إلى الناس". وتضيف: "لقد أثبت الفن بجميع أشكاله مرارًا وتكرارًا أنَّه أداة مهمة للتعامل مع العالم من حولنا وفهمه، فضلاً عن تعزيز التواصل والصلات المجتمعية ليصبح بمثابة حافز قوي للتنمية الثقافية".

وتضمّن المشروع مجموعة أدوات فنية بسيطة وقابلة للتكيف بدرجة عالية يمكن نظريًّا التقاطها واستخدامها من قِبَل أي شخص، بصرف النظر عن خبرته السابقة بالفن. وكوّنت هذه الأدوات منصةَ انطلاقٍ لسلسلة من ورش العمل لمساعدة المجتمعات على كسر أيّ حواجز تقف بينها وبين التعبير الإبداعي عن الذات.

وحول عملها مع الأجيال الشابة وتمكين الشباب من خلال برامج تدريبية وورش عمل فنية، تقول دمشقية إن إحدى الفوائد الرئيسة لهذه التجربة هي: "التأثير الإيجابي على التطور الشخصي للمشاركين، فقد سمح لهم الانخراط في الأنشطة الفنية بالتعبير عن أنفسهم، وتعزيز الثقة بالنفس والوعي الذاتي. كما وفَّرت لهم هذه التجربة مساحة آمنة لاستكشاف مشاعرهم وأفكارهم، وتشجيع الشعور بالانتماء والاندماج داخل المجتمع".

وتوضِّح في سياق متصل: "أثبتت تجربتي أنَّ الاستثمار في المساعي الإبداعية والفنية ليس مفيدًا على المستوى الفردي فحسب، بل له أيضًا آثار إيجابية بعيدة المدى على المجتمع بأكمله، لذلك أؤمن أنَّ رعاية الإبداع وتوفير الفرص للتعبير الفني أمر حيوي لبناء مجتمع مزدهر وشامل".