No Image
ثقافة

فيلم "ويل" الصورة النمطية للاحتلال النازي بطريقة سينمائية

03 مارس 2024
03 مارس 2024

- دائرة العنف تجتاح مدينة بلجيكية فتقود إلى التمرّد

- خليط من العمل البوليسي والتجسس تحت خيمة الاحتلال النازي

لا تكاد تنتهي موجة الأفلام التي تحاكم التاريخ من زوايا متعددة، لاسيما ذلك القسم من التاريخ الذي شكل في حد ذاته أزمات إنسانية واجتماعية وكوارث طالت ملايين البشر.

ومن بين هذا النوع الفيلمي تبرز حقبة الغزو النازي لأوروبا وتساقط أهم عواصمها على الإطلاق تحت السطوة الهتلرية وهو ما جسدته السينما العالمية من خلال عشرات الأفلام.

على أن الفئات الأكثر ضعفا وهشاشة من ضحايا أي نوع من الحروب هي الموضوع الذي لا يزال يدفع جمهور المشاهدين إلى المتابعة ويدفع المخرجين وشركات الإنتاج إلى تقديم المزيد من الأفلام التي تنتمي أو تعكس وقائع الحقبة النازية.

في هذا الفيلم للمخرج البلجيكي تيم ميلانتس وهو نفسه كاتب السيناريو مع آخرين، سوف نكون في مواجهة هذا النوع الفيلمي وباختصار تحت عنوان عريض هو الغزو النازي لبلجيكا واستيطانه في مدينة انتويرب عاصمة الإقليم الفلامنكي الحالي.

واقعيا نحن لسنا بصدد معارك ضارية وقصف مدمر وخراب وجراح وآلام بل بصدد إثار السيطرة الألمانية على هذه المدينة ذات الأهمية الاستثنائية من بين المدن الأخرى، هنالك عمليات الثأر الاجتماعية والنفسية والطريقة التي تعاطى بها النازيون مع سكان المدينة الآمنين ومن جهة أخرى استخدام الشرطة المحلية للمدينة لكي يسندوا أعمال الترويع النازية التي طالت بالطبع بعض العائلات اليهودية، فيما طاردت النازية الشيوعيين أينما كانوا.

في وسط هذه الأجواء القاتمة والمشحونة سوف تبرز شخصية ويلفريد أو ويل -يقوم بالدور الممثل جيروين اوليسلايجرز- هذا الشاب اليافع الذي ساقته الأقدار لكي يعمل شرطيا في مدينته انتويرب يجد نفسه هو وزميله لود -يقوم بالدور الممثل ماتيو سيموني- في مواجهة ضابط نازي يسعى للقبض على شيوعيين ويهود وهما الفئتان الأكثر تعرضا للكراهية والبطش النازي، ولهذا فإنه يرغب في استخدام أفراد من الشرطة المحلية لإسناد المهمة، فيختار "ويل" وصديقه "لود" لكن مواجهة تحت أمطار شديدة سوف تقع وتنهي حياة الضابط النازي لتبدأ رحلة خوف لا تنتهي.

هذا المدخل وبناء السرد الفيلمي على فكرة الجريمة وما يتبع ذلك من تحرٍ يحيلنا إلى منطقة أخرى أكثر منطقية وواقعية وتتعلق بالبحث عمن اقترف جريمة قتل الضابط النازي، مما يجعل المدينة برمتها تحت طائلة الاتهام والشك وهو ما سوف يظهر من خلال العديد من المشاهد فضلا عن الغارات الليلية ضد السكان.

وهنا سوف نتوقف عند تحول موازٍ يتعلق بما هو متوارٍ عن الأنظار، مما يقوم به بعض سكان المدينة من مقاومة وهو ما تضطلع به عائلة "لود" في تخفيها داخل محل للقصابة وانضمام "ويل" إليهم وبذلك تبلور الثلاثي "ويل" وصديقه "لود" وشقيقة "لود ايفيت" - تقوم بالدور الممثلة انيلور كروليت- وبعد شكوك تساورها بصدد خيانة "ويل" إلا أنها تتأكد من كونه ضحية هو الآخر فتنشأ بينهما علاقة حب.

أما على الجانب الآخر وهو المتعلق بالنازيين، فقد تسلط على "ويل" ضابط نازي لا يرحم وهو "غريغور" -الممثل ديمتري شاد- وخلال ذلك مارس أدوارا بوليسية بلا رحمة لغرض التوصل إلى قتلة الضابط النازي فضلا عن صراعه النفسي والاجتماعي مع من حوله وليس أصدق على ذلك من مشاهد التعذيب التي لا تطاق والتي سوف يشاهدها "ويل" لكي يتخلى عن مواجهة الألمان ويكشف عن قتلة الضابط النازي وكما ذكرنا بتوجيه بوصلة الفيلم إلى الوشاية بالخلايا المقاومة للألمان ومن بينهم الشيوعيون.

وباتجاه الإغراق في عمليات الكر والفر والتحري وجدنا أن "ويل" قد مثل ركنا مهما في هذه الدراما فهو قد جسد حالة فصامية مريرة، هو مثلا لا يتحدث بصوت عال عن اليهود الملاحقين وما إلى ذلك بل انه يشاهد إعدام الشيوعيين مثلا في موقف مؤثر دراميا جعل ذلك الشاب اليافع في حالة من الشعور بوطأة المأساة مع تصاعد دوامة العنف اليومي والذي كان هو طرفا فيه وخاصة مع المشاهد الأخيرة عندما تكتشف ايفيت أن حبيبها "ويل" ما هو إلا متعاون مع النازيين لكنها تعلم أيضا انه ومعه شقيقها يؤديان عملا قسريا لا إرادة لهما فيه وهما مجبران على مسايرة النازيين في مقابل المضي في الخط الموازي لمقاومتهم.

برع "ويل" في أداء الدور وعبر بعمق عن أزمة ذاتية مؤلمة، فهو بوجهه الطفولي لا يقوم إلا بما يستوجبه الواجب وكذلك مطالبة الوالدين للقيام بعملهما بلا أدنى مشكلات، وها نحن نشاهده في مشهد تم إخراجه بعناية فائقة عندما يصبح وجها لوجه مع الضابط النازي في حفل صاخب، حيث تصمت الأصوات ولا يبقى إلا "ويل" وهو ينتقل إلى حالة المواجهة الأولى مع النازي والتي سوف تتبعها جولات أخرى ما هي إلا عمليات استنطاق وتعذيب نفسي لا تكاد تنتهي.

يذكر الناقد السينمائي في موقع انسايدر أن الإعداد الجيد للأحداث إخراجيا كشف عن ذلك الجزء المظلم والمتوتر من السيطرة النازية والجو الثقيل الذي خلفته جلسات التحقيق التي كرسها الضابط المسؤول للكشف عن قتلة زميله، والذي بدوره يستحضر خيوط نظرة إنسانية تتملك "ويل" وتدفعه إلى التمرد الصامت على الوضع القائم.

ويضيف الناقد المذكور، أنك مع مشاهدة هذا الفيلم، سوف تدخل في تفكير عميق بينما تظل مركزا على الشاشة، وفي نفس الوقت تشعر بغصة في الحلق.

لكن السؤال الذي يطرح، هو ما مدى أهمية تذكر الجانب الهمجي من التاريخ؟

والجواب على ذلك أننا ما لم نفهم شرور الماضي، فلن نتمكن من التعرف عليها وتجاوزها في الحاضر.

لذلك، عندما تقول إحدى الشخصيات في أحد المشاهد "أنت تقف متفرجًا وتشاهد"، يأتي ذلك بمثابة تذكير صارخ بما يجري في الأزمنة الحديثة، حيث وقعت مآسٍ في العديد من بقاع العالم.

أما الناقد "جاسون فلات" فيذهب إلى أن " القصة السينمائية تختصر لنا مواقف شخص صالح يحاول البقاء على قيد الحياة في ظرف مستحيل، بينما يساعد أكبر عدد ممكن من الأبرياء للخلاص في وسط رهانات عالية وعنف نازي وحشي لا يطاق".

هذه الخلاصات المؤثرة، لخصت لنا دراما حربية قاسية ومريرة محورها الشاب "ويل" الذي لا ينتمي سوى للبشرية المعذبة وهو الساخط على كل الإعوجاج البشري المحيط به وهو المندفع لإنقاذ الذات المحاصرة المأزومة والمضطهدة بصرف النظر عمن تكون، فالإجرام أيا كان مصدره والضحية كائنة من تكون يفضحان الجريمة ومرتكبيها مهما كانت دوافعهم وحججهم.