ترجمة

الميكرُويَف، أحدث أدوات الحرب

07 أغسطس 2021
07 أغسطس 2021

يُظهِر الفيديو الذي أعدته شركة تقنية دفاعية ناشئة اسمها "إيبايَراس" سربا من ثماني طائرات مسيرة (بدون طيار) وهي تعبر ميدان رماية حكومي في نيفادا بالولايات المتحدة. وفيما هي تقترب، أطلقت محطة أرضية متحركة نبضة ميكرويف (موجة دقيقة) باتجاه الطائرات المهاجمة، فتساقطت من السماء مثل طيور ميتة.

هاهنا تقنيتان جديدتان هما من بين الأقوى في فنون الحرب. فالطائرات المسيرة الصغيرة والرخيصة والخفيفة الوزن تمثل"أجهزة التفجير المرتجلة" الجديدة والتي يمكن أن تهدد الأهداف العسكرية أو المدنية في أي مكان في العالم.

لكن إيبايراس، وهي إحدى الشركات الرائدة في تطوير تقنية دفاعية واعدة، تستخدم الطاقة الموجهة للموجات الدقيقة بهدف تعطيل الأجهزة الإلكترونية في الطائرات المسيرة.

الشيء الذي يمكن أن يكون ثوريا بشأن هذه المقاربة هو أنها، باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكنها استهداف تردداتٍ بنبضةِ طاقةٍ عاليةِ التركيز.

في البيان العملي المصور على الفيديو والذي شاهدته يمكن لنظام شركة إيبايراس واسمه "ليونيداس" تعطيل الطائرة المسيرة المعادية. لكنه في ذات الوقت لا يمسَّ الطائرات المسيرة الصديقة التي تبعد عنها بأقدام قليلة.

في مقدور نظام ليونيداس إسقاط الطائرات المسيرة الثابتة الجناح والكبيرة وأيضا طائرات "الكوادكوبتر" الضئيلة الحجم. ويقول مسؤولو الشركة أن نظامهم يمكنه تعطيل الدوَّار أو الكاميرا أو نظام الملاحة في الطائرة المسيرة أو حتى شفرة توجيه حركاتها الملحقة بها.

تباطأ البنتاجون في تبني هذه التقنية (تقنية سلاح الميكرويف) والتي شرعت الصين في تطويرها على مدى فترة تزيد عن عشرة أعوام. لكنه أخيرا أبدى تجاهها اهتماما جدا. فقد انضم لتوِّه وزير الدفاع السابق مارك إسبر إلى مجلس إدارة شركة إيبايراس. ويخطط البنتاجون لنشر أنظمتها المضادة للطائرات المسيرة مع القوات الأمريكية حول العالم هذا العام.

من جانبهم، يحاجج المتشككون بأن مقاربة إيبايراس لن تتأكد جدواها إلى أن تتضح فعاليتها في أجواء ميادين قتال فعلية ومعقدة.

توضح دراسة جديدة للقوات الجوية تحت عنوان (مستقبل الطاقة الموجهة 2060) الحاجة الماسَّة لهذه التقنية. جاء في الدراسة المذكورة "نحن نقترب من (أو إجتزنا) نقطة التحول التي تَمَسُّ عندها حاجتنا إلى قدرات الطاقة الموجَّهة واستخدامها في التنفيذ الناجح للعمليات العسكرية."

ظل البنتاجون في السابق يركز على أشعة الليزر كسلاح مفضل للطاقة الموجَّهة. لكن أشعة الليز ثقيلة وتتطلب الكثير من الطاقة ولا يمكنها اختراق السحب. وقد تستغرق فترة تصل إلى خمسة ثوان لتدمير الهدف.

أيَّد الآدميرال جيمس ويفيلد، وهو نائب سابق لرئيس هيئة الأركان المشتركة، تبني مقاربة الميكرويف البديلة (لأشعة الليزر) في مقال حديث دعا فيه إلى عدم تجاهل القدرات الدفاعية لطاقة الميكرويف القوية.

تنطوي بعض نسخ هذه التقنية على أخطار محتملة ومهمة. يعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين أن "متلازمة هافانا" التي أصابت دبلوماسيين أمريكيين في الخارج ربما كان سببها استخدام أعداء إشعاعَ الميكرويف. لكن لي مادين، الرئيس التنفيذي لشركة إيبايراس، يقول أن نظام شركته لا يمكنه إيذاء البشر لأنه، على خلاف الأنظمة الأخرى، لا يطلق أي إشعاع " مؤيِّن" ومُضرّا. فالإشعاع الناتج عن رقائقها الصلبة، حسبما يقول، مماثل لما ينبعث عن الهاتف الخلوي.

ومثلها مثل أية اختراقات تكنولوجية عديدة، يقف وراء هذه التقنية أشخاص غير عاديين. فجرانت فيرستانديغ، المؤسس المشترك للشركة هجر جامعة براون في السنة الدراسية الثانية عام 2009 وعلم نفسه التشفير والذكاء الاصطناعي. وفي العام التالي أسس شركة رعاية صحية استحوذتها في نهاية المطاف شركة "يوناتيد هيلث" العملاقة والتي عينته المسؤول الرقمي الأول بها في عام 2017.

في أثناء ذلك إلتحق فيرستانديغ، والذي كانت والدته توني فيرستانديغ مسؤولة مرموقة بوزارة الخارجية الأمريكية، بوكالة الأمن القومي كمستشار بدون راتب في عام 2014 وكمتخصص في تطوير تقنية التشويش ضد أجهزة التفجير المرتجلة والطائرات المسيرة. وخلال انشغاله بالأمن القومي كان شريكه في الاستثمار جون تينيت، إبن المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت.

عَيَّن الشريكان بو مار، أحد كبار الأخصائيين في أبحاث الطاقة الموجهة بشركة ريثيون، لمعاونتهم على تأسيس شركة إيبايراس في يوليو 2018.

يتذكر مار، الذي هو الآن كبير مسؤولي التقنية بالشركة، لحظة اكتشاف سلاح الميكرويف في عام 2019 عندما أدركوا أن الاختراق التقني المتمثل في تحويل موجات الميكرويف إلى أداة مضادة للطائرات المسيَّرة هو ما أطلقوا عليه اسم سمارت باوار (الطاقة الذكية) والذي ينطوي على استخدام رقائق نيتريت الغاليوم الفائقة الكثافة ولوغريثمات الذكاء الاصطناعي لتثبيت وتركيز وتوجيه الطاقة لذبذبات دقيقة.

إنها تقنية معقدة بالتأكيد. لكن يمكن الإحساس بحيوية أداء هذه الشركة الناشئة في فيديو عرضه لي فيرستانديغ . يصور الفيديو إختبارا للنظام في حديقة خلفية بضواحي لوس أنجلوس جرى خلاله تعطيل ثلاثة طائرات مسيرة.

وكما هي الحال مع العديد من التقنيات الدفاعية يمكن أن تنجم عن مقاربة شركة إيبايراس العديدُ من الفوائد المحتملة والمبهرة الأخرى (ولو أنه لم يتم التحقق منها بعد) .

شرح فيرستانديغ ذلك بقوله أن الموجات الدقيقة (موجات الميكرويف) ذات الطاقة العالية يمكنها حرق الكربون الموجود في انبعثات ثاني أكسيد الكربون. وهذه الطريقة أرخص بعشرة أضعاف من إزالة واحتجاز الكربون من الغلاف الجوي. كما أوضح كيف أن تقنية "الطاقة الذكية" في توجيه الإلكترونات يمكنها تقليل الوقت اللازم لشحن بطاريات السيارات الكهربائية من ساعات إلى دقائق.

وفي حديث لي معه قال فيرستانديغ "من يملك الطاقة الموجهة سيملك القرن الحادي والعشرين". هذا تفاخر متهور من جانبه. لكنه يقلب ترتيبات البنتاجون.

فإذا أمكن لموجات الميكرويف تعطيل الطائرات المسيرة من مسافة، سيكون بمقدورها قهر الحواسيب أيضا. وإذا أمكنها إسقاط طائرات كوادكوبتر مسيرة فلماذا لا تُسقِط صواريخ؟

بالنسبة للجيش. هذا عالم جديد ورائع. لكنه عالم خَطِر أيضا.