No Image
ثقافة

الزهراء الجهضمية

31 مارس 2023
رواد الأدب العماني
31 مارس 2023

قصة فتح عمورية في عهد المعتصم العباسي من غرر التاريخ، حيث نادت امرأة مسلمة أخذها الروم العلوج أسيرة «وامعتصماه»! وهي العلوية الهاشمية المأسورة من قبل الروم، فلبى نداءها، ولم يصغ للمرجفين ولا المثبطين ولا المنجمين الذين أرادوا أن يثنوه عن عزمه على القتال في ذلك الوقت غير المناسب حسب زعمهم، حتى قال أبو تمام قصيدته المشهورة التي مطلعها:

السيف أصدق أنباء من الكتب

في حدِّه الحدُّ بين الجدِّ واللعبِ

يا يوم وقعة عمورية انصرفت

عنك المنى حفلا معسولة الحلبِ

وقد فتحها المعتصم كما يقول ياقوت في معجم البلدان سنة 223هـ وحين استنجدت به، ثم فتح أنقرة على إثرها وكلاهما في تركيا اليوم.

وقد وقعت في الفترة نفسها تقريبا معركة قريبة منها إلا أنها مجهولة إلا من القلة المهتمة بتاريخ عُمان وسقطرى واليمن، فقد كانت سقطرى الواقعة في بحر العرب (المحيط الهندي) تابعة للمهرة اليمنية ولغتها مهرية حميرية، ثم دخلت المهرة وحضرموت في الإسلام في آخر العهد النبوي، ثم ارتد معظم الجزيرة العربية بما فيها حضرموت والمهرة، وأخضعها خالد وعكرمة في عهد أبي بكر الصديق، وكانت المهرة من نصيب عكرمة الذي أعادها إلى رحاب الإسلام، وبما أن المهرة كانوا أيضا يحكمون سقطرى وبينهما وشائج القربى فإن الدعوة الإسلامية انطلقت من هناك.. وتركت أهل سقطرى -الذين كانوا قد اعتنقوا النصرانية من قبل- أحرارا في تقبل هذا الدين الجديد، وبقيت لهم كنائسهم وقسسهم، وبخاصة في المناطق الجبلية بينما أسلم أهل السواحل ومدنها.

وقد وقعت سقطرى عام 131هـ تحت حكم الجلندى بن مسعود من عُمان، حيث كانت الإباضية قد أقامت لها دولة هناك، سرعان ما قضت الدولة العباسية عليها وعادت عمان وحضرموت والمهرة وسقطرى إلى حكم العباسيين، لكن ما لبثت الدعوة الإباضية أن قويت شوكتها مرة أخرى وتمت البيعة للصلت بن مالك الخروصي عام 237هـ، وامتدت دولته إلى المهرة وسقطرى، وكان واليه على سقطرى القاسم بن محمد الجهضمي الشمدي (من أهالي سمد الشأن بعمان) وتمالأ بعض نصارى سقطرى مع نصارى الحبشة الذين هجموا على سقطرى في جيش لجب واحتلوها عام 253هـ وقتلوا حاكمها وعددا من أفراد أسرته ورجاله، وساقوا النساء والأطفال سبايا، وكان من بين السبايا الزهراء فاطمة بنت حمد بن خلفان الجهضمية، حيث كانت في زيارة قريبها الحاكم مع والدها وأفراد أسرتها.

وأنشدت الزهراء التي عرفت بالزهراء السقطرية قصيدة عصماء تستغيث وتستنجد بالإمام الصلت، وطوت القصيدة في أنبوبة فحملتها الأمواج حتى مرسى صحار، كما تقول الرواية، فظفر بها صياد كان يصيد السمك في قاربه فحملها إلى الصلت الذي اهتز عندما سمع القصيدة، وفعلت فعلها في نفسه؛ فثار ثورة الضرغام، وصال صولة الغضنفر المقدام، وقام بكل ما يفرضه عليه منصبه وواجبه من عمل، فجهز جيشا قوامه مائة سفينة مجهزة بالعدة والعتاد، وعين عليه خيرة المجاهدين الشجعان، وزودهم بكتاب عبارة عن دستور تنظيمي ينتهجون نهجه إداريا ودينيا، يعتبر من أرقى ما كتب في الشؤون الدولية الإسلامية وبخاصة في محاربة الأعداء وكيفية معاملتهم وهي تمثل قمة عالية لم تصل إلى جزء يسير منها مواثيق الأمم المتحدة وعصبة الأمم في القرن العشرين. وتم النصر للجيش المسلم، فأصبح العدو بين قتيل وجريح وأسير، فأخذوا البلاد وهزموا الأعداء ورجعوا ظافرين مستبشرين ومن ينصر الله ينصره. وحررت الجزيرة وأعادت الزهراء ورفيقاتها وكافة الأسرى إلى رحاب الحرية. وهكذا خلد التاريخ اسم الزهراء كما خلد سيرة الإمام المجاهد الصلت بن مالك الخروصي -رحمه الله-، فمن لنساء المسلمين الآن في شرق الأرض وغربها وهن يتجرعن مرارة الذل والهوان على أيدي الطغاة والمستبدين والمجرمين، فكم من زهراء تستغيث اليوم ولا صلت لها.

أما النص فهو:

قل للإمام الذي ترجى فضائله

ابن الكرام وابن السادة النجب

وابن الجحاجحة الشم الذين هم

كانوا سناها وكانوا سادة العرب

أمست سقطرى من الإسلام مقفرة

بعد الشرائع والفرقان والكتب

واستبدلت بالهدى كفرا ومعصية

وبالأذان نواقيسا من الخشب

وبالذراري رجالا لا خلاق لهم

من اللئام علوا بالقهر والغلب

جار النصارى على واليك وانتهبوا

من الحريم ولم يألوا من السلب

وأخرجوا حرم الإسلام قاطبة

يهتفن بالويل والأعوال والكرب

قل للإمام الذي ترجى فضائله

بأن يغيث بنات الدين والحسب

كم من منعمة بكر وثيبة

من آل بيت كريم الجد والنسب

تدعوا أباها إذا ما العلج هم بها

وقد تلقف منها موضع اللبب

وباشر العلج ما كانت تضن به

على الحلال بوافي المهر والقهب

أقول للعين والأجفان تسعفني

يا عين جودي على الأحباب وانسكبي

ما بال صلت ينام الليل مغتبطا

وفي سقطرى حريم بادها النهب

يا للرجال أغيثوا كل مسلمة

ولو حبوتم على الأذقان والركب

حتى يعود عماد الدين منتصبا

ويهلك الله أهل الجور والريب

وهذا النص يصلح أن يكون من ضمن فن رثاء المدن إثر سقوط سقطرى بيد النصارى الأحباش، وازدهر رثاء المدن بسبب ضعف الدولة وسقوط المدن بيد العدو، ويتميز بخصائص أهمها: وصف الحادثة وتطورها (وصف سقوط المدينة)، والمقارنة بين حاضر المدينة التعيس وماضيها الجميل، وذكر الذل والهوان والخسارة والعنف الذي حل بالمدينة المنكوبة، وربط ذلك بالدين فسبب تركه كان الانهيار، وبيان أثر الانهيار على الإسلام ودولته، ودعوة المسلمين للتيقظ والجهاد، كما يتميز بالتأثير العاطفي ومظاهر الحزن، ولا يخلو من الحكمة، ويحمل هذا الرثاء عموما بين ثناياه مزايا الفقيد، ويبين انكسار الفؤاد من شدة اللوعة والحسرة والألم على فقد حبيب أو المدينة، وأثر فقده على الشاعر والدنيا.