No Image
رأي عُمان

حتى تستقر ضفاف الخليج

17 يناير 2022
17 يناير 2022

عادت الأحداث أمس في منطقة الخليج العربي إلى التأزم والتوتر مرة أخرى بعد أن ساد الكثير من التفاؤل بذهابها إلى الهدوء بحلحلة القضايا التي تعيد التوتر إلى الواجهة. فقد كشفت الكثير من التصريحات أن قضية الغرب مع إيران في طريقها إلى اتفاق تاريخي جديد يأتي على أنقاض الاتفاق السابق الذي يعود إلى عام 2015 والذي تسبب الرئيس الأمريكي ترامب في تشظيه وبعثرته ولو من طرف واحد، ولكنه طرف فاعل، وأعاد القلق إلى المنطقة مرة أخرى ما حدا الدول الأوروبية إلى بدء مفاوضات جديدة مع إيران بشروط مختلفة. وكان دافع الدول الأوروبية معرفتها بأهمية وجود إيران ضمن المنظومة الدولية لاعبا فاعلا ومشاركا في مسيرة التقدم الإنساني.

كذلك كان يسود تفاؤل منذ بدء العام الماضي أن الحرب اليمنية قد وصلت إلى مرحلة يبحث فيها الجميع عن نهاية منصفة، ودعم هذا التفاؤل توافق دولي خاصة منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، إلا أن الأحداث التي وقعت أمس في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تبنّى فيها أنصار الله «الحوثي» تنفيذ تفجيرات بطائرات مسيرة في أبوظبي أعادت الأحداث إلى لحظة التأزم. ورغم مشاركة دولة الإمارات مع التحالف العربي إلا أنها بقيت في منأى تام عن صواريخ ومسيرات أنصار الله «الحوثي» طوال السنوات الماضية. وهذا التأزم الذي صاحب أحداث أمس يؤثر كثيرا على كل الملفات المشتعلة في المنطقة سواء تلك التي لها علاقة بإيران أو لها علاقة بلاعبين آخرين تقليديين أو جدد في المنطقة التي يتشكل فيها وحولها مراكز قوى جديدة.

هذا الحادث الذي تعرضت له دولة الإمارات العربية المتحدة وتضامنت معه جميع الدول الخليجية يدعو الجميع إلى العمل بقواعد مختلفة مع قضايا المنطقة ومحاولة تصفير الخلافات المشتعلة على ضفاف الخليج العربي بكل الطرق؛ لأنها تنعكس سلبا على استقرار المنطقة وحركتها التنموية الذاهبة إلى بناء جديد يقوم على الاستثمار الحقيقي وليس الاقتصاد الريعي القائم على أرباح النفط. لكن هذا النوع من الاقتصاد لا يمكن أن ينشأ في منطقة متوترة أو أن ينشأ فوق مدن رملية قابلة للتشظي.

بهذا المعنى فإن دول الخليجي العربي معنية اليوم بشكل أساسي أن تساهم بكل قوتها السياسية والدبلوماسية لإيصال الملف النووي الإيراني إلى حل دولي عادل لجميع الأطراف.. وكذلك وقف الحرب في اليمن على أن لا يكون اليمن الخاسر الوحيد فيها ولذلك لا بد أن يتبع وقف الحرب حركة إعمار حقيقي له تصنع له توازنه وتخرجه من المجاعة التي يعيشها الآن. وفي الحقيقة فإن هذين الملفين لم يعودا شغل الدول المطلة على الخليج وحدها ولكن بات قضية تهم لاعبين جدد في المنطقة. وقد دعت روسيا الأسبوع الماضي لعقد مؤتمر عربي إيراني تصل فيه الأطراف إلى تجاوز ميراث السنوات الماضية من الشك واللايقين.

وإذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة بمقدراتها قادرة على تجاوز آثار الهجوم الذي وقع عليها أمس إلا أن بعده الرمزي لا يجب أن يمر مرورا عابرا دون أن يعاد التفكير في طريقة التعامل مع كل الملفات المفتوحة في المنطقة والمؤثرة على ضفاف الخليج «واهب اللؤلؤ والمحار...» كما يقول الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدته الشهيرة. فلا يمكن لحركة التنمية أن تعيش في جو يسوده القلق والتوتر والترقب.