No Image
ثقافة

في ديوان اللواح الخروصي

25 مارس 2024
أنظارٌ في كتبٍ عمانية
25 مارس 2024

في حواري مع الأديب الفقيه الراحل مهنا بن خلفان الخروصي على هامش النسخة 22 من معرض مسقط الدولي للكتاب سألتُه عن أصل الرواية التي ذكرها في ترجمته للشاعر سالم بن غسان اللوّاح الخروصي (ق10هـ)، وعن قصة تسميته باللوّاح من أن أسرته كانت مشتغلة بصناعة الألواح الصخرية، فكان جوابه أن تلك الرواية كانت متداولة في قرية ثقب من وادي بني خروص موطن الشاعر، وأن تلك الصناعة كانت مزدهرة في قرى الوادي حتى إلى عهد قريب، وكانت الألواح تستعمل للكتابة وللأغراض التعليمية والتوثيق. وقد عثر الباحث حارث بن سيف الخروصي على كتابة صخرية نقشها عامر بن سعيد بن محمد اللواح أحد أفراد أسرة الشاعر، كما وقف على شاهد قبر السلطان أبي العرب بن أبي العرب بن محمد بن بلعرب الذي رثاه اللواح، ووافق زمانه حكم السلطان فلاح بن المحسن النبهاني.

ويرى الباحث حارث الخروصي في تغريدة له أن ديوان اللواح لم يكن معروفًا كثيرا عند المتأخرين مستدلا أن نور الدين السالمي لم يذكره أو يشر إليه.

وقد صدر ديوان اللواح في جزأين عن وزارة التراث القومي والثقافة سنة 1409هـ/1989م بتحقيق محمد علي الصُّلَيبي، اعتمادا على مخطوطتين بدار المخطوطات العمانية إحداهما كُتب عليها أنها القطعة الأولى من الديوان وهي منسوخة سنة 1199هـ بخط سيف بن سعيد بن خلف المعولي، وابنه سليمان بن سيف، والأخرى مختارات منه نسخها الفقيه سالم بن سعيد الصايغي المنحي. غير أن الناظر في النشرة وفي النسختين الخطيتين يجد أن للمحقق عثرات كثيرة في ضبط النص، فضلا عن أن بعض القصائد لم تُنشَر. ورغم أنه على حد علمنا لم يُعثَر حتى الآن على نسخة تامة للديوان يمكن الاستئناس بالكثير من متفرقات شعر اللواح في المجاميع المخطوطة، وهو ما يؤكد الدعوة إلى تحقيق الديوان كرّة أخرى.

توحي بعض العبارات بضمير المتكلم في مقدمة ديوان اللواح أنها من كلام الشاعر نفسه، ويُحتَمل أنه بذلك هو من جمع ديوانه وقسمه إلى فصول سماها في المقدمة.

وقد خص الشاعر مكة والبيت العتيق ورحلته إلى الحج بقصائد عدة، جاء في أحدها مكثه في مسقط منتظرًا الرحلة إلى مكة التي سماها «ليلى الشريفة» وفي أولها:

بمثوى مسقط فيها الثواء ** ومَلَّتْ صحبتي فيها النواء

وله قصيدة أخرى في الوعظ قالها وهو يومئذ بمسقط قاصدا مكة الشريفة، وله كذلك قصائد في الحنين إليها. ومما يدل على أن الرحلة إلى الحج كانت بطريق البحر قوله:

ركبت إليكِ في البحر الجواري ** وفي البيداء أكوار النياقِ

وأوردت المياه مغلقفاتٍ ** مريرات المطاعم والمذاقِ

ولعل مما يؤكد ذلك قصيدته الأخرى التي قالها وهو في بندر جدة وضاق عليه السفر متشوقًا إلى «ليلى الشريفة» والمعلوم أن البنادر هي (الموانئ) التي يؤتى إليها بطريق البحر. ولعله ارتحل إلى البيت العتيق غير مرة وكانت الرحلة تارة برّية، وتشير إلى ذلك بعض أبياته، مثل قوله:

وأتيتُ والسيدان تعوي حولنا ** والأُسْدُ تعلن بالزئير وتفرسُ

ولَكَمْ وردنا طامس الأرجاء لم ** يَرِدِ الحِمام به المعزى الأطمسُ

وقد قال إحدى قصائده في المديح النبوي وهو في الأحساء، وأنشد أخرى وهو في طريقه إلى المدينة المنورة، وخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة وهو في الروضة الشريفة، وله قصائد أخرى وهو في المسجد الحرام، وفي وداع مشعر عرفات.

ابتدأ اللواح الفصل الخامس من ديوانه وقد خصصه للمعاتبات بقصيدة محرضًا فيها أهل نزوى على طاعة الله، وذكر فيها شيئا من مفاخر بني خروص وأزد شنوءة، ومما قاله:

سرايانا لأرض الهند سارت ** ولليمن الفسيح وما ولاها

ونحن حمى عمان من قديمٍ ** فسل هل غيرنا أحد حماها

فمنا وارث والصلت منا ** ومنا الخالدان توارثاها

وله أخرى معاتبًا الإمام بركات بن محمد بن إسماعيل (942-965هـ) في بعض الولاة، وأخرى معاتبًا بعض الولاة قالها عند وداعه، وثالثة ناصحًا فيها بعض الأصدقاء من الولاة.

والأعلام في شعر اللواح كثيرون تَرِد أسماؤهم في عنوانات القصائد وفي نصوصها، ويدل ذلك على علاقات اجتماعية وعلمية واسعة تمتع بها الشاعر طوال حياته بين العامة والخاصة، إذ نجد في أشعاره العتابية والرثائية جملة من الأسماء بين المغمور والمعروف. فمن الأسماء المغمورة مثلاً «خميس وحاجز» الذَينِ طلبا إليه موعظة وأدبًا وحكمة، فقال في ذلك قصيدة من البحر الطويل، ومنهم «بشير بن جمعة» الذي قال فيه قصيدة محرضا وناصحا له.

وقال ناصحا ومعاتبا أحد رجالات نزوى وهو محمد بن أبي العرب العفيفي، وذكر فيها أن عمان تطلبها الجبابرة وتحاربها.

أما شعر الرثاء والتعزية عند اللوّاح فالأسماء فيه كثيرة يقصر عنها هذا المقام، وقد تعدّدت المقامات والمنازل بين الزعماء الأمراء، والفقهاء والأطباء وأهل العلم، والوجهاء. فممن رثاهم السلطان أبو العرب بن أبي العرب بن صلت، والأمير أبو الحسين علي بن سنان العميري، والأمير محمد بن ربيعة العميري. ورثى من العلماء الفقهاء: أبا محمد عبدالله بن محمد بن سليمان، وأحمد بن مداد بن عبدالله بن مداد، وعلي بن أبي القاسم بن سليمان الإزكوي، ومحمد بن سعيد بن محمد بن عبدالسلام النخلي، والقاضي صالح بن أبي الحسن بن عبدالسلام الرستاقي. ورثى من الأطباء: عميرة بن ثاني بن خلف بن محمد بن هاشم الرستاقي، والعالم الطبيب علي بن مبارك بن هاشم الرستاقي. وفي شعر التعزية جاءت أسماء كثيرة أيضا، فممن عزاهم: السلطان أبو العرب بن صلت في ابنته، والفقيه أحمد بن قاسم بن كهلان في زوجته، ومحمد بن أبي سبت ورجال المناذرة في موت أبي سبت بن أحمد، وله أيضا قصيدة معزيا فيها بعض أصدقائه في أمهم بنت موسى بن عامر.

وليس الأعلام وحدهم مما يستوقفنا في شعر اللواح في بعده التاريخي، فالمكان هو الآخر يستدعي التوقف عنده، ولعل ذلك يكون في مقام آخر.