ثقافة

المخرج عجاج سليم يتحدث عن هموم المسرح العربي والسوري

01 ديسمبر 2023
أشاد بالمسرح العماني وفرقة الدن ومهرجانها
01 ديسمبر 2023

مهرجان الدن المسرحي أنموذج مشرف لأي مهرجان عربي متكامل في المستقبل

المشاركة السورية أنعشت الأمل في الحياة المسرحية السورية التي تعيش أوقاتا صعبة

مسرحية «نقيق» أقرب للحداثة باستخدام كافة عناصر العمل المسرحي

الممثل السوري أثبت حضورا محليا وعربيا وعالميا وأنه في الصفوف الأولى

المسرح العُماني يتطور على مستوى الرؤية البصرية والجمالية ويلفت الانتباه

يعاني المسرح السوري من أزمات كثيرة، وهي ليست وليدة الحرب، بل من سنوات سبقت الحرب بكثير. «أبو الفنون» بات يتيمًا بين أقرانه، يعاني الكثير من الإهمال وغياب الدعم الذي اتجه بمجمله نحو الدراما التلفزيونية، ومع ذلك لم يخل الأمر من مبادرات فردية أو جماعية أو ظهور مسؤول عن الثقافة يدرك أهمية المسرح ودوره في حياة المجتمع. ولكن بقيت هذه المبادرات في إطار محدود ولم تتحول إلى عمل مؤسساتي حقيقي، ومازال الاهتمام بدعم المسرح والعاملين فيه في آخر سلم اهتمامات القائمين على الثقافة. ومع ذلك فإن تلك المبادرات كانت وما زالت بمثابة بارقة أمل يتعلق بها المسرحيون السوريون.

ورغم كل تلك الأوضاع بقي المسرح السوري يتنفس ويعطي للحياة معنى جميلا بفضل المؤمنين بدور المسرح من فنانين وفنيين، ونلمس حجم الشغف من خلال اندفاع الجمهور للحضور عندما يكون هناك عرض مسرحي في أحد مسارح العاصمة أو المحافظات سواء للكبار أو للأطفال، تلك العروض التي يقدمها الأبناء المخلصون للمسرح والذين يعملون بدأب وإصرار، في ظل ظروف لا يحسدون عليها وبأقل الدعم أو التكاليف الإنتاجية ويسعون للتغلب على كافة الصعوبات التي تواجههم وعلى حساب صحتهم ولقمة عيشهم، من أجل أن يكون للمسرح السوري حضوره الفاعل في المشهد الفني والثقافي والمجتمعي وهذا ما يعرفه جميع العاملين في المسرح.

ومن أجل الوقوف على واقع المسرح السوري ومشاركته الأخيرة في مهرجان الدن المسرحي في سلطنة عُمان كان لنا هذه الوقفة الصريحة مع الدكتور عجاج سليم بصفته واحدًا من الذين يحملون منارة المسرح كاتبا ومخرجا وناقدا ومدرسا لمواده أيضًا، وعضو مجلس الأمناء في الهيئة العربية للمسرح وعميد قسم الفنون المسرحية والإخراج السينمائي في الجامعة العربية الدولية.

ظروف المشاركة

حول المشاركة السورية في مهرجان الدن الدولي الرابع وظروف المشاركة فيه أوضح أ.د.عجاج سليم أن المشاركة بالمهرجان جاءت بشكل طبيعي، بعد أن أُعلن عنه قبل شهور وتم قبول العمل المسرحي بعنوان «نقيق» من تأليف روعة سنبل، ومن إعدادي وإخراجي. والذي شارك في التمثيل به بدور «مي» الفنانة ريم زينو، وبدور «وفاء» الفنانة د. ندى العبد الله، وبدور «الضفدع» الفنان وليد الدبس، وقامت بالغناء الفنانة إيناس رشيد، وبالرقص التعبيري الفنانة سجى نوري.

المهرجان ضم 24 عرضا مسرحيا، في ثلاثة مجالات مسرحية لكل مجال 8 عروض، وهي مسرح الكبار، ومسرح الأطفال، إضافة إلى مسرح الشارع.

وجاءت هذه العروض المختارة بعد تنافس 288 عرضا على المشاركة في المهرجان من 31 دولة عربية وأجنبية، بواقع 47 عرضا لمسرح الطفل، و136 عرضا لمسرح الكبار، إضافة إلى 117 عرضا لمسرح الشارع.

وشاركت إلى جانب العروض العمانية عروضٌ من دول: الكويت والأردن والعراق وتونس ومصر وسوريا، إلى جانب فرق من إيران وإسبانيا وكازاخستان والمغرب والهند وألمانيا وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة.

ومن حسن الحظ ومبعث السعادة اختيار مسرحية «نقيق» باسم فرقة المسرح القومي.

هذا العرض قُدّم العام الفائت بدمشق حيث لاقى نجاحا جماهيريا وصدى إعلاميا ونقديا يبعث على الاعتزاز والفخر بالمنتج الفني السوري.

وتلقينا عدة دعوات لتقديم العرض في عدة دول ومنها روسيا والأردن والعراق ولكن لم نستطع تلبيتها لسبب بسيط يتعلق بتأمين بطاقات السفر إلى تلك الدول؛ لأن وزارة الثقافة صاحبة العمل لا تقدم التذاكر نظرا للظروف الاقتصادية التي تمر بها سوريا في ظل الحصار الاقتصادي المعروف للجميع!.

أما مشاركتنا في مهرجان الدن الدولي للمسرح فقد تمت من خلال جهود بذلها عدد من الأصدقاء والمحبين للمسرح الذين تحملوا تكاليف تذاكر السفر بالطائرة من بيروت إلى مسقط وتحمّل الممثلون أنفسهم أجور السفر برا من دمشق إلى بيروت؛ ومن سخرية الأقدار أن أجور السفر برا يعادل تماما الأجر الذي تلقوه عن عملهم حوالي ثلاثة أشهر في المسرحية.

الحصاد المطلوب

وتابع د. عجاج حديثه عن المشاركة بقوله: الحمد لله نال العرض المسرحي السوري استحسان وثناء المتابعين والمعنيين وأحدث الدهشة عند المشاهدين حيث تركزت أحاديث الكثيرين على وصفه أنه عرض خارج الصندوق كسر النمطية التقليدية التي وصلت إلى درجة مملة في بعض العروض المسرحية العربية التقليدية بشكل عام، و اتفقت الآراء على أن عرضنا قُدم بمستويات حديثة استُخدم فيها كافة عناصر العرض المسرحي المعاصر من حيث الزخم المشهدي والإيقاع المضبوط، والرسم الجمالي في الفراغ إضافة لأداء الممثلين المتميز حيث مازال الممثل السوري يجتهد ويثبت أنه في الصفوف الأولى عربيًا وعالميًا.

رغم متاعب السفر وما سبقه من تحديات مختلفة، فإنه يجب الاعتراف والامتنان للقائمين على المهرجان الذين أسهموا بتذليل الصعوبات وتوفير أفضل الظروف والأجواء التي أسهمت بتقديم مشاركة متميزة بكل أبعادها.

وهنا لابد من تقديم الشكر لجميع أعضاء فرقة الدن وعلى رأسهم الأخ محمد النبهاني وزملاؤه القائمين على إدارة المهرجان لكرم الضيافة وحسن الاستقبال والإقامة، حيث لمسنا محبة الشعب العماني لشقيقه السوري والتي نبادله إياها بامتنان وشكر ومحبة واحترام لكل ما تمثله قيم العُمانيين من رقي وتسامح.

نعد مشاركتنا مهمة فنيا وطنيا وإنسانيا، حيث قدمت جرعة إنعاش ودفعا لنا ولمعظم العاملين المخلصين في المسرح السوري، واعترافا نقيا يقول للمسرحيين السوريين: إن بإمكانهم متابعة العمل وتقديم الجهد؛ لأن هناك أنقياء يقدرون جهدهم وشغفهم وتضحياتهم من أجل استمرار الحياة المسرحية السورية.

مهرجان أنموذجي

وعن مهرجان الدن الثقافي الذي يقام سنويا وحضوره على الساحة العربية بهذه الجمالية والمشاركة العربية قال د. عجاج: إنه أنموذج متقدم لما يمكن أن تكون عليه المهرجانات المسرحية، قد تكون شهادتي مجروحة في فرقة الدن التي أتابع عروضها منذ سنوات، والتي أثارت الانتباه بجمالية ما تقدمه من عروض وما تقوم به من تنظيم على المستوى العربي.

وكان لي شرف المشاركة في المهرجان السابق للدن بصفة رئيس لجنة تحكيم مسرح الطفل.

أيضا أسعدني الحظ وتشرفت بالمشاركة في عضوية لجنة تحكيم جائزة المغفور له صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ـ طيب الله ثراه ـ العام الفائت والتي حصلت عليها فرقة الدن من خلال مسيرتها والعرض الذي شاركت به في المسابقة وحصلت على الجائزة بجدارة واستحقاق. والحقيقة أن أسباب التميز والنجاح واضحة وتتعلق بواقع أن الفرقة تعمل كوحدة متكاتفة ومتعاونة وبروح الفريق والأسرة.

وهي أنموذج ناجح للفرق الخاصة نتيجة لخبرتها الطويلة المتواصلة وتعلّق أفرادها بالمسرح وقدرتهم على إنجاح أي عمل يريدونه.

المهرجان الأخير أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه وصل إلى مصاف بعض المهرجانات التي لها باع وحضور منذ فترة بعيدة في الحياة المسرحية العربية، بل تفوق على بعض المهرجانات المسرحية التي تنظمها إدارات على مستوى وزارة ثقافة.

بدءًا من الاستقبال والمعاملة اليومية والإقامة والتنقلات وتركيب الديكور ومتابعة شؤون الفرق وتوفير أفضل الأجواء للعمل والسهر على راحة جميع المشاركين.

ومن خلال متابعتي لعروض المهرجان وجدت أن العروض كانت منتقاة بشكل متنوع يسمح بمشاهدة تجارب مختلفة وتعلقت طبيعة تلك الأعمال بطبيعة الخبرات والتجارب للفرق المشاركة.

هذه رؤيتي

وحول المسرح العماني بشكل عام أوضح د. عجاج قائلا: من خلال متابعتي للمسرح العماني خلال السنوات العشرة الماضية لمست وجود خط بياني متطور في إنجازات جميع الفرق المسرحية العمانية، وما حققته على مستوى الرؤية البصرية والجمالية كان لافتًا للانتباه من خلال عمل الممثل العُماني المجتهد والمخرج الساعي دائمًا لأن يكون وسط الحدث المسرحي العالمي، ولكن لي ملحوظة بسيطة على النصوص حيث تبدو أحيانا بمعناها العام أنها تتحرك ضمن مساحات محدودة، ولكن الرؤية الفنية والأداء والإخراج البصري دائما يفسر ويقول ما لم يقله النص، وهذه مسألة كانت موجودة عبر التاريخ، والفنان يحاول أن يقدم نفسه بشكل واضح.

هموم المسرح

لم أشأ أن أترك د. عجاج دون أن أسأله عن المسرح العربي وهمومه وشجونه وتطلعاته وما تجري فيه من خطوات فقال: الحديث عن المسرح العربي بشكل عام طويل ومتشعب ولكن أهم ما يميزه أنه حتى الآن يوجد من يؤمن بدور المسرح وحضوره وفاعليته و يؤمن بقدرته وأهميته في إحداث تغيير في أي مكان في العالم، المسرح والمسرحيون العرب يعون تماما قضايا الأمة وما يحدث من حولهم لذلك تراهم يسعون لأن يكونوا حاضرين بقوة على الساحة ولهم صوتهم المسموع.

المسرح العربي حاليا هو مسيرة نضال حقيقي، باعتبار أن كل ما يحدث حوله يؤثر فيه سياسيًا،

المسرح فن رقيق وجميل جدا، والكل يسعى لأن يحقق حلم رائد المسرح أبو خليل القباني بأن يصبح المسرح ضرورة اجتماعية في واقع المجتمع العربي.

والحديث عن هذا الواقع يحتاج لندوات وأبحاث، ولكن ما يبعث على التفاؤل أن المسرح لا يتوقف قطاره إلا ليستفيد ثم يكمل مسيرته ويزداد تفاؤله بوجود أجيال جديدة تلتحق بمسيرته وتصاب بلوثة حبه وعدم مغادرته مما يسهم في استمرار نسق الحياة فيه من المحيط إلى الخليج، ويشكل شباب المسرح صورة الأمل المرجو وعلى عاتقهم سيكون للغد حديث مبهج مع هؤلاء الشباب.

الشباب هم الأمل ويزداد التفاؤل بالدور الذي تقوم به بعض المؤسسات الثقافية الأهلية والفرق الأهلية التي تقوم بدور فاعل جدا في توطيد ركائز المسرح العربي. وهنا لابد من تقدير دور الهيئة العربية للمسرح في الشارقة ودور صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة ورعايته للمسرح والعاملين فيه.

إن مجرد وجود مثل هذه الهيئة التي تعتني بكل تفاصيل المسرح العربي يعد بقعة ضوء مبهرة في نهاية النفق تبعث على التفاؤل ونتمنى لها أن تزداد إشراقا وحضورا فاعلا في الحياة المسرحية العربية.

ماذا يحتاج للنهوض أكثر؟

يأتي وقع السؤال صعبا ويحتاج لوقفة متأنية، هذا ما لمسته من حديث د.عجاج الذي بيّن أن مشكلات المسرح وأزماته وما يحتاجه وما يعوقه هو حديث طويل، وأهم ما فيه أنه يحتاج أن ننظر للمسرح بوعي تام، ونتيقن دور مسرح الطفل في تكوين جمهور المستقبل وبناء علاقة حيوية وعضوية لتصبح ضرورية في حياة كل فرد وهذا تحديدًا لا يتحقق إلا من خلال تجذير المسرح في المدارس، ولعل أولى بوادر هذه الانطلاقة كان من خلال الهيئة العربية التي أصدرت كتاب مدرسي وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة أول من طبق هذا القرار، وأصبح هناك كتاب مدرسي للمسرح يُدرس من الصف الأول وحتى الحادي عشر وهو كتاب غني جدا بالمعلومات عن المسرح وتاريخه وتأثيره.

النبض الحزين

لم نبتعد كثيرا عن هموم المسرح فكان لابد من التعريج على الأزمة التي يعاني منها المسرح والمسرحيون السوريون فكان كلام د.عجاج ممزوجا بالألم والحسرة وهو الذي يعرف ويعيش كل تفاصيله فيقول: الحديث فيه غصة ومن الألم الكثير، وفي المرحلة الحالية يصبح حديثا مؤجلا؛ لأنه يجب أن يكون بقلوب مفتوحة مع كل المعنيين في المسرح ومع الجهات المسؤولة والمجتمع بشكل عام، ورغم الظروف القاسية التي مرت على سوريا كانت هناك تجارب وعروض ومحاولات لكي يستمر المسرح وينبض بالحياة بجهود أناس مخلصين وعاشقين للمسرح لديهم الشغف العالي للاستمرار، ومع أن الظروف الصعبة ما زالت مستمرة ولم تتغير، بل زادت قسوة على الصعيد الاقتصادي، والذي كان قبل الحرب تدور حوله الكثير من الأسئلة، وكان أحد أسباب أزمة المسرح الحقيقية، نظرا لضآلة المردود وغياب الداعمين له، ومع ذلك كان حينذاك مستمرا بالعمل بطريقة أو بأخرى، وها هو اليوم يمر بالوقت الأصعب «الحصار الاقتصادي» بتأثيراته السلبية على المجتمع ككل، مما زاد من حدة الوجع، وما يتقاضاه الممثل لا يكاد يكفي أجور مواصلات من بيته للمسرح لإجراء البروفات، ومع ذلك ما زال هنا من يضحي ويعمل تحت قسوة الظروف، ويمكن اعتبار الأزمة المالية للمسرح هي أزمة تاريخية.

ويتابع د.عجاج، اليوم معظم العاملين في المسرح من الهواة وبعض الخريجين عشاق المسرح في دمشق و بعض المحافظات ولكن لا يمكن التعويل على هذا الوضع كثيرا.

أو تسميته حضورا مسرحيا بالمعنى الصحيح، لذلك أقول إن الوضع هش ومعرض للانهيار في أي لحظة إذا ما أصاب الجزع أيًا من المسرحيين وترك عمله وتوجه لعمل آخر أكثر إغراء ليطعم من خلاله أولاده خبزا، ولعل أبسط هذه الأعمال للمسرحيين التوجه نحو العمل في الدوبلاج الذي يحقق له الاكتفاء المادي في ظل هذه الظروف القاهرة.

الحديث عن بقية أوجه الأزمة يعدّ حديث ترف عندما أقول هناك أزمة نص أو مخرج، فالنص والمخرج وحتى الجمهور كلها موجودة ولعل إقبال الجمهور على حضور أي عرض وتحت وابل القصف أو الفقر والعوز يدلل على شغف الناس بالمسرح ودوره.

ماهي الحلول؟

ولكن ماهو المخرج من هذه المعضلة التاريخية المزمنة يجيب د. عجاج: هناك مخارج عديدة لانتشال المسرح من أزمته وأهمها البحث عن ممولين وداعمين أو على الأقل بما يوازي تعب العاملين في المسرح لكي يتناولوا لقمة كريمة، ووضع برامج استراتيجية لتطوير المسرح ودعم العاملين فيه بشكل حقيقي من الجهات المسؤولة عنه.

الأزمة بالمختصر أزمة تمويل، لا أوجه من خلالها أصابع الاتهام لأحد أو لأية جهة، ففي النهاية هي ميزانيات توضع بدقة وفق معايير ما تحدده الدولة ووفق رؤية معينة ضمن الميزانية العامة، وهذا الوضع لم نتخلص منه حتى قبل الحرب ولم يتحقق حلم أبو خليل القباني حتى اليوم لعدم وجود قناعة أن المسرح حضارة وضرورة مجتمعية.

اليوم الجمهور هو من يموّل المسرح من خلال حضوره الفاعل وشراء التذاكر رغم كل ما يعانيه من حاجة وعوز، وتمول وزارة الثقافة إنتاج عروضها، ولكن بميزانيات لا تحقق ولو جزءا بسيطا من المطلوب.

ويؤكد د.عجاج على أهمية هذا الفن ودوره وتأثيره وإسهامه في رقي المجتمعات وإحداث أي تغيير ممكن أن يحصل في الحياة.

وما يحدث من نشاط مسرحي يعد تحت بند الطفرات التي يدعمها أناس مخلصون لهذا الفن كي لا يتوقف عن العطاء؛ لأنهم يحملون بداخلهم إيمان وثقة أن هذه الأزمة ستنتهي والوضع الاقتصادي الحالي السيئ سيكون إلى زوال والمسرح سيستمر كما استمر منذ آلاف السنين.

نخاف نحن المسرحيين أن تأتي اللحظة التي يمكن أن يكون فيها المسرح حاجة زائدة سواء في بلدنا أو في أي بلد آخر والتخلص منه سيكون لحظة مأساوية ليس في حياة المسرح وحسب بل في حياة أي شعب، والشعب الذي يتخلى عن مسرحه سيتخلى عن قيمه ومقومات وجوده الأخلاقية.

لابد من بعض الحلول للمستقبل لكي يستمر المسرح راسخًا سواء في هذه الظروف أو غيرها من خلال إيجاد الكتاب المدرسي الذي يهتم بالمسرح، ويكون من ضمن المنهاج الدراسي، وكذلك العناية بمسرح الطفل وتطويره ودعمه وتحريض المؤسسات الوطنية ورأس المال الذي يؤمن بالثقافة والمسرح لكي يدعم هذا الفن وهي مسألة مهمة وكبيرة، كل هذه الحلول تدارسناها سابقا ولكن للأسف أصبحت في علم الغيب ولا أحد يعيد لها الحياة ويخرجها من الأدراج لكي يبث الروح في المسرح.

مابين الدراما التلفزيونية والمسرح

لماذا لم ينلْ المسرح حصته من ذاك البذخ الذي التي تناله الدراما التلفزيونية وهو أبو الفنون، هل هذا الإهمال مقصود، طرحت السؤال على د.عجاج فأجاب: لم تعد الدراما التلفزيونية مجرد ثورة بدأت منذ التسعينيات بخطى حثيثة وباتت أمرا واقعا من خلال تأسيس الشركات وتوجه رأس المال نحوها وتأسيس شركات عالمية في سوريا للدوبلاج تغذي معظم المحطات العربية وتقدم أعمالا موجهة بلسان فنانين سوريين وبأجور مغرية، وغياب الدعم عن المسرح فهذا يعود إلى نظرة أصحاب رأس المال وحساباتهم الاقتصادية، والمعروف أن رأس المال جبان ويبحث عن الربح فقط، وهذا الدعم الذي يمكن أن يأتي للمسرح يحتاج إلى رجال نبلاء أمثال الذين حملوا هم المسرح في أوروبا ودعموا وتبنوا المذاهب الفنية المتعددة وفتحوا لهم الطريق، المسرح لا يحقق الربح الوفير لمن يستثمر فيه، ووحدها الحكومات والدول هي القادرة على ذلك ريثما يصبح للمسرح كيان ويصبح جاذبا لرأس المال، الثقافة والمسرح صنوان وهي معيار تطور المجتمعات والدول، وتحتاج لرجال دولة يحملون المسؤولية الثقافية ويدركون أهميتها، وللأسف نسبة كبيرة من المسؤولين لا يدركون أهمية المسرح وحاجة المجتمع له في كل الظروف، وكلمة الإهمال المقصود هنا لا تكفي، بل هناك قصور شديد في التعاطي مع المسرح هناك من يخافون منه ويهملونه، التقصير ناجم عن عدم فهم واستيعاب أهمية دور المسرح وكيفية الارتقاء به.

وفي ختام الحديث الشائق عن المسرح أكد د.عجاج على عراقة المسرح السوري وأن وجوده كان قبل وجود المسرح القومي، ففي كل سوريا كانت هناك فرق تقوم بجهود نبيلة وتخلق فعلا وحدثا ثقافيا في المدن السورية وبتأسيس المسرح القومي بدأت تلك الفرق بالتراجع إلى أن اختفت وكانت الغلطة كبيرة، والعودة إن كان هناك رغبة بمن يريد عودة المسرح من الجهات الثقافية المهتمة، حكومية وأهلية أن تكون بالاهتمام بالفرق الأهلية والخاصة، وفي العالم كله تقوم الدولة بتقديم الدعم اللوجستي والمالي وأماكن عروض وتسهيل بقية الأمور، والمؤتمن على أفكار الناس بحاجة لهذا الدعم وليس بحاجة لمن يدير أموره فهو أقدر الناس على إدارة عمله.