ترجمة

بيتر سينجر فيلسوف الأفكار الجدالية (2-3)

28 يوليو 2021
28 يوليو 2021

أصبح الفيلسوف الأسترالي بيتر سينجر نباتيا في منتصف العشرينيات من عمره، بعد أن حكى له زميل من خريجي أكسفورد وهما يتناولان غداء من الاسباجيتي عن قسوة مزارع الحيوانات.

بعد سنوات قلائل، وتحديدا في عام 1973، اقترح سنجر على مجلة نيويورك لعروض الكتب [The New York Review of Books] أن يكتب لهم مقالة بعنوان «تحرير الحيوان». فلم يكتف روبرت سلفرز -محرر المجلة العتيد- بنشرها، بل لقد أصبح هو الآخر نباتيا. وفي عام 1975، وسَّع سينجر مقالته إلى كتاب ترجم إلى عشرات اللغات وأسهم في الإلهام بحركة حقوق الحيوان الحديثة.

بيتر سنجر، البالغ من العمر أربعة وسبعين عاما، مؤلف سبعة عشر كتابا ومحرر أو مشارك في تحرير دزينتين أخريين من الكتب. كتب عن الميلاد والموت، وهيجل وماركس، والفلسفة السياسية والعولمة، وموضوع أخرى كثيرة. (أصدر للتو طبعة حديثة من الجحش الذهبي لأبوليوس، وهي رواية رومانية من القرن الثاني الميلادي قال لي إن بالإمكان قراءتها قراءة «رواية مغامرات» موضحًا أن «الكاتب لديه تعاطف واضح مع الحيوانات»). يصف سنجر نفسه بالعواقبي consequentialist، أي المؤمن بوجوب الحكم على الأعمال وفقا لعواقبها. كان بيتر سنجر قد عبَّر في مقاله «المجاعة والوفرة والأخلاقية» سنة 1972 ثم في كتابه «الحياة التي يمكنك إنقاذها» سنة 2009 عن أفكاره حول التزامنا الأخلاقي بمساعدة مدقعي الفقر، وهي أفكار تأسيسية في حركة الإيثارية الفعالة التي تشجع شعوب الدول الثرية على تقديم تبرعات ضخمة للأعمال الخيرية الرامية إلى تحسين حياة أكثرية الناس. كما أثَّرت أفكاره تلك على حركة «عهد العطاء» التي أطلقها وارين بوفيت وبيل جيتس وميلندا جيتس.

اكتشف آخرون أعمال بيتر سنجر بسبب ما أثارته من جدل. ففي كتابه «أخلاقيات عملية» سنة 1979 ذهب إلى أحقية الآباء في إنهاء حياة الأطفال حديثي الولادة من ذوي الإعاقات الجسيمة. فأخذت المظاهرات ـ في العقود التالية -تقاطع محاضرات له أو تؤدي إلى إلغائها. في عام 1999 احتجت جماعة «لم نمت بعد» [Not Dead Yet] لحقوق المعوقين على تعيينه في جامعة برينستن التي لم يزل أستاذا يدرِّس فيها. وفي تلك السنة كتب عنه مايكل سبنسر مقالا عميقا في هذه المجلة [أي ذي نيويوركر] بعنوان «الفيلسوف الخطر». وفي يوم جمعة [من شهر أبريل] الماضي أطلق سينجر وزميلان له مجلة أكاديمية تحمل اسم «جريدة الأفكار المثيرة للجدل» [Journal of Controversial Ideas].

قضى سنجر العام الماضي في بيته بملبورن مع ريناتا، وهي زوجته منذ اثنين وخمسين عاما. قال لي: إنه يفتقد رؤية أبنائه ومعانقة أحفاده لكن «لعلي أنجزت من العمل أكثر مما كنت لأنجزه في عام طبيعي». كما مارس التزلج على الماء [وهي رياضة تعرف بالركمجة، والكلمة العربية مسكوكة من كلمتي «ركوب الموج» surfing]، وهي هواية اكتسبها منذ الخمسينيات. في جلسات حواراتنا الثلاثة عبر الفيديو، كان يحدثني من غرفة مكتب بيضاء ممتلئة من الأرض إلى السقف بأرفف الكتب. وتم تحرير حوارنا مراعاةً للطول والوضوح.

***

* تحدد في كثير من كتبك أكاديميين ذكور بيض يستولون (وما من تعبير أخف من هذا) على حيز كبير من فضاء الحوارات الثقافية، ومنهم على سبيل المثال جوشوا جرين وستيفن بينكر وتيموثي جارتن آش ومايكل ساندل وبينيدكت آندرسن وجون رولز. ولأن الكثير من أعمالك تتناول موضوع المساواة، أتساءل إن كان ثمة شيء ما قد ظهر على رادارك.

- تلك هي الطريقة التي تعلمت بها، في ظني، والتي لم تزل شديدة التأثير في الأفكار التي أتفاعل معها. من المؤكد أنني عملت مع الكثير من الفلاسفة غير الذكور، لكنهم بصفة عامة كانوا من البيض. عندي مشروع الآن حول قضية سكان العالم، مع أليكس إيزه Alex Ezeh، وهو نيجيري متخصص في الديموغرافيا، يعمل في جامعة دريكسل. عملت مع باسكال كاسيمبا Pascal Kasimba حين كنت في جامعة مونساه، وهي من أصل إفريقي، على مشروع يتعلق بأطفال الأنابيب. كما شاركت في كتابة أبحاث مع أشخاص من أصل أسيوي، فعملت مع يو كوانج نجي Yew-Kwang Ng مثلا. لكني عليَّ أن أقول إنني أريد أن أعمل مع أشخاص تكون أفكارهم على مستوى النقاش الذي يهمني، وأن أحقق تقدما. لو أنك تفكر في أعمال الأفارقة على سبيل المثال، فأنا لا أعرف أعمال الكثيرين منهم مما -لا أعرف كيف أقول هذا- مما يسهم في النقاش نفسه الذي ينخرط فيه من ذكرتهم أنت للتو.

* ثمة فارق كبير بين «لم أعثر عليهم بعد» وبين «لعلهم غير موجودين». هل تعتقد أنه نقص في البحث؟ أم نقص في الحضور في الفلسفة وفي المجالات التي تعمل فيها؟

- ثمة ولا شك نقص في تمثيل متخصصي الفلسفة الأفارقة والأمريكيين الأفارقة. لا جدال في هذا في مجال الفلسفة الذي أعمل فيه. وثمة نقص في تمثيل النساء، برغم أنني أعتقد أن هذا يتغير.

لقد حاولت تشجيع النساء في الفلسفة طوال مسيرتي. لكن لم يزل ثمة نقص في التمثيل. كنت الرئيس المؤسس للاتحاد الدولي للأخلاقيات البيولوجية، في أوائل الثمانينيات، وحاولنا بجد شديد أن نحقق تمثيلا عالميا. فلا أقول إنني لم أبحث، ولكن الحق أن ذلك لم يكن بين أولوياتي.

* أعتقد أن هذا سؤال جدير بالطرح، لأن في أعمالك لحظات تذهب فيها إلى أنه لا بد من حدوث تحول في سلطة صنع القرار ابتعادا عن المنظمات غير الحكومية الضخمة النافذة وباتجاه المجتمعات الأكثر فهما لاحتياجاتها. وأتساءل إن كان يمكن أن تساعدك المناظير الدولية على تحقيق رؤية العطاء الفعال ومكافحة الفقر العالمي. أفكر على سبيل المثال في أمارتيا صن بوصفه اقتصاديا يستعمل أطرا فلسفية في وصف الفقر والاستجابات الصحيحة له.

- نعم، لكن كثيرا ما يبدو لي الذين يكتبون مثل هذه الأشياء -وأمارتيا صن مثال جيد لهم- أقرب على مستوى الروح لا الفكر من النخب الغربية منهم إلى الفقراء في القرى الريفية. ولست متأكدًا إن كانت خلفية صن الهندية قد تركت أثرا كبيرا في كتابته. هذا سؤال لك أن تتأمله.

لعلي نأيت عن مناقشة العلاقات العرقية في أمريكا وذلك في المقام الأكبر لأنني لست أمريكيا، وأشعر أن من عملوا طويلا في هذه المسائل لديهم ملكة أقوى من التي لدي. ولم أزل أشعر أنني غريب عن هذا النقاش.

* اقتربت هنا وهناك في كتاباتك من قضية الهجرة، والهجرة جزء من تاريخك العائلي. لكنني سمعتك تقول في بودكاست إنه قد يكون لزاما علينا من الناحية الأخلاقية ألا نفتح الحدود، لأن فتحها قد يؤدي إلى انتكاسة تصل بأمثال دونالد ترامب إلى السلطة. كانت نظرة شديدة الغرابة إلى الأمر. ما رؤيتك للهجرة؟ ما الذي ينبغي أن نفعله؟

- لا أظن أنك يجب أن تندهش هكذا، في ضوء أنني عواقبي. في عالم مثالي كان ينبغي علينا أن نفتح الحدود، ولا جدال في ذلك. أعتقد أن ذلك كان ليفضي إلى عواقب كثيرة جيدة، وكان ليمكن اللاجئين من الابتعاد عن القمع والإبادة والجماعية. وواضح أن أبوي فعلا هذا، وهذا سبب وجودي أنا.

لكنني رأيت آثار الأنظمة التي تفتح الحدود، أو تفتحها تقريبا. كنت عضوا مؤسسا في حزب الخضر الأسترالي Australian Greens الذي رأى أننا يجب أن نقبل من يعرفون بـ«ناس القارب» من أفغانستان وإيران وأماكن أخرى من طالبي اللجوء إلى أستراليا في الثمانينيات والتسعينيات. ولفترة رأى حزب العمل ذلك الرأي. ثم تبين أن المحافظين استغلوا تلك الموضوعات للقول بأن الناس المختلفين سوف يغرقون أستراليا، وأعتقد أن حزب العمل دفع ثمن ذلك في انتخابات فيدرالية مرة واحدة على الأقل. ثم إنك ترى العواقب السيئة الأخرى لذلك: وهي لا تقتصر على إغلاق الحدود، ووضع اللاجئين في معسكرات اعتقال رهيبة، وذلك ما فعلته الحكومة المحافظة، بل ولقد عارضوا عمل أي شيء على صعيد التغير المناخي. وقلَّلوا المعونات الأجنبية، وضيَّقوا على المستشفيات والمدارس والجامعات. ثمة ثمن حقيقي لهذا.

وكان على الاتحاد الأوروبي أن يدرك ذلك أيضا. فوجدتْ حكومات يمينية في المجر وبولندا وإيطاليا لبعض الوقت. وواضح أن الهجرة كانت عاملا في انتخاب ترامب في 2016. لذلك، كعواقبي، أعتقد أنه لا بد من سياسات تنطوي على بعض القيود.

* لا بد أنه معيار يصعب التقيد به - فلا تستطيع أن تناصر مواقف قد يأخذها عليك خصومك السياسيون. لدينا حاليا في الولايات المتحدة حوار حول شعار «أوقفوا تمويل الشرطة»، أو حول حركة إلغاء السجون. أصارع فكرة أن العواقبي قد يقول إننا يجب ألا نتيح لهذه الحركات الكثير من الدعم، لأنها قد تؤدي إلى انتكاسة.

ـ إذن كنت تريد من بايدن، قبل انتخابه، أن يقول «إنني أقر إيقاف تمويل الشرطة».

* لا، لكنني أعتقد أن حضور «أوقفوا تمويل الشرطة» في جدالنا جول العدالة الجنائية أمر مهم، وأن النقاش حول إلغاء السجون مهم، حتى أن استخدامه المحافظون من دعاة «القانون والنظام» ضد أي شخص في الحزب الديمقراطي. لا أستطيع أن أتخيل نفسي مؤيدا لمحاولة إيقاف نهج أكثر راديكالية أو رؤيوية.

ـ أنا لا أريد إيقاف تلك الحركة. لقد أنشأت «جريدة الأفكار المثيرة للجدل» لأنني عظيم الإيمان بحرية الكلام وحرية التعبير. لكنني أيضًا لا أريد لحزب تقدمي أن يهدر فرصه في الحكم بتبنيه أفكارا من الواضح أن الناخبين يرفضونها.

* إذن نظام العمل هو تغيير القلوب والعقول ثم تغيير السياسات. لا تتوقع أن تغير السياسة قناعات الناس.

ـ نعم، هذا صحيح. لقد ذهب جيريمي بينتهام Jeremy Bentham -قبل سن قانون الإصلاح سنة 1832 في بريطانيا- إلى وجوب أن يشمل حق التصويت جميع الرجال. وكتب إلى زملائه قائلا: إنه كان ليضم النساء إلى القانون، لولا خوفه من التسفيه، فيخسر من ثم فرصة نيل الحق المطلق للرجال في الانتخاب. وإذن فقد كان واعيا تمام الوعي لمثل هذه الحجة. كما كتب بنتهام العديد من المقالات المناهضة لتجريم اللواط، لكنه لم ينشرها قط في حياته، للسبب نفسه.

* هل يعني هذا أن رؤيتك للعواقبية تقتضي مستوى معينا من الاعتدال سياسيا، فتأخذ دائما بعين الاعتبار الانتكاسة المحتملة والتقدم الذي يمكن إحرازه أو خسرانه، في حال تبني الحجة الخاطئة؟

- نعم، بالتأكيد. يمكنني القول إنه لا بد لهذه الرؤية من تحقيق مستوى معين من الواقعية، بدلا من الاعتدال. ولكن الواقعية في بعض الأحيان تفرض الاعتدال.

* كنت أريد أن أسألك عن كتابتك حول الإعاقة، ورؤاك لما يسمح للأبوين بعمله لو ولد لهما طفل ذول إعاقة. هذه المجموعة من الأفكار جعلتك مثيرًا جدًا للجدل، وغير ذي شعبية في بعض الدوائر. وأتساءل إن كنت ندمت قط على خوضك هذا الغمار، لأنه يحتمل أن ينفر الناس من أفكار أخرى لك.

- نعم. تساءلت إن كانت الآثار جيدة أم سيئة. وقعت أولى الاحتجاجات العامة على أفكاري بشأن الإعاقة في ألمانيا، ابتداء من 1989. وبعد كل الانتباه الذي حظيت به بعد الاحتجاجات، وأغلبه من وسائل إعلام شديدة الانتقاد، ومنها أن نشرت دير شبيجل على صفحتين صورا رهيبة لشاحنات محملة باليهود متجهة إلى معسكرات الاعتقال - تضاعفت المبيعات عشرات المرات. صارت رؤاي في ألمانيا أشهر كثيرا. ومثلما تقول، صرت غير ذي شعبية في بعض الدوائر، وألغيت بعض محاضراتي. أمر مؤسف أن يربط بيني وبين ما يعرف بالآراء «التمييزية» ableist، وبالطبع في ألمانيا ربط بيني وبين ما عرف بالبرنامج النازي للقتل الرحيم. فليس الأمر أنني لم أندم قط. فقد ندمت. لكنني في أوقات أخرى حينما أتأمل الأثر الكلي، لا أجدني واثقًا أن الأمر كان سيئا. ترد إليّ رسائل، سواء من أصحاب إعاقات أو آباء لمعوقين، يناصرون رؤاي.

* هل يمكن أن توجز أفكارك آنذاك، وما إذا كانت قد شهدت أي تغيير؟

ـ رؤاي آنذاك كان مفادها أنه يجب أن يتاح لآباء الأطفال من أصحاب الإعاقات الجسيمة خيار إنهاء حياة طفلهم، بعد ميلاده فورًا أو بمجرد الاستقرار على تشخيص حالته تشخيصا لائقا. ليس صحيحًا أنني أؤيد القتل الرحيم للرضَّع المعوقين. ليس صحيحًا أنني أعتقد أن الرضع المعوقين يجب قتلهم. ولكنني أعتقد أنه يجب أن يتاح الاختيار للآباء.

دعني أقل شيئين لهما علاقة بذلك. أولا، الآباء لهم فعلا حق الاختيار في الوقت الحالي في كل بلد يسمح بالإجهاض حينما يظهر تشخيص ما قبل الولادة أن هناك إعاقة. وأنا لا أفرق تفرقة كبيرة بين إجهاض الجنين وقتل الوليد. فالذين يستصوبون للنساء الإجهاض يجب أن يبينوا لماذا يوجد فارق كبير بين جنين قبل الولادة ووليد بعد الولادة. ثانيا، للآباء في الوقت الراهن خيار سحب دعم الحياة من الطفل ذي الإعاقة الجسيمة. أعتقد أن هاتين الحالتين كلتيهما تنطويان تماما على مثل الموقف الذي أناصره تجاه الإعاقة. يمكنك القول إن هذه فكرة تمييزية ableist. ولكن البعض قالوا إنني لا أعدو كوني ممثلا للمجتمع التمييزي ableist كله، وهو المجتمع الذي يناصر تينك الحالتين. وأعتقد أن هذا صحيح.

أعتقد أنه من الخطأ التمييز ضد المعاقين في التوظيف والإسكان أو غيرهما من المجالات التي لا تكون للإعاقة أهمية في قدرتهم على أداء العمل. وأناصر تماما حقوق المعوقين في هذه المجالات، وأناصر حضورهم في المدارس الطبيعية. وأعتقد أنه من الخطأ تماما الظن بأنني معارض للمعوقين على نحو ما. فهذا تحديدًا أمر يتعلق بالقتل الرحيم للرضع حديثي الولادة، من غير القادرين على قول أي رأي في شكل الحياة التي يريدونها، أو ما إذا كانوا يريدون أن يعيشوها.

* لا بد أن أقول إن المقارنة بين الإجهاض في الشهر السادس وقتل الرضع هي من الحجج التي يمكن أن يستعملها ضدك خصومك السياسيون، وأنها من الحجج التي كما كنا نقول قبل دقيقة غير جديرة بالطرح بسبب ردود الفعل السلبية المحتملة.

ـ قطعا، ويسعدني أن جو بايدن لم يطرحها قبل الانتخابات الأخيرة! ولا أدعو أي حزب سياسي له فرصة حقيقية في تبني تلك السياسة، برغم أن ذلك في بعض أماكن العالم ليس جنونيا للغاية. فهي في الواقع سياسة عامة متبعة في هولندا.

* هارييت مكبرايد جونسن Harriet McBryde Johnson محامية حقوق المعوقين التي ناظرتك وكتبت مقالة لافتة في مجلة تايم سنة 2003، كان لديها الكثير من الانتقادات، ولكن الانتقاد الذي بقي معي يتمثل في فكرة أنك قد لا تكون في موقف يسمح لك بتقدير ما إذا كان في حياتها من المعاناة أكثر مما في حياتك أنت، أو ما إذا كانت هي أسوأ حالا منك، وأنه قد يكون ثمة عنصر ذاتي متأصل في أي حساب للمعاناة.

ـ أتفق تماما مع هذا. وأناصر بالطبع حق هارييت في الاستمرار في الحياة وفي امتلاك أفضل حياة بوسعها امتلاكها. وموتها كان خسارة محزنة. [فهارييت جونسن التي بدأت مقالتها في مجلة تايم بقولها «إنه يصر أنه لا يريد أن يقتلني» ماتت سنة 2008 في نومها عن عمر خمسين سنة]

لكن ذلك لا يساعد الآباء الذين يحاولون أن يقرروا لوليدهم، لأن وليدهم ليست لديه الذاتية للتعبير عن رأيه في الأمر. عليهما هما أن يتخذا القرار. سألتني من قبل إن كان موقفي قد تغير. لم يتغير جذريا، لكنني أتقبل تماما المأخذ الذي أخذته علي هارييت وآخرون ـ وهي أنه ليس جيدا بالقدر الكافي بالنسبة للأبوين اللذين يدرسان هذا القرار أن يتحدثا إلى أطبائهما. يجب أن يتحدثا مع أشخاص معاقين بالإعاقة التي لدى ابنهما، فإن لم يتيسر هذا، إذا كانت الإعاقة ذهنيا، فمع آباء أطفال لديهم تلك الإعاقة. أقبل في مجتمعاتنا هذا الانحياز، أفكر، أوه، ما كنت لأحب أن أعيش تلك الحياة. في حين أنك لا تعرف في الحقيقة كيف هي تلك الحياة تقريبا مثل من يعيشونها أو مثل آباء من يعيشونها. وبالمناسبة، هذا ينطبق أيضا على الإجهاض.

* هذا الانحياز الذي وصفته ـ افتراض أن المعوق أسوأ حالا ـ هل كنت تعرف هذا في نفسك وقت أن جرت تلك النقاشات؟

- نعم، إلى حد ما، أعتقد هذا. ظننت أن هارييت مثال جيد جدا لشخص عاش حياة ثرية ممتلئة بالرغم من إعاقة جسيمة. بالطبع لم تكن حالتها حالة إعاقة ذهنية. كانت في غاية الذكاء.

* هل غيرت هارييت رأيك بطريقة ما؟

- ربما قليلا. ربما قليلا.

يتبع

المحاور كاتب ومنتج إذاعي في نيويورك

نشر الحوار في ذي نيويوركر بتاريخ 25 أبريل 2021