2646244_4056
2646244_4056
ثقافة

ملتقى بيت الزبير الفلسفي الثاني يسلط الضوء على جهود التجديد الفكري في الساحة المعرفية الإسلامية

29 أبريل 2024
29 أبريل 2024

يختتم بيت الزبير اليوم ملتقاه الفلسفي الثاني الذي انطلق أمس وسعى إلى استكشاف آخر المداولات والتطورات في المجال الفلسفي في الساحة المعرفية الإسلامية، وإلى استكشاف الممكنات والآفاق الجديدة ومناقشة المناطق المعرفية المبتكرة، وكشف الجوانب الفلسفية والمجاورة لها في هذا السياق المحدد، مسلطا الضوء على الجهود البارزة التي يبذلها المفكرون والعلماء المهتمون بالدراسات الفلسفية، وإنشاء فرص للحوار الثقافي والمعرفي بين جميع المهتمين بالدراسات الدينية والفلسفية.

وتقام اليوم ثلاث جلسات أولها جلسة تشارك فيها الباحثة والأكاديمية الجزائرية الدكتورة شفيقة وعيل، حيث تقدم ورقة بعنوان «نهاية اللغة بداية الوجود: النفري أفقا للفلسفة»، ويشاركها في الجلسة الباحث علي الرواحي بورقة عنوانها «العادة أو الطبيعة الثانية بين ابن بركة والفلسفة الحديثة»، في حيث تستضيف الجلسة الثانية الأكاديمي والباحث المصري الأستاذ الدكتور محمد حلمي عبدالوهاب وسيقدم ورقة بعنوان «ما تعد به الفلسفة: ملامح التجديد الفلسفي في مدرسة مصطفى عبدالرازق؛ الثابت والمتحول»، وتشاركه في الجلسة الأكاديمية والباحثة التونسية الأستاذة الدكتورة ثريا بن مسمية وستقدم ورقة بعنوان «التصوف وعلاقته بفلسفة الجمال»، وستكون آخر جلسات الملتقى مع الأستاذ الدكتور رضوان السيد حيث سيحاوره الباحث العماني زكريا المحرمي، حول ورقته التي ستحمل عنوان «الفلسفة وأصول الفقه: مقاصد الشريعة نموذجًا».

وكان قد انطلق ملتقى بيت الزبير الفلسفي الثاني الذي أقيم أمس برعاية معالي الدكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينية واستضاف في يومه الأول ثلاث جلسات انطلقت الأولى مع المفكر هاشم صالح الذي قدم ورقة بعنوان «الفلسفة والتنوير في السياق العربي الإسلامي: الآفاق والتحديات»، حاوره فيها الدكتور محمد بن عبدالكريم الشحي، حيث تناول فيها الدكتور هاشم صالح مسألة التنوير في العالم العربي ومدى تحققه حتى الآن، مشيرا إلى أن رغم محاولات النهضة العربية منذ القرن التاسع عشر، فإن التنوير الفلسفي الحقيقي الذي يُعيد النظر في العقائد التراثية والدينية لم يبدأ بعد، وعزا ذلك لعدة أسباب؛ منها قوة التيار الأصولي المتشدد وسيطرته على الجماهير، وعدم قدرة المثقفين العرب على مواجهة الأفكار الأصولية الراسخة خوفا من التهديد، كما أشار إلى دور المستشرقين والمفكرين المسلمين في الغرب في إطلاق مشروع «إسلام الأنوار» للتجديد العقلاني للإسلام.

وخلص إلى أن تحقيق التنوير العربي يتطلب جهودا متواصلة لعدة عقود قادمة، وأن المثقفين العرب وحدهم غير قادرين على ذلك دون الاستفادة من أعمال المستشرقين والمفكرين المسلمين في الغرب الذين يتمتعون بحرية البحث والتفكير.

وتناول المحاضر سلسلة «إسلام الأنوار» الصادرة في باريس، والتي تضم مؤلفات لعدد من المفكرين المسلمين الداعين للتجديد العقلاني للإسلام كمالك شبل وعبدالنور بيدار وآخرين.

كما ناقش مسألة العنف باسم الإسلام، مستشهدًا بآيات قرآنية تنفي مشروعية العنف العشوائي والانتحار والعمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين، وتطرق لمسألتي حكم الردة وحد الرجم، منتقدًا الفهم المتشدد للأصوليين لهاتين المسألتين.

وأكد على ضرورة انتصار التنوير العربي ليؤدي إلى إيمان جديد متجدد يتخلص من الانغلاقات الطائفية، ويحقق المصالحة بين الإسلام والحداثة، على عكس ما يعتقده البعض من أن التنوير يعني الإلحاد.

كما تطرق المحاضر إلى استراتيجيات مقترحة لتحقيق التنوير العربي، وقسمها إلى ثلاثة محاور وهي «التنوير من الداخل»: من خلال نشر أفكار فلاسفة العرب الماضيين والمعاصرين حول الدين، في كتيبات ميسرة للجمهور الواسع، مع مقدمات شارحة من المثقفين العرب. و«التنوير من الخارج»: الاستفادة من تجربة التنوير الأوروبي ومواجهته للأصولية المسيحية، عبر نشر ملخصات لأفكار فلاسفة الأنوار الأوروبيين وكيفية مواجهتهم للتشدد الديني.

و«التنوير الاستشراقي»: إنشاء مركز للدراسات الاستشراقية، وترجمة إنجازات المستشرقين الغربيين في دراسة التراث العربي الإسلامي؛ للاطلاع عليها ومناقشتها.

وأكد على أهمية الاستفادة من الإنجازات الغربية في مجال التنوير، دون الأخذ بكل ما فيها، بل الاقتصار على الإيجابيات منها فقط، كما رأى أن المثقفين العرب الذين يدرسون في جامعات الغرب لديهم فرصة كبيرة للمساهمة في تجديد التراث وتحقيق التنوير؛ لامتلاكهم المنهجية والمصطلحات العلمية.

فلسفة الغزالي أنموذجا

وفي الجلسة الثانية حاور الباحث سعيد الطارشي الأستاذ الدكتور شريف طوطاو الباحث والأكاديمي الجزائري الأستاذ المساعد بجامعة السلطان قابوس وقدم ورقة بعنوان «الفلسفة الإسلامية وسؤال البردايم: فلسفة أبي حامد الغزالي أنموذجا» والذي حاول في ورقته التصدي لإشكالية هوية الفلسفة الإسلامية والاختلافات الحاصلة حول تعريفها وتحديد مفهومها وماهيتها حيث أشار إلى أن هذه الاختلافات ترجع في نظره إلى اختلاف البردايمات أو المنظورات التي تم التوسل بها في مقاربة الفلسفة الإسلامية.

واستعرض بعض المقاربات المختلفة لتعريف الفلسفة الإسلامية، حيث يرى البعض أنها تماهي الفلسفة المشائية اليونانية وأن ابن رشد هو نموذجها، بينما يرفض آخرون هذا الرأي ويعتبرون الفلسفة المشائية مجرد فلسفة يونانية كتبت بالعربية، ويرون أن الفلاسفة الحقيقيين هم النقاد للفلسفة المشائية كالغزالي وابن تيمية. كما يوجد من يوسع مفهوم الفلسفة الإسلامية ليشمل علوما أخرى كعلم الكلام والتصوف وأصول الفقه. وينتقد الباحث هذه المقاربات ويرى أنها تأسست على بردايمات غير صحيحة، وأنه لا بد من اقتراح بردايم جديد يعبّر عن هوية وماهية الفلسفة الإسلامية الحقيقية. ويتخذ من فلسفة الغزالي أنموذجا لهذا البردايم الجديد؛ بهدف إعادة كتابة تاريخ الفلسفة الإسلامية وتأسيس فلسفة إسلامية معاصرة تستأنف الفلسفة الإسلامية الكلاسيكية، وحاول الباحث في ورقته تحديد سمات وخصائص هذا البردايم المقترح من خلال نقد المقاربات السابقة، ثم تطبيقه على فلسفة الغزالي كنموذج للفلسفة الإسلامية المأمولة، مؤكدا في الوقت نفسه «الدكتور طوطاو» أن الغزالي يمثل منعطفا مفصليا في تاريخ الفلسفة الإسلامية، حيث قام بنقد الفلاسفة وتأسيس عقلانية إسلامية أصيلة ومفتوحة، أسهمت في ظهور اتجاهات فلسفية جديدة مثل علم الكلام الفلسفي والتصوف الفلسفي وأصول الفقه المتمنطق.

ولخّص الدكتور طوطاو أهمية عمل الغزالي في خمسة جوانب رئيسية؛ منها دمجه للمنطق بالعلوم الإسلامية، والتمهيد لدمج الفلسفة بعلم الكلام، ودمج الفلسفة بالتصوف، وتفكيك الميتافيزيقا المشائية وإعادة بنائها على الكشف والذوق، بالإضافة إلى أثره المباشر وغير المباشر في تطوير الفلسفة الإسلامية. واختتم الدكتور طوطاو محاضرته بالتأكيد على ضرورة إعادة كتابة تاريخ الفلسفة الإسلامية بموضوعية علمية، وتحديد بردايم جديد للمقاربة الفلسفية الإسلامية يستلهم من عقلانية الغزالي وفلسفته، ويسهم في إبراز هوية الفلسفة الإسلامية الحقيقية.

علة المعرفة الإنسانية

من جانبه قدم الباحث العماني الدكتور سعود الزدجالي ورقة بعنوان «علة المعرفة الإنسانية بين الرازي وإمانويل كانط: قراءة أولية»، واستهل الدكتور «الزدجالي» محاضرته بالتأكيد على أهمية البحث في علة المعرفة الإنسانية ومصادرها في الفلسفة، رغم تعقيداته؛ محاولا إيجاد صلات بين أفكار الفيلسوفين على مستوى النصوص، وتطرق إلى العلاقة المحتملة بين الفيلسوف باروخ اسبينوزا والتراث الكلامي والفلسفي الإسلامي؛ إذ رأى بعض الباحثين الغربيين وجود علاقة بين فلسفة اسبينوزا والفلسفة العربية.

كما ناقش «الزدجالي» العلاقة بين مصادر كانط اللاهوتية ونسق اسبينوزا في العلة والغايات، مبررًا البحث في صلة علة المعرفة عند كانط بالعلة ذاتها في الفلسفة الكلامية والمنطقية عند الرازي. وأوضح أن جذور المعرفة الكانطية لها مصادرها سواء في السياق الأوروبي أم التراث الإسلامي، دون ادعاء التطابق التام؛ في محاولة لفهم حركة الأفكار وتراكميتها.

واستعرض الدكتور سعود الزدجالي نظرية كانط في المعرفة القائمة على مصدرين هما الحس والفهم، ودور الصور القبلية في الحساسية مثل الزمان والمكان في تشكيل المدركات الحسية. كما تناول أفكار الفخر الرازي حول التصورات والمقدمات البديهية كشروط لإمكان المعرفة وعلتها النهائية، مقارنا بين رؤيتي الفيلسوفين لمسألة تلقائية حصول المعارف المحضة في النفس.

وحاول «الزدجالي» في ورقته مقاربة نصوص «الرازي» حول إمكان المعرفة الإنسانية وشروط تشكلها في ضوء السيمياء الكانطية في نقد العقل المحض، والمبرر لهذه المقاربة هو أن النظريات العلمية، خصوصا في الحقول الإنسانية، لا تنفصل عن أصولها اللاهوتية والتراثية والمنطقية، كما أشار توماس كون في كتابه «بنية الثورات العلمية»، مشيرا إلى أن النظرية الكانطية اشتغلت على المقولات الأرسطية بشيء من التغيير والتطوير، وهذه المقولات تعد أرضية مشتركة في التراث الإسلامي والفلسفة الغربية المدرسية الكلاسيكية والحديثة. وترى الورقة أن النظرية الكانطية اشتغلت على علة المعرفة النهائية في الذهن الإنساني دفعًا للدور والتسلسل، وهو ما وجدناه أيضًا في نصوص الرازي.

واستنتج أن ملكة الإحساس هي منفذ ضروري ولازم لتشكيل الوعي الإنساني للمعارف السابقة (المحضة مجازًا)، سواء تحولت إلى مقدمات أو تصورات ضرورية أخذت مفهوم العلة، أم لزمت دائرة التصديقات التي تتشكل باستمرار في الوعي الإنساني بسبب وجود شروط الإمكان. ووفقًا لبحثه، فإن شيئًا ما قد استقر في الذهن أصبح شرطا ضروريا لإمكان المعرفة عند الرازي، وهذا الشرط تشكل بطرق تجريبية في نصوصه، بينما هو مستقل عن التجربة في النظرية الكانطية النقدية. وترى الورقة أن نصوص الرازي تفتقر إلى مزيد من الدراسات في هذه الحقول العلمية ذات الطبيعة الأساسية والمنطقية.

النظرة الغربية للفلسفة الإسلامية

وفي الجلسة الثالثة الأخيرة التي أقيمت مساء أمس فقد أدارها الكاتب بدر العبري، وشارك فيها الباحث العماني هادي اللواتي متحدثا عن النظرة الغربية للفلسفة الإسلامية متخذا من قناته اليوتيوبية «حيرة» نموذجا، سلط الضوء في محاضرته على شذرات من واقع الاهتمام الأكاديمي الغربي بالتراث الفلسفي الإسلامي، من خلال تجربته المستمرة منذ ست سنوات، حيث تعرف على العديد من الشخصيات الفاعلة والناشطة في الأجواء الأكاديمية والعلمية الغربية، وخاض أكثر من 150 حوارا معرفيا معها. وأشار «اللواتي» إلى عدد من الشخصيات البارزة التي اهتمت بالتراث الفلسفي الإسلامي، وقال في محاضرته: في العقود الثلاثة الماضية، شهدنا ظاهرة مهمة تستحق التأمل، وهي تزايد الاهتمام الأكاديمي الغربي بالتراث الفلسفي الإسلامي بشكل لافت للنظر. وعندما أتحدث عن التراث الفلسفي، فإنني أقصد مجموعة واسعة من الاهتمامات تشمل الأدب الصوفي الفارسي، والأدب العربي بشكل عام، وتراث كبار الفلاسفة المسلمين، والعرفان والتصوف الإسلامي، والأخلاق والحكمة العملية.

وأضاف «اللواتي»: لم يكن هذا الاهتمام المتزايد نتيجة تخطيط مدروس من قبل جهة معينة توجهه وتضع أهدافًا محددة، بل على العكس، تفتقت هذه الأبحاث في معظم الأحيان من خلال جهود فردية، وأرواح صادقة، وقلوب عطشى للمعرفة والحكمة. رأيت هؤلاء الباحثين ينذرون أعمارهم وأوقاتهم لخدمة العلم والاغتراف من معين المعرفة، منخرطين في التواصل مع التراث الإسلامي انخراطا حقيقيا، مما يترك أبلغ الأثر على رؤاهم الكونية، وتجاربهم الروحية، وأخلاقهم وسلوكياتهم، ونظرتهم للإنسان والدين والحياة.

وأكد الباحث هادي بن محمد اللواتي أن التراث الفلسفي الإسلامي يحتوي على كنوز ومعارف قيّمة قادرة على إرواء العطش المعرفي والأسئلة الوجودية والروحية للإنسان، حتى بعد مرور قرون عديدة. هذه المعارف ليست حكرًا على قوم أو طائفة معيّنة، وصلاحيتها لا تنتهي بتعاقب الأزمنة؛ فهي باقية وغضة طرية يمكن العودة إليها دائمًا. وأشار «اللواتي» إلى أن النصوص التراثية تعبّر عن عقول ناضجة وأرواح شامخة، مما جعلها قابلة للفهم والتأويل من قبل مختلف البشر، وأصبحت إرثا إنسانيا عابرا للحدود الثقافية والجغرافية. وأوضح أن المشاريع الأكاديمية لإحياء هذا التراث منبعها الشغف والعشق للمعرفة، والرغبة في نشرها ونفعها وجعلها متاحة باللغة الإنجليزية.

ولاحظ «اللواتي» أن بعض الباحثين يبذلون جهودًا كبيرة في البحث عن النسخ الخطية والمكتبات، بينما يسهم آخرون بإسهامات معرفية مهمة بعيدًا عن الأضواء الأكاديمية، كما أشار إلى وجود إضافات جديدة ونظرات إبداعية تثري هذه الأبحاث بسبب اختلاف خلفيات الباحثين وهواجسهم، مما يفتح النقاش حول موضوعات مثل التعددية الدينية.

وحذر «اللواتي» من أن غفلة المؤسسات الإسلامية والعربية عن هذا التراث ستشكل خسارة كبيرة، وقد تضطرهم للجلوس على مائدة الآخرين لدراسته، وهو عيب يكمن في الكسل وضعف الهمة وعدم الاعتزاز بالهوية والتراث.

الدرس الفلسفي في الحوزة

من جانبه قدم الأستاذ الدكتور عبدالجبار الرفاعي، المفكر والأكاديمي العراقي، رئيس مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد ورقة بعنوان «رؤية تقويمية لراهن الدرس الفلسفي في الحوزة: الآفاق، الثغرات، التحديات»، وفي ورقته أشار الباحث إلى أن الحوزات العلمية التقليدية مثل حوزة قم في إيران، تتمحور دراستها وتدريسها حول الفقه وأصول الفقه، بالإضافة إلى مقدمات في علوم اللغة والمنطق وعلم الكلام. وأكد أن الأستاذ يكتسب مكانته العلمية من تمرسه في الفقه الاستدلالي الذي يمهد الطريق للمرجعية الدينية.

وقال الباحث «الرفاعي» إن دراسة الفلسفة لم تكن أساسية في مناهج الحوزة، ولكن بعض الطلاب كانوا يدرسونها اختياريا، كما فعل هو. واتسعت دراستها في النصف الثاني من القرن العشرين، خاصةً بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأكد على تميز الحوزة بوجود أجيال من أساتذة الفلسفة الأكفاء. وأشار الباحث إلى أنه إلى جانب دراسة الفلسفة، عُني هو وأساتذة وتلامذة الفلسفة في الحوزة بالعرفان عناية خاصة، حيث درسوا مؤلفات أساسية في هذا المجال مثل كتب ابن عربي وابن تركة والفناري. وقال إنه قضى هو وزملاؤه سنوات عديدة في تفسير وفهم أفكار الحكماء والعرفاء المعقدة والمبهمة.

وأشار إلى وجود ثغرات ترتهن واقع الدرس الفلسفي في الحوزة اليوم، حيث قال: من أبرز هذه الثغرات اختصار الفلسفة بملا صدرا الشيرازي فقط، مع إغفال تراث فلسفي واسع لفلاسفة آخرين معروفين، وأكد الباحث أن التقليد المكرس في دراسة الفلسفة في الحوزة لا يهتم إلا بفلسفة ملا صدرا، وكأن الفلسفة في الإسلام تبدأ وتنتهي به، وقال إن ملا صدرا قد نقل واقتبس بشكل كبير من آثار غيره دون الإشارة إلى مصادرها، حتى اتهمه البعض بالانتحال والسرقة، مستشهدًا بشهادات عدة باحثين ومحققين أكدوا ذلك.

وأشار إلى أن سطوة الفلسفة الصدرائية حجبت الأصوات الناقدة لها، وأغفلت إنجازات فلاسفة مسلمين آخرين مثل الكندي والفارابي، اللذين يظل معظم دارسي الفلسفة في الحوزة جاهلين بهما وبإسهاماتهما الفلسفية المهمة.

وقد أشار «الرفاعي» إلى غياب تدريس فلسفات المفكرين المغاربة مثل ابن طفيل وابن باجة وابن رشد في الدراسات الفلسفية في الحوزات، ويعد ذلك ظلمًا كبيرًا لابن رشد خاصة الذي كان له أثر بارز في الفلسفة الأوروبية في العصور الوسطى. ويرجع السبب في ذلك إلى مركزية العقلانية في فلسفة ابن رشد، وهو ما يتعارض مع الفلسفة الصدرائية السائدة في الحوزات. كما يشير الباحث إلى صعوبة فهم الفلسفة الغربية الحديثة من قبل علماء الحوزات؛ لعدم إتقانهم للغات الفلسفة الغربية، واعتمادهم على ترجمات غير دقيقة. ويؤكد على أهمية دراسة الفلسفة الغربية من مصادرها الأصلية لفهمها بشكل صحيح.

وحذر الباحث في ختام ورقته من تمركز الهوية والتقليد في التفكير الفلسفي في الحوزات، ويدعو إلى انفتاح العقل والتفكير الفلسفي الحر خارج أطر المعتقدات والأيديولوجيات المغلقة، كما يؤكد على ضرورة حضور العقلانية النقدية وفلسفات مثل فلسفة ابن رشد في الدرس الفلسفي في الحوزات.معرض مصاحب

وكان قد تجوّل راعي المناسبة في معرض الكتاب المصاحب لملتقى بيت الزبير الفلسفي الثاني والذي عرض مجموعة من الإصدارات الفكرية بمشاركة عدة مكتبات تمثل مؤسسات المجتمع المدني وغيرها من المكتبات التي تحتفي بالكتاب العماني والكتاب الفلسفي خصوصا.