No Image
ثقافة

الكاتب والمخرج السوري سامر محمد إسماعيل: فرقة الدن العمانية بذرة من بذور الحداثة التي تنمو باطراد في الخليج

26 نوفمبر 2022
«لقمة عيش» قدمت فرجة غنيّة في مفرداتها الحركية والأدائية دون استخدام ديكور وأكسسوارات
26 نوفمبر 2022

كاتب من الزمن الذي نعتبره جميلا؛ امتداد لأجيال كتبت من حبر أوردتها تاريخا من الفنون الإبداعية في سوريا وخارجها، ما زال رغم كل المعاناة التي تحيط به وبالواقع الأدبي والفني يحمل على منكبيه هموم الإبداع، وأحلام الطامحين بالضوء، أنه صاحب الإبداعات المتنوعة سامر محمد إسماعيل الكاتب والمخرج المسرحي والشاعر والناقد والإعلامي، نعم أنه كل هذا ويزيد بعطائه الثري. لم يجرفه تيار التفاهة الذي يحاول أن يأخذ معه كل ما تبقى من رموز الأصالة والإبداع، حافظ على مواقفه، ويعمل جاهدا كي لا تنهار القيم والمبادئ التي أخلص لها، بقي وفيًا لمسرحه، ولكتاباته، وللكلمة التي يدونها في سفر الحياة التي تثقل الكاهل.

يحمل مصباحًا لينير عتمة الطريق رغم بعض السوداوية والتشاؤم في كتاباته، ولكنك لا تستطيع أن تطلب من موجوع أن يراقص خيوط الشمس كل صباح، وكل ما حوله يئن من ألم، ورغم كل هذا فهو يتابع أي بصيص أمل، يكتب عنه ويحاوره أو يجسده بعمل فني يؤمن بأنه سيكون مشروعا منيرا.

هذه هو بعض من الكاتب سامر محمد إسماعيل الذي حاورناه وأجاب بكل ود وترحاب.

* بشأن كتاباتك وأعمالك الكثيرة ما بين الكتابة المسرحية والدرامية والنقد والشعر والإعلام والإخراج، كيف تستطيع الإمساك بكل هذه الخيوط معًا، أليس هذا مربكًا ونحن في زمن التخصص، أم أنه الركض خلف لقمة العيش والقهر معًا، وأين تجد نفسك أكثر...؟

- لقد بات هذا السؤال يشبه سؤالا يمكن أن يوجه لممثل كيف تقوم بأداء أدوار في السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة والدوبلاج؟ أليست هذه الفنون مختلفة في شرطها الفني لكن ما يجمعها هو الأداء؟ فكيف لا نسأل ممثلًا عن أدائه في مسرحية وفيلم ومسلسل ونأتي إلى كاتب ونسأله لماذا تكتب للسينما والتلفزيون والمسرح معًا؟ والجواب الكتابة توحد كل هذا، والكاتب الذي يعرف الشرط الفني لكل فن على حدة يعرف ذلك. أنا شخصيًا أعتبر نفسي ملحقًا لجيل من الكتّاب لم يعد موجودا، وهو جيل محمد الماغوط وممدوح عدوان الذين كانوا شعراء وكتبوا للرواية والصحافة والشعر والسينما والتلفزيون والمسرح؟ فهل يعني أن أكتب في كل هذه المجالات ريبة ما؟ غريب فعلًا. هل قمتُ بإجراء عملية قلب مفتوح لأحدهم؟ لا أتوقع ذلك، فهذا اختصاص آخر. أنا لا أدعي أنني طبيب أو مهندس.. أنا كاتب والكاتب عليه أن يكون ملمًا بكل الشروط الفنية للمسرح والسينما والتلفزيون وهي فنون توحدها الدراما والخبرة في هذا المجال يجب أن تعرف خصوصية كل فن منها.. لقد جئت من الصحافة الثقافية الدولية (السفير - الحياة - الاتحاد - إندبندنت عربية) إلى كتابة السيناريو مثلي مثل ماركيز وهمنجواي وحتى ديستويفسكي كان ينشر رواياته على شكل حلقات في الصحافة الروسية.. الصحافة الثقافية صنعها ومهد لها أدباء كبار سواء في الغرب أو في بلادنا العربية.. فلماذا هذا الاستغراب من كاتب يكتب سواء كتب للسينما أو المسرح أو التلفزيون أو الإذاعة، أو كتب في الصحافة والشعر والرواية..؟!

* تكتب عن تفاصيل الوجع السوري وأنت الذي تعيش وسطه، كم يؤلمك وأنت الذي تعيشه وتعاود كتابته ومن ثم تشاهده على المسرح أو الشاشة، كم من الألم تعيش وأنت تكتب...؟

- الألم كلمة لا تعني الكاتب، ولا أقول بوجود ما يسمى (الألم العبقري) أنا من هؤلاء الذين يؤمنون بأن الكاتب والمبدع عموما يحتاج إلى شرط صحي ورفاهية كي يتفرغ للعمل. وهذا شرط يجب إن لم يتوفر أن يقوم الكاتب بتوفيره وانتزاعه لنفسه. الكتابة تحديدًا تحتاج إلى عزلة ورخاء، تحتاج على الأقل أن لا يفكر الكاتب بالمال ولا بتفاصيل حياتية معاشية تعيقه عن مونولوغه الداخلي، عن بثه الداخلي.

* وهل اجترار الوجع على الشاشات والمسرح يلبي متطلبات المرحلة التي ما زلنا نعيش مآسيها؟.

- لا وصفة لكتابة درامية، ولا أعتقد أن اجترار الأحزان هو المطلوب اليوم، بل كتابة تعكس نبض الحياة واتساعها ورحابتها بعيدًا عن البكائيات والميلودراما. إن أمقت شيء لدي أن تذهب الكتابة إلى هذا الدرك من التعبير.. أعتقد أن الخيار الفني هو من يوجه الكاتب ويعضده، وهذا الخيار يحتاج إلى وعي وخبرة ودراية عميقة بالواقع الذي نكتب عنه. سوى ذلك نكون قد كررنا المكرر وتقليد الواقع لا يجدي نفعًا، بل يسيء للفن والكتابة في آنٍ معًا.

* الكتابة عمل موجع والكاتب يحتاج للكثير من الرعاية كما قلت ذات يوم لكي تبقى على قيد الحياة والشغف والإبداع، ما هو نوع الرعاية التي يحتاجها الكاتب؟

- لا يحتاج الكاتب سوى ما يحتاجه جميع الناس، الكاتب ليس فصيلة مختلفة من البشر. لكن للأسف الكاتب في المنطقة العربية يعاني من اغتراب بينه وبين المؤسسات الثقافية، وهي مؤسسات في معظمها لها أجنداتها وبرامجها التي تنفي الكاتب بعيدا عنها، أما الكتّاب المنتسبون إلى تلك المؤسسات فأعتقد أنهم موظفون أكثر من أنهم مبدعون، والكاتب الموظف ليس كاتبًا ولا يمكن أن يكون. إنه أي (الكاتب الموظف) عبارة عن برغي في آلة صماء وعمياء، وقد رضي الكثيرون من أنصاف المواهب أو عديميها بالوظيفة كي يتستروا على ضعفهم وخواء مخيلتهم، فيما اختارت قلة قليلة من الكُتّاب أن تدفع ضريبة الاختلاف مع الإكليروس الثقافي والمجتمعي والسياسي، وألا تكون صوتاً في جوقة أحد.

* قلت «لا أكتب أدب المسرحيات، أكتب للخشبة مباشرة. والمسرح هو الدراما الحقيقية» ما الرسالة التي تريد إيصالها وما الذي تعنيه من خلال هاتين الجملتين؟

- طبعًا أنا لا أكتب أدبًا مسرحيًا، أنا أكتب عروضًا أدائية، وهذا يتطلب مني دراية بكل عناصر اللعبة المسرحية، ومعرفة بفنون عديدة يضمها المسرح. شخصيًا أكتب كتابة إخراجية وفيها تصور كامل للعرض على الخشبة، ولا سيما في تلك النصوص التي أكتبها أقوم بإخراجها، وهذا يتطلب جهودا كبيرة ومضنية للوصول إلى ما يشبه نوتة.. أجل النص المسرحي هو نوتة صوتية وحركية ومشهدية وبصرية، ويستلزم مواهب متنوعة للوصول إلى صيغة أقرب إلى العرض على الورق، أما من يتصورون المسرح اليوم بأنه أدب فهؤلاء ساهموا ولا يزالون في القضاء عليه، وفي تطفيش الجمهور من صالات العرض. المسرح ليس أدبًا إلا للمكتبات التي يخيّم الغبار على رفوفها، المسرح هو الدراما، هو الفعل، هو الصراع، وهذا يتطلب معرفة من الكاتب بجوهر الدراما وطبيعتها، ما عدا ذلك يقدم هؤلاء محاضرات لا عروضا، ولا يورطوا الجمهور بخطب وخطباء على الخشبة.

* كما أعرف، وذكرت أنت في غير موضع أنكم تعملون في ظروف قاسية جدا، ولا يوجد داعمون للمسرح سواء من الدولة أو من القطاع الخاص، وقلت إن المسرحيين يتحولون إلى متسولين كي يعملوا، إلى هذا الدرك وصل واقع المسرح...؟

- المسرح منبوذ في العالم العربي، وهو فن يتم التضييق عليه لصالح التلفزيون والتلفزيونيين، ولهذا لا تخصص المؤسسات الثقافية الرسمية له سوى الفتات، ومن أسف لا يحظى العاملون في المسرح بأي دعم فعلي، بل هي ميزانيات لا تكاد تغطي كلفة مواصلات المسرحيين من بيوتهم إلى المسرح. ولهذا لم يعد أحد اليوم راغب في العمل في المسرح، لولا بعض العشاق الذين لا يزالون ينتزعون اللقمة من أفواه أولادهم كي يعملوا على الخشبة.

المسرح العربي عمومًا يعاني من هذا التضييق لأن المسرح هو المكان الوحيد الذي يجتمع فيه الناس دون أن تكون لهم مرجعيات دينية أو حزبية أو عرقية واحدة، فالمسرح فن ديمقراطي، ويوفر حوارًا بين فعاليات مجتمعية عديدة دون أن يطالب أحد بفحص زمرة دمه السياسي أو الديني أو الطائفي، ولهذا أعتقد أن السلطة تخشى منه، وتعمل على إماتته وتيئيس من يعمل فيه، لنصل في النهاية إلى إقفال المسارح وتحويلها إلى مستودعات أحذية أو مقرات لشركات الصرافة أو في أفضل الأحوال إلى محلات للمدلوقة والنابلسية.

* المسرح السوري كما المسرح العربي يعيش أزمة خانقة وإهمالا ربما مقصود قد تجعله يتلاشى، ما هو سبب هذا الوجع هل هو توغل التكنولوجيا في الحياة البشرية وسيطرة الشاشات الفضية على المشهد برمته أم ماذا..؟

المسرح السوري كان ولا يزال في واجهة الحياة الثقافية السورية والعربية على حد سواء، وقد ساهم أجيال من المثقفين والفنانين السوريين في إناء ظاهرة المسرح السوري الذي انقطعت أخباره منذ إحراق مسرح القباني في دمشق، وقبلها بأكثر من ألف عام كان المسرح في قلب المدينة السورية في بصرى وجبلة وشهبا وتدمر وأفاميا وعمريت وسواها من الحواضر والمدن، لكن المسرح والمسرحيين اليوم يتعرضان لإبادة جماعية، وما نراه اليوم ليس سوى حلاوة روح لبعض من بقي فيه روح للتمسك بأماكنه والدفاع عن مفهوم المدينة، فالمدينة التي ليس فيها مسرح لا تصنف كمدينة، وهذا عرف معمول به حتى من منظمة اليونسكو، لكن ثمة اليوم من يتصور المدينة عبارة عن أسواق ومجمعات تجارية وكتل من الإسمنت والخرسان..

* ونحن نتحدث عن العتم الذي يحيط بالواقع المسرحي ثمة ضوء يتسرب ونحن نرى جموع الناس تتوافد إلى خشبة المسرح بدمشق بكل شغف، كيف تفسر هذه المفارقة..؟

- المفارقة أن الجمهور في سوريا لم ينقطع عن المسرح، وبصراحة أقول النخبة المسرحية كانت من بين النخب الثقافية السورية التي لم تتراجع عن دورها، ولا عن مواقفها، بل كان لها الحضور الأكبر والعميق في وجدان الجمهور، وكل العروض التي تم إنتاجها كان نتيجة مبادرات من فنانين وكتاب وممثلين آمنوا بضرورة الدفاع عن مواقعهم في ظل مكونات التكفير والتخوين الثنائية الذهبية التي يقف المسرح في وجه أبواقها وعسسها.

* ما دمنا نتحدث عن المسرح، كيف تابعت المسرح العُماني، والدراما الخليجية، وماذا في خاطرك عنها..؟

- الدراما الخليجية والعمانية منها أمست اليوم تحقق تطورًا على صعيد الأداء والإخراج والكتابة والإنتاج على حدٍ سواء. وفي الوقت الذي انصرفت فيه الدراما السورية نحو ما يسمى الدراما المشتركة نلاحظ اليوم توجه الدراما الخليجية إلى هموم مجتمعاتها، والعمل على تقديم تجارب تمس مواطنيها، دعني هنا أتوقف عند عرض عماني زار دمشق منذ أشهر، حيث استعادت فرقة مسرح الدن للثقافة والفن الدفء في العلاقات الثقافية مع دمشق، التي شهد مسرح الحمراء فيها تقديم عرضين للفرقة العُمانية حمل عنوان «لقمة عيش» لمخرجه محمد بن سعيد الرواحي، حيث حَظيَ العرض الزائر بحفاوة رسمية، وحضور شعبي لافت، فما إن أعلنت «مديرية المسارح والموسيقى» عن تقديم العرض الآتي من سلطنة عمان على صفحتها الرسمية في فيس بوك، حتى نفدت البطاقات من شباك التذاكر في المسرح الدمشقي العريق، وتقاطر العديد من النقاد والمخرجين السوريين للحضور في سابقة لم تشهدها سوريا منذ توقف مهرجان دمشق المسرحي عام 2010، واعتذار العديد من الفرق الفنية العربية عن القدوم إلى دمشق.

العرض العُماني وقتها فاجأ جمهور المسرح السوري بتفوّقه الفني، وقدرة ممثليه الستة على تقديم فرجة مسرحية غنيّة في مفرداتها الحركية والأدائية من دون استخدام أي قطع للديكور أو الأكسسوارات، فلقد عوّل مخرج «لقمة عيش» على مسرح المساحة الفارغة، متتبعًا نظرية المخرج البريطاني بيتر بروك في الاقتصاد بكل ما يعيق ويشوش على أداء الممثل ومقولة العرض، والتي ركزت على هموم معيشية مشتركة بين أبناء المجتمعات العربية من غلاء وارتفاع الأسعار، وشُح الرواتب، إضافةً لمشكلات الفساد والمحسوبيات في الانتخابات البلدية، وسواها من آفات اجتماعية تعيق طموح الشباب العربي لتحقيق أحلامه بعيش كريم وعدالة اجتماعية.

هذا العرض مؤشر كبير لتطور الدراما في سلطنة عمان، وفرقة الدن بذرة من بذور الحداثة التي تنمو اليوم باطراد في المدن الخليجية، فما كان هامشًا صار متنًا.

* كتبت الدراما التلفزيونية، وانتقدت أعمال البيئة الشامية وغيرها مثل «الهيبة» مع أنها نالت جماهيرية واسعة، ما هو سبب انتقادك ووجهة نظرك في الدراما السورية...؟ هل هي بخير وتؤدي دورها في ظل الإنتاج المتزايد..؟

- أولًا الدراما السورية مصطلح ملتبس وهو مصطلح أوجدته الصحافة الفنية الرخيصة وعمالها من الكتبة المرتزقة وعبيد نجوم التلفزيون، الدراما السورية هي أولًا المسرح وثانيًا السينما وثالثًا الإذاعة ورابعًا التلفزيون، أما إذا كنتَ تقصد الدراما التلفزيونية السورية فهي ظاهرة شاسعة ومترامية الأطراف، وكانت تشكل ظاهرة قوية في الإعلام المحلي والعربي إلى منتصف التسعينيات من القرن الفائت، أما اليوم فهي غير موجودة، وقد تمت إعادة تدويرها في السوق الميديائي الجديد، وتكريرها بما يلائم المواخير والأجنحة العسكرية للعائلات التي باتت تنتج نوعًا من العلف البصري التلفزيوني لحشود تقوم بابتلاع كل شيء.

دراما العنف والمافيا والتوحش هذه لم تعد دراما سورية، بل هي رديف لتوحش عالمي يرى البشر قطعانا هائجة وجائعة لدراما صفراء ودراما فضائحية تسعى في كل عمل جديد منها إلى تقبيح المجتمعات وتزوير المدن وتشويه إنسانها وطمس هويته الإنسانية وفطرته الأولى البريئة.

* المشهد الثقافي في سوريا كيف تراه من منظارك كشخص له علاقة وثيقة بهذا الواقع؟

- المشهد الثقافي يعاني من الكومبارس الثقافي، وأولئك الذين يتم إيهام الجمهور بهم على أنهم مسرحيون وتشكيليون وكتّاب وسينمائيون ورسامون ونقاد ونحاتون وموسيقيون. للأسف الأصوات الفعلية هاجرت أو ماتت أو تم تهميشها وإبعادها عن المشهد، وهذا كله ناتج عن غياب إدارة ثقافية إبداعية على الأقل تعرف من هم المثقفون الفعليون، أو على الأقل تعرف كيف ترسم سياسة ثقافية. كأنه يتم اختيار القائمين على الثقافة عمدًا من الأميين والأكاديميين الجامعيين التحصيليين وذوي الثقافة الببغائية. هؤلاء من حيث يعرفون أو لا يعرفون كرسوا ذائقة واحدة في الكتاب واللوحة والمسرح والسينما والموسيقى، وهؤلاء الموظفون الكبار المشرفون على الثقافة هم حكام مكاتب لا أكثر، ويعلمون ليل نهار بكل صدق وتفانٍ لإبعاد أي مثقف عن المشهد الثقافي الذي يسيطر عليه الكومبارس من صغار الكتبة والمرتزقة وأصحاب الخط الحلو.

* للسينما حضور في أعمالك الأدبية وكتبت أكثر من فيلم، وهنا أتساءل عن بصيص الأمل الذي تحمله حبا بهذا الفن النبيل، كيف يمكن أن نبعث الحياة في السينما، وهل ستبقى السينما بأفلامها للمناسبات والمهرجانات أو حبيسة الأدراج..؟

- السينما جزء جوهري من الحراك الثقافي المؤجل والذي ختم عليه القائمون على الثقافة بعبارة (للتريث) انظر إلى الصالات السينمائية المعطلة والمهملة منذ سنوات وهي بالعشرات، انظر إلى صالات تحولت إلى مواخير! السينما سلسلة مترابطة تتضمن الإنتاج والتسويق وصالات العرض والجمهور، وهذه السلسلة تم قطعها منذ قرار حصر استيراد الأفلام بالمؤسسة العامة للسينما والذي تم التراجع عنه لكن بعد فوات الأوان، وبعد تدمير أحلام عشرات الموزعين والمنتجين الذين كانوا يعملون في هذا القطاع في سوريا في الستينيات والسبعينيات، أما اليوم فلدينا أفلام بلا صالات، وبلا جمهور، والأهم أنها بلا عائد مادي، بلا شباك تذاكر، بلا صحافة سينمائية نقدية. والأهم من كل ذلك أن المال الجاهل في سوريا لا يساهم في دعم قطاع السينما وكل الأعباء على عاتق المؤسسة العامة للسينما التي ساهمت إداراتها المتعاقبة في تطفيش العديد من المخرجين فيما يكافح من تبقى منهم للعمل في ظروف قاسية وقاهرة يسودها الفساد في مفاصل عديدة منها.

* وأنت تكتب عملًا مسرحيًا أو دراميًا، هل تتصور من سيقوم بهذا الدور وتختاره أنت أم يكون الأمر متروكًا للمخرج ليختار ما يناسب النص من ممثلين.. وكمخرج في المسرح وكاتب اعرف أن لك مقاييس صارمة في اختيارك للممثل لكي ينجح الدور، ما هي هذه المقاييس..؟

- لا مسطرة ولا وصفة ولا «راشيتا» في الفن والكتابة. عندما أكتب لا أتصور ممثلًا أو ممثلة، عندما أكتب أتصور شخصيات وليس ممثلين، فالشخصية أكثر خلودًا من الممثل، مطلق من كان هذا الممثل. اليوم الجمهور يعرف روميو وجولييت أكثر من كل عشرات الممثلين والممثلات الذين قاموا بأداء دور العاشقين الأبديين.

* غالبا في المسرح لا نرى نجوما من الصف الأول، إلا ما ندر.. ما هو السبب..؟

- من تتحدث عنهم معظمهم لا يعرف أين يقع المسرح، وهم عبارة عن موديلات ورجال أعمال وموديلات الجنس. هم نجوم التلفزيون والمنصات التي تروج للمثلية والانحرافات النفسية ودراما القتل والسلب والنهب، دراما التوحش والدموية نجومها لا يؤمنون ولا يعرفون ولا يرغبون بالمسرح، فهو بالنسبة إليهم مكان لا يدر الأموال.

* المهرجانات المسرحية والسينمائية التي تقام كل عام في الدول العربية هل هي كافية لتنشيط الواقع المسرحي والسينمائي..؟

- المهرجانات العربية في المسرح والسينما في معظمها لديها أطقم دائمة من المدعوين والمدعوات، وهي شخصيات من محبي الأسفار وعشاق السيلفي والتسوق، ومعظم هؤلاء تتم دعوتهم بناء على علاقاتهم مع القائمين على هذه المهرجانات التي لا توفر مناخًا حقيقيًا للعروض السينمائية والمسرحية بقدر ما توفر إقامات دافئة ورومانسية لروادها. في الغالب تأتي هذه المهرجانات في أسبوع أو أسبوعين كي تلفق واقعًا ثقافيًا غير موجود، فالميزانيات الكبرى تخصص للفنادق والمكافآت وشركات الطيران فيما يرزح المثقف والفنان العربي في الحاجة والفاقة والعوز والإهمال، إلا إذا أحب مهرجان من المهرجانات التزين بهذا الفنان أو الفنانة أو الكاتب أو الكاتبة وهم على حافة قبرهم، فيتم تكريم هؤلاء لإعطاء شرعية للمهرجان ولتبييض صفحة القائمين على التظاهرة.

* هل سنرى ما كتبت وأبدعت بين دفتي كتاب ذات يوم، سواء في الدراما أو الشعر أو المسرح أو القصة..؟

- لدي كتب عديدة في النقد المسرحي والآن لدي مسرحية بعنوان «الخوف» سوف تصدر عن دار لارماتان بباريس بترجمة فرنسية، وهي المسرحية التي حازت على جائزة الدراما الأوروبية «الأورودرام» في عام 2020 وقد قامت بترجمتها إلى الفرنسية المترجمة السويسرية والمستعربة الفرانكوفونية مارجريت جيفل مطر. ولدي كتاب ضخم عن مسرح الحرب في سوريا أتوقع خروجه إلى الضوء قريبا.