الكاتبة ثمنة الجندل لـ « عمان»: لكل حزاية رسالة وهدف توصله للمستمع بصوت دافئ واقعي
أحاول إحياء دور المحازية.. وأقدم ثلاثين حكاية شعبية من تراث محافظة ظفار طيلة الشهر الفضيل -
حرمان الأطفال من ثراء الحكاية هو حرمانهم من جزء عريق وثمين من ثقافتهم وتراثهم الأصيل -
تقترب البرامج الإذاعية من أذن الجمهور، لا سيما بموضوعاتها التي لا تصل رسالتها إلا بالصوت، وتنتقي إذاعة الشباب برامجها التسجيلية بعناية، كونها تختصر في وقتها القصير الكثير مما يحتاج الجمهور لسماعه، ولعلّ أبرز ما يميز إذاعة الشباب هذا العام في موسمها الرمضاني برنامج «حزايا شعبية» الذي تعده وتقدمه الكاتبة ثمنة الجندل، ويخرجه سلطان المعمري.
البرنامج يقدم عددا من الحكايات أو الحزايا الشعبية، التي تغرس القيم والأخلاق الحميدة، ونشر الوعي ووسيلة من وسائل الترفيه والمتعة للصغار والكبار، وذلك قبل هيمنة الأجهزة الإلكترونية بشتى أنواعها، وهي مستمدة من الثقافة الشعبية العمانية الأصيلة ومن خيال الجدات، وبعضها عبارة عن حكايا حقيقية اجتماعية أو تاريخية، يبث البرنامج في الساعة 12:10 بعد منتصف الليل، ويعاد بثه، في السابعة صباحا، و3:05 عصرا، و 9:50 ليلا.
وللحديث عن البرنامج كان لـ«عمان» هذا الحوار مع معدة ومقدمة البرامج ثمنة الجندل، لمعرفة تفاصيل تجربتها الأولى في الإذاعة، والتعرف على ما تقدمه من حكايا شعبية باللهجة المحلية لمحافظة ظفار.
فلنبحر معا في حديثنا عن محتوى برنامج «حزايا شعبية».
- الحكاية أو الحزايا الشعبية هي عالم خاص بالطفل، بما فيها من عناصر جذب وتشويق وإثراء للخيال، لا يوجد طفل يرفض الاستماع إلى حكاية، ولا يوجد طفل إلا وأحداث حزاية أو قصة عالقة في ذهنه لفترة طويلة، وأثرها واضح على سلوكه وعلى شخصيته، فحرمان الأطفال من هذا الثراء اللغوي والأخلاقي والترفيهي في الحكاية هو حرمانهم من جزء عريق وثمين من ثقافتهم الشعبية ومن تراثهم الأصيل.
لقد كان فن سرد الحكايات الشعبية فنا معروفا في ربوع محافظة ظفار، يكاد لا يخلو منه أي تجمع للأسرة والأطفال، بل أحيانا تنتقل الأم وأطفالها إلى مكان آخر في حدود المنطقة، للاستماع والاستمتاع بسرد الحكاية من الحكواتية «المحازية» عادة تكون الجدة أو أي شخصية كبيرة لديها مخزون كبير من الحكايات المتنوعة والممتعة، فكانت تسلب لب وإحساس المستمعين لها طوال فترة السرد.
صمتت الجدة الحكواتية، التي كانت تروي حكاياتها الرائعة، وتسحر الألباب بأساليب سردها المشوق، وتوارت الحزاية عن الأسماع والأنظار، وحرم الأطفال أو الجيل الجديد من هذه الثقافة الشعبية الجميلة والأصيلة بسبب التطوّرات الاجتماعية والثقافية والتقنية، حلّ التلفزيون محلّ (الجدّة الحكواتية)، والتهت الأسرة وغفلت بما تقدمه وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، التي تعتمد على الصورة الملوّنة المبهرة والمتحرّكة، فلربما يعتقد هذا الجيل أنه لا توجد قصص أو حكايات محلية وشعبية خاصة بثقافتهم الشعبية، مثلما ما يشاهدون في التلفزيون أو في القصص والكتب المصورة.
من هنا بدأت رحلتي الجميلة مع الحزاية الشعبية، في محاولة متواضعة لإحياء دور المحازية (الحكواتية) والحزاية (الحكاية الشعبية) وأن ألفت الانتباه إليها، أنها موجودة، توجد في المخيال العماني في ظفار حكايات وقصص جميلة، حكاية «فطيمون وعويشون» تشبه إلى حد كبير حكاية «السندريلا»، وحزاية «فاطمة النبعة وأخوانها السبعة» شبيهة بالحكاية العالمية «الأميرة والأقزام السبعة»، وحزاية «سبلة اللؤلؤ» شبيهة بقصة «ريبانزل» ذات الشعر الطويل، وغيرها من الحكايات الشعبية.
وفي هذا الإطار قدمت مجموعة من الحزايات الشعبية في الملتقيات الثقافية والمدارس، ومهرجان خريف صلالة بمجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه، ومكتبة دار الكتاب، وعرضت فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي، ولاقى ذلك استحسان الجمهور، والمطالبة بالمزيد من الحكايات، وصار الناس جزاهم الله خيرا يمدونني ويزودونني ببعض الحكايات الشعبية التي سمعوها من كبار السن، وليست موجودة عندي. الناس لديهم شوق كبير، وشغف أكبر في أن يستمعوا ويتمتعوا بإرثهم الثقافي والتفاخر والتباهي به. وبعد ذاك اليوم الجميل الذي حللت فيه ضيفة على أحد برامج إذاعة الشباب، كان الاتفاق على التعاون الذي كان نتاجه برنامج «حزايا شعبية» مع ثمنة الجندل.
حقيقة أنا فخورة وسعيدة بهذا التعاون، وأقدم الشكر الجزيل، والامتنان الكبير لكل المسؤولين والعاملين بإذاعة الشباب، وعلى رأسهم معالي الدكتور عبدالله الحراصي وزير الإعلام على هذه اللفتة الكريمة والاهتمام البالغ لإتاحة الفرصة لي بأن أطل على جمهور الإذاعة ومستمعيهم الكرام طوال أيام وليالي شهر رمضان المبارك، وهذا يدل على إيمان القائمين على الإذاعة بأهمية الحكايات والحزايات الشعبية الأصيلة التي تسرد بأسلوب قصصي مشوق وممتع، بأنها وسيلة مهمة لتحقيق أهداف تربوية تعليمية ونفسية وأخلاقية واجتماعية وجمالية وترفيهية عدّة، وذلك بما تحمله في طياتها من رسائل ودروس وعبر وقيم إيجابية؛ تسهم في جعل الأشخاص مواطنين صالحين لأنفسهم ولمجتمعهم.
أعددت ثلاثين حزاية شعبية، وكل حزاية تهدف إلى غرس قيمة أو مبدأ أو رسالة تربوية وإنسانية واجتماعية وأخلاقية راقية، وحاولت أن أجعل هذه الحزايات متنوعة ومختلفة لكي لا يتسلل الضجر والملل إلى نفس المستمع، فجمعت ما بين الحكاية الخرافية مثل حكاية «اللمسة الذهبية» ونهاية الطمع، وحكايات من التجارب اليومية مثل حزاية «عاقبة الغش» وضياع الثقة وخسارة الأصدقاء، والحكايات التاريخية مثل حكاية «الثلاث النصائح» التي تؤكد أن الاستماع لنصائح وخبرات كبار السن، قد تقي الإنسان من الوقوع في المهالك، وقصص الحيوان مثل حزاية «البقرة الذكية» وكيفية تخلصها من الضرر الواقع عليها بحكمة وهدوء، والحكايات الهزلية مثل حزاية «با طيح با طيح» التي تكشف أن للإنسان قدرات كبيرة، يكتشفها إذا اضطرته الظروف و«زقزفة في بطنه»، تشير هذه الحزاية إلى أن الإنسان قد يعيش في خوف وقلق دون مبرر، وتضيع عليه الكثير من الفرص، والقصص الدينية «الصدقة»، وأهميتها في تحسين حياة الإنسان. كما أن الحزايات في البرنامج، كانت مزيجا مختلفا من حكايات بيئات محافظة ظفار المختلفة، فهناك حكايات من المدينة، وحزايات من الساحل، وأخرى من الجبل والبادية، ولكل بيئة ظروفها ومناخها وحياتها المعيشية المختلفة التي تبرزها الحزاية، وسردت هذه الحكايات بأسلوب حكواتيّ قصصي محكم وممتع.
قوة الحكاية وتأثيرها ترتبط بالتراث، فهل استطاعت أن توصل رسالتها للجمهور؟
- تكمن القوة الناعمة للحكاية (الحزاية) الشعبية في أنها من أفضل الوسائل في إحداث التغيير في شخصية وتفكير الشخص، من خلال أحداثها الممتعة المحبوكة جيدا، وخيالها الواسع، وصوت الحكواتي المقنع، تصبح الحكاية أقوى من أي كلام، وأقوى من أي إرشاد ووعظ، فسردها بالصوت الدافئ الحنون الواقعي، يساعد بطريقة مثالية في التأثير والتشجيع والحث على اتخاذ خطوة معينة، أو تبني فكرة ما أو الامتناع عنها نهائيا نتيجة لمعطيات بعض الحكايات التي ما زالت راسخة في الأذهان منذ فترت طويلة.
لكل حزاية رسالة وهدف توصله للمستمع على سبيل المثال: كانت الرسالة من حزاية «فطيمون وعويشون» هي العطف على اليتيم، والابتعاد عن العنف الأسري، والمحافظة على ميراث اليتيم حتى يكبر، والقيمة النبيلة التي ممكن للمستمع أن يستفيد منها في حزاية «إلا أبي وأمي» فهي المعاملة الحسنة للوالدين وكبار السن، وهكذا كل حزاية مثلما ذكرت تحمل في سردها المعاني الجميلة والقيم الأصيلة، التي ممكن تصل للمستمع بكل يسر وسهولة.
هل تعتقدين أن اللهجة المحكية في البرنامج والمستخدمة في جنوب عمان استطاعت أن تصل للجمهور وذائقتهم السمعية في الشمال؟
- من نعم الله سبحانه وتعالى على عمان الحبيبة، أنه يوجد فيها تنوع ثقافي جميل وتراث شعبي أصيل، أدى إلى تنوع فسيفسائي رائع في اللهجات العمانية، بالرغم من تفرد وخصوصية وجمال كل لهجة، إلا أن هذه اللهجات بصفة عامة مفهومة للجميع، قد تظهر بعض الألفاظ والكلمات الخاصة جدا باللهجة؛ لكنها تضفي نوع من السحر والجاذبية على اللهجة ومتحدثيها، اللهجة المحلية العمانية الظفارية، آسرة للقلوب والعقول بجمال ألفاظها وحسن كلماتها وصدق نغمتها ودفئ نبراتها وثراء معانيها، تأتيني العديد من التعليقات الجميلة من المتابعين سواء من السلطنة أو خارجها، يثنون على البرنامج بصفة عامة، وعلى اللهجة وبساطتها وجمالها.
هل الحكايات «الحزايات» التي تسردها ثمنة الجندل في برنامج «حزايا شعبية» هي من الحكايات الشعبية العمانية أم هي من وحي خيالك؟
- لو كانت من وحي خيالي، ومن إبداعي الخاص، لن يطلق عليها «حزايا شعبية» معظم الحزايات التي سردت في البرنامج من التراث الشفهي العماني من محافظة ظفار، متوارثة جيلا بعد جيل، وكانت تظهر كثير من المشاهد والأحداث والتجارب التي تصور أحداث الحياة، وأساليب المعيشة في المحافظة، للعلم! معظم الحكايات الشعبية في العالم تتشابه في أهدافها التربوية والتعليمية والنفسية والأخلاقية والترفيهية، وفى الرسائل الجميلة والمبادئ والقيم العالية التي ترمي لها الحكاية الشعبية.
ألا يمكن أن نضع أفكارا لجعل الوسائل الحديثة والتقنيات الإلكترونية تسهم في نشر الحكايات الشعبية وعدم اندثارها؟
- الحكاية الشعبية أو الحزاية تعكس الشخصية والهوية الوطنية العمانية المتميزة، وتعد مصدر فخر واعتزاز لهم، لأنها تميزهم عن غيرهم، أصبحت المحافظة عليها وتوثيقها وتدوينها وتصنيفها وصيانتها ضرورة ملحة، يحميها من الاندثار والتشويه والضياع والتلاشي والتنميط. خاصة في ظل التحديات الصعبة والتّحوّلات الاجتماعيّة والثقافية والاقتصاديّة والإعلامية الضخمة والعولمة، وفقدان كبار السن الذين كانوا يعدون الذاكرة الشعبية التي يمكن الرجوع إليهم، سواء إن كان فقدهم بسبب الموت، أو بسبب النسيان وضعف الذاكرة. بعد جمع وتوثيق الحزاية، يجب أن تتطور وتتجدد بما يتناسب مع الظروف الحالية، الأمر الذي سيسهم في إبراز جمالها وقيمتها التاريخية والتراثية والاجتماعية، وستلهم بمشاهدها العجائبية والغرائبية والخيالية إبداع الأدباء والكتاب والفنانين والرسامين للاستفادة منها.
يمكن للأجيال الجديدة أن تتعرف على هذا الإرث الشعبي الفريد من خلال الاستماع إلى الحكواتيين، وإقامة المؤتمرات والطباعة والنشر، وإقامة الملتقيات والمهرجانات، وتجسيدها فنيا عن طريق التلفزيون، أو باستخدام التقنية الحديثة في إنتاج برامج ترفيهية وتعليمية تثير خيال وتفكير الأطفال.
كيف تقيمي تجربتك الأولى في التقديم؟
- حقيقة التجربة كانت جدا رائعة، الذي ساعدني أني معلمة سابقة، والمعلمة بطبيعة الحال لديها أسلوب حكائي جميل، ولم تواجهني أي صعوبات تذكر أثناء الإعداد للحكايات، كنت ملمة بالمكان والزمان والأشخاص وبترتيب الأحداث، والبناء الدرامي للحزاية، وإعداد سيناريو للحكاية مكتوب باللهجة المحلية.
