No Image
ثقافة

أبزون العماني

30 مارس 2023
رواد الأدب العماني
30 مارس 2023

أبو علي أبزون بن مهبرد الكافي الفارسي الأصل العماني المنشأ المجوسي الديانة، (ت 430هـ/ 1056م)، وأفرد الباخرزي في كتابه «دمية القصر» لأبزون ترجمة تحت عنوان «الكافي العماني» أثبت له فيها (52) بيتا، وأشار إلى إعجابه بشعره بقوله: «وكنت أسمع له بالفقرة بعد الفقرة، فأفتقر إلى أخواتها ويلتهب حرفي إلى إثباتها..» وأشار إلى أنه «من أهل عمان»، ومقامه بجبل من جبال (عمان)، وخبر أبي الحاجب محمد بن أحمد وتحصله على شعر أبزون بالذهاب إليه والاجتماع به في (عمان).

يقول إسماعيل بن حمد السالمي الذي جمع له ديوانا بـ37 قصيدة صدر عن مطبعة إبراء عام 2009م حول علاقته بشعر أبي علي الكافي يقول السالمي في مقدمة الديوان: قبل أن يصدر كتاب «المذكرة في الأدب العُماني» بفترة تتجاوز السنوات كنت قد تعرفت على شعر أبي علي الكافي، وقد توفرت لدي في ذلك الوقت مختارات من أشعاره فأضفتها في كتاب المذكرة الذي صدر عام 1997 م، ومنذ ذلك الوقت وأنا أتلقف ما أحصل عليه من شعره آملا أن أستطيع إصدار ديوان شعر له. ويضيف السالمي: «كم كنت سعيدا عندما اطلعت أن له ديوان شعر مخطوطا في القاهرة، ولكن إلى حد الآن لم أطلع عليه».

وينسب أبزون لبلدة كران الفارسية القريبة من مدينة سيراف، وارتحل من فارس بعدها فعاش في العراق، وحين امتد سلطان بني بويه إلى كرمان وعمان، حيث عمل أبزون معهم، وهو في شعره يمدح أمير (عمان) ناصر الدولة، وبشكل عام فإن سلطان بني بويه على (عمان) قد بدأ سنة 363هـ/ 973م بعد معركة ضارية مع الإمام حفص بن راشد، ويشير مايلز إلى أن عامل بني بويه اتخذ من الرستاق مقرا لحكمه، وكان له مساعد أو نائب مقره نزوى، وإذا صح ذلك فإن أبزون مع حامية النائب أو المساعد. وتروي المصادر الأدبية أن إقامته كانت بجبل من جبال (عمان) وقرب نزوى، وعلى هذا تكون إقامته بـ (الجبل الأخضر) ذلك الموقع الذي يتميز بمنعة طبيعية لحصانته ووعورة الوصول إليه، وإقامة الحامية البويهية بالجبل الأخضر يكشف لنا عن مدى ما تلاقيه من صعوبة في الاحتكاك بالمواطن العماني، وأنها فضلت البقاء بمعزل عنه في الجبل الأخضر بحيث تتمكن أيضا من بسط سيطرتها السياسية، لذا فهو شاعر عماني النسبة، وظل ينتقل بينهما حسب تقلبات الأحوال فهو القائل:

وإذا الأماني لم تنلها مُعرِقاً

فاثن العنان وسر تَنَلها مُعمِنا

لذا عاش «معرقا» و«معمنا»، ولم يكن بالهين عليه ترك بلده عُمان ويقرن مفارقته لها بمفارقته الشباب ويسر الحال والأهل والأصدقاء فهو يقول:

فارقت أربعة لها يهوى

المنية من يفارق

شرخ الشبيبة والغنى

وعُمان والإلف الموافق

ولكن ما الذي دعاه للتغرّب ومفارقة كل ذاك؟ نستنبط الجواب من شعره، فهو يقول:

ما جر هذا الخطب غير تغربي

ومن التغرب ما أذل وأهونا

أزكى بقاع الأرض وهي فسيحة

ما كان سرب العيش فيها آمنا

وتعصره اللوعة ويصل به القنوط أعلى مراتبه حين يقول:

تأبى قبولي أيُّ أرضٍ زرتها

قدمي رجائي وافتقاري سائقي

فكأنّما الدنيا يدا متحرِّزٍ

وكأنني فيها وديعةُ سارق

فما كان عليه بعد أن ساءت حاله إلا التوجه إلى العراق الذي كان في القرن الرابع الهجري حاضنة فكرية وثقافية:

وإذا أَحَبَّتني العراقُ فَهَيِّنٌ

عندي إِذا نشزَت عليَّ عمانُ

لكنه يعود إليها ليقول:

ها أن أرض عُمان أنفس بقعةٍ

ومؤيد السلطان أكرم صاحبِ

ما زال إما في صدور مجالس

يبني العلا أو قلوب مواكب

وإلى أياديه صرفت مطامعي

وعلى معاليه وقفت مطالبي

ويرى باحثون أنه ظل محتفظا بديانته المجوسية طوال مكثه في عمان رغم أننا نرى في بعض أشعاره تعاطفا مع الرموز الإسلامية ومنها قوله:

للهِ درُّ المكرميّين الأُلى

خَرَّ الكرامُ لهم على الأذقانِ

الناصحين الملك علماً منهمُ

إن النصيحة حليةُ الإيمان

والسالكين بحُبِّ آل محّمدٍ

سُبُلَ الهدى في السرِّ والإعلان

فمديحهم سَبَبٌ إلى نيل العُلا

وولاؤهم «حرزٌ» من الحدثانِ

وهو القائل بمفردات إسلامية:

حَرٌّ لو أنَّ المشركين بلوا به

فيما مضى لم تعبدِ الأوثانُ

استطاع الإمام راشد بن سعيد أن يسقط حكم بني بويه، واعتقل أبا المظفر بن كاليجار أميرهم على عمان، وأعاد توحيد البلاد، عام (430هـ/1056م) وهو العام نفسه الذي توفي فيه أبزون العماني، وقد نتوقع قتل أبزون في ثورة العمانيين هذه، مما يفسّر لنا ما نجده في شعره من نبرة يائسة حزينة نتيجة للصراعات الواقعة بين أفراد أسرة بني بويه أنفسهم من جهة ورفض المجتمع العماني لوجود هذه الحاميات العسكرية المستعمرة من جهة أخرى، والتي كان الشاعر جزءا منها، فهو في قلق دائم لذا فهو على غير اطمئنان مع من يصافيه، كم في قوله:

قل كنت أرجوك للبلوى إذا عرضت

فصرت أخشاك والأيام للغير

أخشى وحكمي أن أرجو ولا عجب

وربما يتأذى الروض بالمطر

لكن أبزون يعرج في إحدى قصائده على أنه فارق عمان في مرحلة متأخرة من عمره، فهل هو وداعه الأخير لها حين يقول:

فارقتُ أربَعةً لها

يهوى المنيَّة من يُفارق

شرخَ الشبيبة والغنى

وعُمانَ والإلفَ الموافق

يغيب اسم الشاعر الكافي أبو علي أبزون بن مهبرد عن كتبنا العمانية، إلا أنه لم يغب عن كتب تراثنا العربي، وكما قلنا فقد قام الباحث إسماعيل بن حمد السالمي بجمع شتات ديوانه، كما أعد الدكتور محمد المحروقي دراسة حوله لعل أهم النقاط التي توصل إليها في دراسته لشعر أبزون:

يشكل شعر المديح للأمير ناصر الدين ووصف الطبيعة نسبة كبيرة من شعر أبزون، وتظهر على شعر أبزون نبرة القلق وعدم الإحساس بالأمان، واهتم أبزون بتوشية شعره بالبديع، ويتصف شعره بالقدرة العالية على السبك الشعري والاختزال، فلا نجد في شعره ثرثرة ولا تزويقات ولا تصنعا.

وسنسوق هنا نماذج من عطاء هذا الشاعر الكبير حسب الموضوعات التي تناولها:

أولا: المدح: فعمل أبزون في الحامية البويهية حري به أن يسلط جهوده في مدح بني بويه، ويعتبر نفسه رجلا ناصحا لهم حين قال:

أرضى ملوك بني بُوَيه بِنُصحِه

والنجحُ جسمٌ روحُه الإيمان

وقد قال مادحا:

ليهنِك أنَّ ملككَ في ازديادِ

وأنّ عُلاكَ واريةُ الزنادِ

وينقاد الملوكُ لك اعتقاداً

وما انقادوا لغيرك باعتقاد

ملكتَ رقابهم بأساً وجوداً

فهم مِلكُ السيوف أو الأيادي

ثانيا: وصف الطبيعة: ويرى بعض الباحثين أن معقل الحامية البويهية التي كان يعمل فيها كانت في الجبل الأخضر وهو ما أكسبه ميلا للكتابة عن الطبيعة والخضرة، ومنها قوله:

جاء الربيعُ وبحرك الفيّاضُ

فَغَدَت قفارُ الأرضِ وهي رياضُ

والروضُ أصبحَ بعد صفرةِ لونهِ

وبوجنتيه حمرةٌ وبياضُ

فانظر ترى الدنيا عروسَ منصَّةٍ

يصبيك بُردُ شبابها الفضفاضُ

ويقول مشتاقا:

أفي الركب قَلبي أم ترى سَبَقَ الرَّكبا

فلست أرى ما بين أحشائي القلبا

يذكّرني عهدَ الصِّبا ونسيمَهُ

نسيمُ الصَّبا من نحو نجدٍ إذا هَبّا

وماضي شباب ينثُر الدمع كُلّما

تصوَّرتُه في النفس أو ينظم الكربا

ومن غزله الجميل الرقيق قوله:

بأبي حبيب كلما عانقته

عادت إلي ّشبيبتي بعناقه

كالراح يجمع بين طيب نسيمه

وبهاء منظره وطيب مذاقه

أخلاقه نزه القلوب وبالحري

أن يستعير الروض من أخلاقه

أيقنت أن لا عيش غير لقائه

أبدا وأن لا موت غير فراقه

ومن حكمه:

الحرُّ أدنى ما يكون إذا نأى

والوغد أنأى ما يكون إذا دنا

والمرءُ يُولَعُ بالمُنى وبلوغها

والدهرُ يأبى ذاك ثُمَّ يُطاوع