0556
0556
ثقافة

«فالس الغراب» ليوسف ضمرة.. لغة سردية تجمع بين الحقيقة والخيال

14 يونيو 2021
14 يونيو 2021

عمّان - العُمانية: يُقدّم القاص الأردني يوسف ضمرة في مجموعته القصصية «فالس الغراب» وقائع فانتازية مليئة بالمفارقات، تشير في حقيقتها إلى واقع ملموس أراد المؤلف تشريحه وتقديم رؤاه النقدية الخاصة به.

واتسمت المجموعة الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» في عمّان بلغة مرنة قادرة على الجمع بين الحقيقة والخيال، وعلى نقل ما وصفه ضمرة بأنه «مكتوبٌ في مكان ما»، في إشارة إلى الخيط الشفاف الذي يجمع القصص جميعها، وينهلُ من أحداث تكسر أفق التوقع عند القارئ، وتنقله إلى مستويات حسيَّة غير مألوفة.

تضمّ المجموعة 33 قصة تنوعت في طبيعة المشاهد التي تقدّمها، وإن بقيت منتظمة في انسجام يعبّر عن هوية مشتركة فيما بينها. وجاءت أكثر القصص قصيرةً بما يكفي لتقديم صور خاطفة تحدثُ فيها المفارقة قبل أن يُختتم المشهد لينتقل القارئ إلى قصة جديدة ومشهد خاطف جديد.

يقول السارد في مشهد يجسّد إحدى مفارقات العالم الفانتازي للمجموعة: «لا أعرف لماذا أصرّت زوجته أن تُدفَن ساقُه الخشبيّة وهي مربوطة بإحكام في ركبته وفخذه! ما الحكمة في ذلك؟ ولماذا لم تستمع إلى مَن أخبرها أنّ هذه الساق قد تفيد أحدًا يحتاج إليها ولا يملك ثمنها. لكنّها منذ الليلة الأولى التي أصبحت فيها وحيدة بعد انتهاء مراسم العزاء، استيقظت على صوت تلك الساق تدقُّ الأرض في اتجاه المطبخ... مشت إلى المطبخ وفرحت لأنّها لم ترَ شيئًا، كذلك توقّف الصوت تمامًا. عادت بعد أن قرأت المعوّذتين وحاولت النوم. لكنّ الساق الخشبية عادت أيضًا إلى نقر الأرض برتابة ممزوجة بوحشة».

ويقول السارد في مشهد آخر يُظهر الجانب الأسطوري الذي كان له حضور في أكثر من مكان داخل المجموعة: «إنّ الصرخة تأتي من ملاك يرافق الطفل آنَ الولادة لحراسته، وإنّ الوليد ما إن يخرج إلى الحياة حتى يرى وجه الملاك فيشعر بالخوف ويصرخ. ربّما لهذا السبب أُشيحُ بوجهي عن الجدار ليلاً حين تتحرّك الظلال. قلت لزوجتي: إنّني لا أريد ستائر للنوافذ، ولا أريد صورًا أو أيّ شيء يُعلَّق على الجدران. وبعد محاورات وسجال وصراخ صمتت زوجتي مكرهة، واضطرت المسكينة كلّما زارنا أحد أن تقول بعتب كبير إنني أنا الذي أمنعها من تركيب ستائر، وتعليق لوحات وصور وشهادات».

وتَظهر صورة الغراب في مشهد ثالث مؤكدةً «ثيمة» المجموعة التي تكثر فيها مشاهد الألم والموت والخوف، وهي معانٍ يمكن ربطها بالغراب في الموروث الشعبي بعامة: «لكنّ البناية انهارت صباحًا، ومات الغراب وصاحب البناية في يوم واحد. وأثناء الحفر ورفع الركام، عثر العمّال على ثعبان ضخم متكوّم في أحد خزّانات المياه. انتقلتُ إلى بناية جديدة، وكان أول ما فعلته أن تفقدتُ خزانات المياه. لم يكن ثمة ثعابين في أيٍّ منها. لكنّ الغربان تملأ الحي، ونعيقها يملأ الفضاء. ومن دون أيّ مقدمات انهارت البناية بعد أسبوعين. نظرتُ حولي وأنا أراقب الأغربة الجميلة، وأخمّن أيّ البنايات سوف تكون التالية!».

ونقلت القصص كذلك مشاهد تمسّ الحروب والشيخوخة والسفر والفقد والحنين، ومزجت بين الموت والحياة، والمدن والمقابر، فكانت غنية بالتحولات، وبالأسئلة التي تُركت صياغتها واستنتاج إجاباتها للقارئ.

يُذكر أن ضمرة وُلد سنة 1953، نال جائزة محمود سيف الدين الإيراني للقصة القصيرة من رابطة الكتّاب الأردنيين (1993)، وجائزة الدولة التشجيعية في مجال القصة (1995)، وجائزة وزارة الثقافة للإبداع عام 2016 عن مجموعته «دوزان». من مجموعاته القصصية: «العرَبات»، «نجمة والأشجار»، «المكاتيب لا تصل أمي»، «اليوم الثالث في الغياب»، «عنقود حامض» و«مراوغون قساة».