خالد سعود الزيد (1937- 2001)
خالد سعود الزيد (1937- 2001)
ثقافة

كتاب "عُمانيات" للمؤرخ الأديب خالد سعود الزيد.. ما أجملَ التاريخ حين يكتبهُ شاعر!

21 سبتمبر 2021
كتابات عُمانية مبكرة بأقلام خليجية (42)
21 سبتمبر 2021

- خالد سعود الزيد:

- فديتكِ يا عُمان وإن ودّي

لعمرُكِ لم يكن أبدًا لصيقا

فلستُ سوى قَديمكِ حين يَروي

زفيرًا جئتُ أرْسِلهُ شهيقا

مشيتُ على رمالكِ وهي أهدى

بمَ أهدَى ومَنْ ضلَّ الطريقا

سلي هذا الترابَ ترى رشاشًا

من العَلَق القديم وقد أريقا

أطوف ُعلى رياضك عابقاتٍ

بعطرِ المجدِ تاريخًا عريقا

- "عُمان نَشأتْ بين ريفٍ عربي صِرفْ، وساحلٍ يَجْمَعُ خليطًا من تُجَّارٍ عربٍ وبحَّارة، وظلت للأزد مؤئلًا، وظلَّ اسم الأزد لصيقًا بجنْبها لا يجانبُها، ولا يبتعدُ عنها ".

- "عبقريةُ المكان العُماني تتجلّى في موقعها على ساحلٍ عريضِ المنكبين، رحبَ اليدين، خَلقَ منها أمةً بحرية يسافرُ أهلها إلى أفريقيا وفارس والهند والصين".

************

- قلَّد خالد الزيد عُمان قلادتين شعريتين غاليتي الثمن، وأهداها خمسَ دراساتٍ تاريخيةٍ مهمة.. ويردد بفخر مقولة الفرزدق: "شعراءُ الإسلام أربعة؛ أنا وجرير والأخطل وكعب الأشقري".

************

- الإهداء: (إلى أستاذنا الدكتور عادل عبد المغني.. كم في زوايا مكتبتك من نفائس وذخائر).

قبل قرابة ثلاثٍ وثلاثين سنة قابلتُ الأستاذَ المؤرخَ الأديب الشاعر المعروف خالد سعود الزيد في الكويت وبالتحديد في فندق "الريجنسي" بتاريخ 19 أبريل من عام 1989م؛ إذ جاءني في تواضعٍ جمٍّ بعد اتصالٍ به، كنتُ وقتها مشتغلاً بالبحث عن فكرِ وإنتاج الأديبِ عبدالله الطائي، ومهتما بجمعِ أدبه وآثاره ومتتبعاً لمسَاراتِ حياته وخُطَى حراكه في الدول التي عاش فيها ومنها الكويت التي قضى فيها قرابة عشر سنوات من عمره؛ تركَ فيها أثرًا ثقافيًّا، وعرَّف بأدب وطنه العُماني في حقبة فارقة لم يكن فيها صوتُ عُمانَ الثقافي بارزًا، ويكاد يكون –من وجهة نظرنا- الأديب العُماني الوحيد المعروف والذائع صيتهُ في الديار الكويتية آنذاك، وليس أبلغُ من احتفاءِ رابطة أدباء الكويت به إبان رحيله من تخصيص أمسيةٍ لوداعه شاركَ فيها أقطاب الخطاب الثقافي في الكويت آنذاك، وألقيت فيها قصائد وكلمات وداعية، وقد نشرت مجلة "البيان" لسان حال الرابطة تفاصيل هذه الأمسية وبرنامجها الحافل.

في ذلك اللقاءِ التاريخيّ الذي جمعني بالأستاذ خالد سعود الزيد ازددّتُ معرفة به وبما كنتُ أبحثُ عنه (أدب الطائي)، فالرجلُ أعْرَفُ به مني، زد على ذلك فهو موسوعيُّ الثقافة عميقُ الإدراك محيطٌ بأهل الخليج وأدبهم ورجالاتهم وبجغرافية المكان وثقافته، وقد ألَّفَ في ذلك كتبًا أشهرها كتابه التاريخي "أدباء الكويت في قرنين".

استفدتُ من الأستاذ خالد الزيد الرَّجل المثقف الأديب الألمعي المؤرخ بمثل ما استفدتُ من أقرانه في ذلك اللقاء العلميِّ، وأذكرُ منهم المؤرخ الكبير الأستاذ عبد الرزاق البصير -رحمه الله- الذي قابلته في رابطة الأدباء، والشاعر القومي الكبير الأستاذ أحمد السَّقاف وكذلك الرجل الجليل والشاعر الجميل رجلَ المروءات والكرم أستاذنا الأديب خليفة الوقيان، ومن صديقه الأستاذ عبدالله خلف، ومن الأستاذ عبدالله السبتي، والدكتور الصديق الناقد سالم عباس خداده، ومن كلّ الذين قابلتهم في تلك الفترة المبكرة.

أمَّا الأستاذ خالد سعود الزيد فصلتي الثقافية به أقدمَ عن زمن لقائي به، فما زلتُ أتذكر شيئًا ممَّا قرأته له وحفظته وبالذات مما ورد في مبحثه "تجربتي الشعرية" التي ضمَّها ديوانه "صلوات في معبد مهجور" ص 5 قائلاً: "أطلقتُ لقلمي العنان فجرى كما شاء له الطبع أن يجري، رسولاً إليكم من أعماقي مصوّرًا لكم ذاتي عُمقًا وارتفاعًا، ظلمةً وإشراقًا، فها هي ذاتي تُعْرِبُ لكم عن ذاتي دون أن يتدخل فارض من فوق، أو أن يتسرب ساربٌ من أي جانب، نزولا عند رغبتكم، واستجابة لطلبكم..".

واليوم حين اكتشفُ أنَّ الأستاذَ خالد مهتمٌ أصلًا بتاريخ عُمان وحضارتها وكاتبٌ عن أدبائها ومؤرخيها، لم تتمالك نفسي البحث عمّا كتب.. فقلمه عادة سيّالٌ وفكره متقدٌ، ولسان حاله الشعر وعذب الكلام..

لم أكن أتوقع أن للزيد كتابًا خاصًّا بعنوان "عُمانيات" وأنه صدر قبل عشرين عامًا، فقد فاجأني الأستاذ المثقف الصديق الدكتور عادل عبد المغني به وأرسله لي عبر الأثير في نسخة الكترونية منه، فوجدت فيه ما يلبّي شغفي للكتابة عنه خاصة أن كتاباته هذه تعدّ من بواكير الكتابة عن عُمان في مؤلف مستقل فقلَّما أجدُ كتابًا مستقلا ألّفَ أو حُرِّر من قبل مثقف كويتي عن عُمان، عدا كتاب "فوزية السِدّاني حول المرأة العُمانية، وفصول ومباحث وردت في كتاب الدكتورة نورية الرومي "الحركة الشعرية في الخليج بين التقليد والتطوير"، و"شعراء كويتيون وخليجيون في الذاكرة"، وكذلك كتاب "أدب المرأة في الجزيرة والخليج" للأستاذة ليلى محمد صالح، وقد عرَّفت فيه بثلاث عشرة شخصية نسائية عُمانية من بينهن ثلاث شاعرات هن: سعيدة بنت خاطر الفارسية، وعائشة بنت عيسى الحارثية، وتركية البوسعيدية، إضافة إلى مقالاتٍ متناثرة في الصحافة وقصائد شعر تحملُ بين الفينة والأخرى ذكرًا حسنًا لعُمان التاريخية والحضارية وتكاد لا يجمعها ديوان، وقد ساعَدَتْ العلاقات السياسية ومنظومة مجلس التعاون في بثها عبر وسائل البث الثقافي عبر منظومة أيديولوجية سياسية وهتافات غنائية هدفها ترسيخ العلاقات وشحذ هِمم العمل المشترك لا غير.

كتابُ "عُمانيات" للأستاذ خالد سعود الزيد.. ربما آخر نفثات قلمه البحثي، وآخر إصداراته"

عكفتُ على قراءةِ كتابِ "عُمانيات"، وسَرَّني ما به من مُحتوى أدبيٍّ تاريخيٍّ عام، فهو من محصلةٍ ثقافيةٍ لمجمل مشاركات مؤلفه الثقافية في عُمان وبالذات تلك التي قدّمها له المنتدى الأدبي فحضر أولها بتاريخ 3 من أبريل 1989، وقد أهداه "إلى أوَّلِ وافدٍ بالإسلام إلى عُمان من أهل عُمان: مازن بن غضوبة".

ويتكون من شقّين شقٌ للشعر وما قاله في عُمان، وشقٌ آخر للنثر والأبحاث وما أنجزه عنها من دراسات، فالشق الأولُ تتصدره قصيدتان كتبهما عن السلطنة هما "النزوية" و "عُمان" وقد أهدى الأولى إلى (المنتدى الأدبي) وخصّه بها، وتقع في سبعة عشر بيتًا من البحر (الوافر) من بينها:

فديتُكِ يا عُمانَ وإن ودّي

لعمرُكِ لم يَكُنْ شيئًا لصيقا

يقيّدني هَواكِ وكنتُ قبلاً

أراني في الهوى طفلاً طليقا

كفاني بعضُ ما تُبدين ودٌّ

يحاصرني ولستُ له مُطيقا

لكمْ عانقتُ فيكِ هوىً قديماً

يُصَافحُ قائماً أصفى بريقا

أمَّا الثانية فهي من وحي مدينة "نزوى"عاصمة التاريخ والثقافة، وتتكون من سبعة عشر بيتًا، قد استوحى فيها معالم المكان كما قرأه ورآه، وقد نظمها يوم الثلاثاء 25 أكتوبر 1983 وضَمَّها ديوانه "كلمات من الألواح "، وهي من البحر (الكامل) وفيها يقول:

نزوى أيا أرضُ البطو

لاتِ القديمةِ إذ تَبَدَّى

هل تعفين مشرَّدًا

قطع الفلا صدرًا وَوردا؟

قَدْ جاءَ لمَّا لم يجد

مأوى سِواكِ أتاكِ فردا

أنا يا عُمان ابنُ الجزيرة

والخليج أبًا وجِدَّا

إني أنا الصَّلتُ بنَ مالك

والعظيمُ ابن الجلندى

والمَاضياتُ القائماتُ

وما يكنُّ القلبُ وَجْدا

ضمّي فتاكِ فلستُ غيرَ

العاشِقِ المَشدودِ شدَّا

الكتابُ يقعُ في اثنين وتسعين صفحة، وصدر عن عام 2001 م، وهو العام الذي توفيَ فيه مؤلفه الذي ما فتئت كتب التراجم تقدّمُه كواحدٍ من أبرز مثقفي الكويت ومؤرخيها الطليعيين في القرن العشرين؛ فهو من مواليد عام 1937م، ونالَ أوسمتها وجوائزها التقديرية.. كيف لا؟ وهو الذي ألفَ عنها كتبًا عديدة بلغت أربعةً وعشرين كتابًا؛ أبرزها "أدباء الكويت في قرنين بأجزائه الثلاثة، و"الكويت في دليل الخليج، و"سير وتراجم خليجية في المجلات الكويتية"، و"أدب الرحلات في المجلات الكويتية"، و"مسرحيات يتيمة في المجلات الكويتية"، وله دواوين أهمها "صلوات في معبد مهجور، وكلمات من الألواح، و"صلوات من كاظمة"، وكلُّها أعمالٌ أدبية وشعرية وتاريخية ثقافية ذات جودة وإتقان وأهمية تأصيلية في وقتها، وقد أفادت باحثين كُثر، وقامت عليها أطروحات أكاديمية شتى، فَعُرفَ بها كاتبًا ومؤلفًا مُعتبرًا.

أمّا كتابه "عُمانيات" -وهو الذي يعنينا في هذه الحلقة- فيحتوي أبحاثًا ثلاثة هي "الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، ونور الدين السَّالمي، وكعب بن معدان الأشقري، وقد شارك بها –كما يبدو- في الفعاليات التي كان يقيمها المنتدى الأدبي إبان أوجَ نشاطه في أوائل تسعينات القرن العشرين، وما كان يُحْشدُ فيه من مفكرين وعُلماء من مختلف الأقطار العربية.

البحث الأول: شاعر عُمان في العصر الأموي

"كعب بن معدان الأشقري" يقدمّه الكاتبُ كونه بحثًا عن شاعرٍ عُماني القديم في العصر الأموي وقد نشر أصله في دورية المنتدى الأدبي "فعاليات ومناشط" الصادرة: في يونيو 1990، ص 35، وأعاد نشره في هذا الكتاب مستفتحًا إياه بمقولة الفرزدق الشهيرة: "شعراءُ الإسلام أربعة: أنا وجرير والأخطل وكعب الأشقري".

وبدأه بتمهيدٍ قرأ فيه العراقة الحضارية لعُمان وتجذّرها في تربة التاريخ ملفتًا النظر إلى أن "التاريخ لا يحدثُنا عن تاريخ عُمان القديم إلا نزرًا يسيرًا، ثم يركز على قبيلة الأزد باعتبار نسبتهم إليها، ومتى حلّت بأرضِ عُمان مشيرًا إلى أبعاد الهجرات الحضارية الأخرى التي وطأت أرض عُمان واستقرت بها، ومتطرقًا إلى أسواق عُمان الأدبية في الجاهلية.. كلُّ ذلك يتناوله الباحث من مصادر التاريخ العربي الأصول والعُمَدْ ومتونه شأنه ابن سلام في "الطبقات"، والجاحظ في "الحيوان" و"البيان والتبيين" والأصفهاني في "الأغاني" وابن منظور في معجمه.

وعبر هذه المداخلة يلجُ الباحث إلى شاعره كعب بن معدان مشيرًا إلى أنه "فارسٌ، وكان خطيبًا، وكان شاعرًا صفاته سجّلها له الأقدمون.." وأن مركزية شعره تتموضعُ في غرض الهجاء "ولا عجبَ أن يهجو ويُهْجى، فيجلبُ لأهله سبابَ شعراءِ القبائل الأخرى فلقد هجاهم وأوجعهم وسقاهم كأسًا نَبْرأ من الله منها كما بَروا هم من سبّه وهجائه".

ولا يعدم بحث الأستاذ خالد سعود الزيد من انتقاءِ أجود ما قاله كعب بن معدان ويركز (ص 15) على قصيدته الشهيرة التي خاطب فيها الخليفة عمر بن عبد العزيز:

إن كنتَ تحفظُ ما يليك فإنما

عمَّالُ أرضُكَ بالبلادِ ذئابُ

لن يستجيبوا للذي تدعوا له

حتى تجلدَ بالسيوف رقابُ

بأكفِ منصلتين أهل بصائرٍ

في وقعهَّن مزاجرٌ وعقابُ

وفي سياق قراءته للأشقري يعرجُ الباحث الزيد إلى مساقات الحضارة العمانية المتصلة بشاعره، فيستنبط من متون الكتب ومؤلفاتها ومصادرها ما يعزز مكانة عُمان ذاكرًا دور أهلها في الفتوحات الإسلامية ومفضيًا بخطبائها المشهورين كصعصعة بن صومحان وصَحار بن عياش ومصقلة بن رقبة.

يحتفي الباحثُ -إذن- في صدارة بحثه عن الأشقري بعُمان التاريخية كما وجدها في صفحات التاريخ، ويقول عنها (ص 12): "إن عُمان نشأتْ بين ريفٍ عربيٍّ صرفْ، وساحلٍ يجمعُ خليطًا من تُجَّار عرب وبحَّارة، ومن أخلاطٍ ومن عابرين حرصت على أن تبقى بعيدة عن الصراع الذي يلفُّ قبائل الجزيرة العربية فنشأت فيها ممالك.. " وأضاف: "لقد عمَّنت وأقامت بعُمان قبائل عربية قبل أن يشهدها التاريخ المكتوب، ورحلت عنها قبائل عربية تسعى في أرض الله الواسعة كالفينيقيين الذين أسسوا خارج عُمان دولاً، وأنشأوا مدنًا تحمل أسماء مدنهم العمانية، ولك ظل اسم الأزد لصيقًا بجنبها لا يتجانبها ولا يبتعد عنها وطلت عُمان للأزد موئلا وأبًا وأمًا"

وفي مقامٍ آخر يصفُ موقع عُمان بلغةٍ أدبيةٍ راقيةٍ، ويلتفتُ إلى تأثيرات اللغة وموقف الآخر منها فيقوله: إن موقع عُمان على ساحل عريض المنكبين، رحب اليدين، خلق منها أمة بحرية يسافر أهلها إلى إفريقيا وفارس والهند والصين ولربما أنشأت المستعمرات لها في بعضَ هذه البلاد إذا نشط حاكمٌ فيها، وطمح به البصر؛ لذا لغتها موضع اتهام ومظنة شك من العرب الحجازيين الذين نزل القرآن الكريم بلسانهم، ففاز لسانهم بالفخار والانتشار" .

البحث الثاني: الإمام ناصر بن مرشد اليعربي (1624 - 1649)

والبحثُ الثاني في كتاب "عُمانيات" مختصٌّ بسيرة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، وبيان سياسته في الحكم والإدارة، وقد خطّه بلغة أدبية، مفعمة بخصائص الخيال وجزالة اللفظة وانسيابيتها، وقد بدأها بقوله "ص 41": "كما تشقق ظلل الغمام في ليل حالك لتتنزل الرحمة فتقيم ميزان العدل بعد اضطرابه على الأرض المنهكة لتهب مستبشرة فرحة، كذلك استقبلت الأمة وهي فرحة نشوى نبأ الشيخ الجليل لعُمان، إمامًا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يصون البلاد لا يبددها.. يجمع شمل الأمة بعد تمزقها يوحدها، يرسى قواعدها الإمامة بعد اندراسها يجددها إمام عدل، ورسول عناية، ناصرًا ومرشدًا وأبًا وأمًا من خيرة ما أنجبت الأمة في عصورها المتأخرة من رجال أمناء.. لقد سجى الليل ومشى الجهل مُعَسْعِسًا في ربوع الأمة العربية ويسومها خسفًا ويزويها في الوراء".. ولكن في عُمان في عهد هذا الإمام الصورة معاكسة إطلاقا".

البحث الثالث: نورالدين عبدالله بن حميد السّالمي (1867-1914)

أمّا البحث الثالث فَمتعلقُّ جملة وتفصيلًا بشخصية المؤرخ الفقيه الإمام السّالمي واسمه دون إضافة، ويبدو أنه قدّم في الندوة التي أقامها المنتدى الأدبي عنه، وقد تتبع فيه الأستاذ خالد الأدوار السياسية التي قام بها نور الدين السَّالمي ودوره في إحياء الإمامة ملفتًا النظر إلى تاريخها ومرجعياتها في القطر العُماني عبر المذهب العقدي الإباضي، وكاشفًا الغطاء عن دوره في صناعة تاريخ عمان السياسي وإرساء دعائم الديمقراطية الحديثة في الحكم والممارسة، ولم يفته تتبع حياة النور السالمي وشمائله وخلاله، وما اتصف بها من صفات خلقية وخلقيته وعبقريته في التأليف والمعرفة وصولًا إلى سرد وإحصاء مؤلفاته التي فاقت العشرة مصادر، ومنتهيًا إلى قصة وفاته ليلة الخامس من ربيع الأول من سنة 1332 هـ اتساقًا مع روته المصادر العمانية التي استفاد منها ولخّص مادته وقدمها بأسلوب واضح معجب.

إن هذه الأبحاث تبين عن إعجاب الأستاذ خالد الزيد بعُمان وبثقافتها، وقد كتب عنها عن حب واقتناع، فقد قرأ لأدبائها ونخل مصادر ثقافتها نخلًا فعرف منها الشعراء والخطباء والفقهاء والأئمة، وأشار إليها ووقف عندها وتدبر لغتها وما جاء فيها من مضامين، وانتهى إلى أقول ص 17 أن "من يطالع رسائل وسير أئمة عمان في العصور الزاهية ير لغة عالية النسيج، ويقرأ بيانًا فصيحًا ودَّ لو يحاكيه، غير معجون بلين، ولا متهمٌ بوهن، ومن يقرأ أخبارهم والحوار الذي كان يدور بين علمائهم وعامتهم أو أئمتهم فإنه يقرأ أخبارًا ناصعة البيان تتلألأ جمالًا وحُسنًا؛ لسهولة مآتيها ونعومة مناحيها، مع جزالة في اللفظ، وبعدٌ عن الوحشي والمرذول".

"سير وتراجم خليجية في المجلات الكويتية".. ما أروع التاريخ إن كتبه أديبٌ شاعر!

وهو كتابٌ صدر عن شركة الربيعان، عام 1983، جمع فيه سير وتراجم أنماطًا "من الرجال لا يجمعهم تخصص معين، فمنهم التاجر والأمير ومنهم المصلح ومنهم المؤرخ ومنهم الأديب ومنهم البحَّار.. لقد جمعوا في هذا المجموع أو تجمعوا ليكونوا وجهًا يطل من قديم هذه المنطقة العربية وليعطوا صورة من صور حضارة الإنسان العربي في هذا الخليج العربي" (7).

وفيما يخصّ عُمان فيه مبحثين الأول: نشرَهُ في هذا الكتاب ص 110 في اثنتي عشرة صفحة، وأصله نشر في مجلة "البيان" العدد الرابع عشر، مايو 1967، وهو عن الأديب عبدالله العلي الصَّانع (1902–1954) الذي تناولناه في حلقة سابقة من كتاباتنا العُمانية المبكرة)، الذي عاش في عُمان التاريخية، وقدّم أدبا فيها تناوله الأستاذ خالد الزيد بالتفصيل وبسطه بسطًا لا يحتاجُ منَّا إلى إضافة، كما تناول مسارات حياته في إمارات الساحل وتردده عليها وعلى وطنه الكويت حاملا أخبارها إلى مجالس النُّخبة في الكويت "فكانت عُمان حديثه في كلِّ مجلس يؤمه، وكانت عُمان موضوعًا لشعره، وكما يقول الزيد ص 110 "ما كُتِبَ مقالًا بالأدب والتاريخ إلا ولعُمان وساحله حظٌّ منه"؛ لخبرته بها ومعرفته بأهلها وتفاصيل حياة الناس فيها، حتى انه اسمه اقترن لدى الكويتيين باسمها، فالزيد يقول عنه ص 110 "إذا ذكرت عُمان، وذكر الساحل الأخضر فيها، حيث مرابع الأعراب من الأزد، تبادر إلى الذهن سريعًا اسم المرحوم الشاعر الأديب عبدالله الصانع، حيث قضى في تلك البلاد الطيبة شطر الصِّبا والشباب من حياته، متعرفًا على معالم تلك المنطقة، متنقلا بين الحين والآخر مارًّا ومقيمًا بإمارات الساحل كلّها..".

أمّا المبحثُ الثاني، فهو عن الأديب العُماني عبدالله الطائي (1924 -1973) ويتكون من أربعة عشر صفحة، وأصلُه مقالٌ نشره في مجلة "البيان" الكويتية لسان حال الرابطة العدد التسعون لسنة 1973، وقد افتتحه بمقدمة أدبية نصَّ فيها ص 140 بالقول: "ما أروعه ساقيًّا يدور بكأسه على العطشى، منسابًا نحو قلوبهم، يتجول فيها ليذود عنها سكينة الرهبة من السلطة الجائرة، لقد عاش عبدالله الطائي مشردًا في أرض الله، يقطعها نجيَّ روحٍ قلقة، متلاحمًا مع ثورة الفكر في هذا الخليج العربي، متعانقًا مع فجره الزاحف إلى قاع النفوس المضطربة المسحوقة..".

ثم تناولَ ملامح سيرته وطرفًا من حياته، ونضاله ومهاجره وفكره القومي المتقد وشعره السياسي الملتهب، ويختارُ طيفًا بارقًا من أشعاره ممثلا في أبيات من قصائده الملتهبة "من مراحل الطريق" نزوى و "قبيل الرحيل"، وعرج على إنتاجه الأدبي الذي كتبه وأبدعه في الكويت، ووقف مليًّا عند ديوانه "الفجر الزاحف" وروايته "ملائكة الجبل الأخضر" وبعض من مقالاته، وختم دراسته بذكر تكريم رابطة الأدباء له وتوديعه وما دار في ذلك التوديع الجميل من كلمات نص الزيد على بعضها من مثل كلمة المؤرخ عبدالرزاق البصير وقصيدة الشاعر إبراهيم الحضراني وقصيدة الطائي نفسه التي ودع فيها رفاقه في الكويت، ويبدو أن الزيد لم يشارك في ذلك التوديع لظرف سفر ألم به وهو الحريص على وجوده فيه، فسجل له كلمة بل كتب له الطائي رسالة جاء فيها "كم تمنيت لو كنت مع الأخوة في الرابطة وهم يحتفون بأخيك، ولئن كان في سفرك حائلا دون هذه الأمنية فإني أرجو ألا تقطع رسائلك عني" فرد عليه الزيد بهذا المقال بعد سنوات، وقد توفي فجاء تأبينا له ومما جاء فيه ص 154 "وها أنا يا أخي عبدالله ألبّي النداء، وأبعث إليك وأنت في عليين إن شاء الله برسالتي هذه سائلاً المولى أن يتغمدك برحمته، وأن يُلهم ذويكَ الصبرَ والسُّلوان".

وتعدّ دراسة الأستاذ خالد عن الطائي من أوائل الدراسات الموسعة عن حياته، وفيها إضافة توثيقية مهمة، فهو أول من أشار إلى مولده وحدد بعام 1924 خلافاً لما ذُكر بعده، وقد أحسن انتقاء شعره فقدم منه أروع ما قاله، وهو أول من وثق احتفاء الرابطة به وما ألقي فيها من كلمات وقصائد مشاركًا ومستدركًا لما فاته منها.

لم تكن كتابة الزيد إلا مسحة أدبية تناولت أدق التفاصيل في حياة الطائي وفكره وخاصة مرحلته التي عاش فيها بالكويت، واتسمت كتابته باللغة الشعرية المحملة بوهج الكلمة الشعرية النقية، فانظر معي حين يصفه بالقول: "لقد ظلت عُمان مطمح كبده الحرَّى، ومناط ثريا أمله، فمنذ غادرها عام 1941 فإنه لم يعد إليها، فظل مشردًا طريدًا بعد أن دفن فيها شبابه وفؤاده، ووأد فيها ذكرياته وصباه.. إنها اللفظ الذي يتردد على لسانه ووجدانه غافيًّا ومستيقظًا، إنها بلاده ومسقط رأسه، وهل أعز لدى الإنسان من شيء من بلاده ومسقط رأسه، لا والذي خلق كلَّ شيء ما شيء لديه أعز منها".

هذا هو الأستاذ المؤرخ الشاعر خالد سعود الزيد في اهتماماته بعُمان وكتاباته المبكرة عنها، ويكادُ من أكثر المثقفين الكويتيين اهتمامًا بها، ولعله كان محملا بحُبٍّ عميقٍ لها ولشعبها وتراثها وحضارتها، وقد أفاض في وصفها شعرًا ونثراً. ويعدُّ كتابه "عُمانيات" دليلاً صادقًا على حرص واهتمام مثقفي الخليج والكويت خاصة بعُمان حضارة وشعبًا وتقديمهم نظرات تاريخية علمية منصفة على أقل تقدير في وقت قلَّت فيه الكتابات العربية عنها في ذلك العهد.