ترجمة

مسارات رحيل نتانياهو

11 فبراير 2024
11 فبراير 2024

ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

يودّ العديد من الإسرائيليين رحيل نتانياهو، ولكن لا توجد سبيل سهلة للقيام بذلك.

لا توجد آلية واضحة لفرض إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل. ولكنّ هناك طرقًا أخرى للإطاحة برئيس الوزراء الإسرائيلي.

يُعتقد على نطاق واسع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وسوف يضطر إلى التخلي عن منصبه بمجرد انتهاء الحرب ضد حماس في غزة. تاريخيًا، لا يحظى نتانياهو بشعبية في استطلاعات الرأي، ويُلقى عليه اللوم في الإخفاقات الحكومية والأمنية التي أدّت إلى هجوم 7 أكتوبر الذي نفذته حركة حماس، ومقتل ما يقدّر بنحو 1200 إسرائيلي واشتعال الحرب الصعبة التي تلت ذلك. ويواجه محاكمة طويلة الأمد بتهم فسادٍ متعددة.

أيضًا تحدى نتانياهو الرئيس بايدن فيما يتعلق بالجهود الأمريكية لإيجاد مسار ما بعد الحرب يفضي إلى حل الدولتين، بوجود دولة فلسطينيّة منزوعة السلاح إلى جانب إسرائيل. ومع أنّ فكرة إقامة دولة فلسطينيّة لا تحظى بشعبية بين الإسرائيليين، إلا أنّ تحدي واشنطن، في حدّ ذاته، يعدّ أمرًا محفوفًا بالمخاطر. لكن نتانياهو، البالغ من العمر 74 عامًا، والمعروف باسم «بيبي»، كان راقصًا رائعًا في مسرح السياسة الإسرائيلية المعقدة، بعد أن نجا من العديد من توقعات تنبأت بسقوطه. وفي الجانب الآخر، فإنّ إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل ليس مشرعا قانونيا حتى أواخر أكتوبر 2026. يقول (أنشيل فيفر)، المحلل في صحيفة هآرتس ذات التوجهات اليسارية: «نود جميعًا أن ننظر إلى ما بعد بيبي، لكن لا توجد طريقة لإجباره على الاستقالة».

والسؤال المطروح: كيف يمكن لنتانياهو أن يترك منصبه قبل ذلك الوقت؟

إليكم المسارات الأكثر احتمالًا، جنبًا إلى جنب مع مخاطرها.

المسار الأول: انهيار ائتلافه

إنَّ أبسط طريق للإطاحة بنتانياهو هو أن ينهار ائتلافه، فهو يحكم بـ64 مقعدًا في الكنيست المؤلف من 120 عضوًا. لذا فإن انشقاق خمسة أعضاء فقط من شأنه أن يسقط الحكومة، ويفرض إجراء انتخابات في غضون ثلاثة أشهر.

يرأس نتانياهو حزب الليكود، الذي حصل على 32 مقعدًا في نوفمبر 2022، وهو أكبر عدد من المقاعد بين الأحزاب الأخرى. وكان عليه لتشكيل حكومة إشراك خمسة أحزاب أخرى، بما في ذلك حزبان صغيران من اليمين المتطرف بقيادة (بتسلئيل سموتريتش) و(إيتمار بن غفير)، اللذيْن تُبقي مقاعدهم الثلاثة عشر مجتمعة نتانياهو في السلطة، بينما ينشط هذا الحزبان كنوع من المعارضة اليمينية المتطرفة داخل الحكومة نفسها.

سموتريتش وبن غفير ليسا جزءًا من مجلس الوزراء الأمني في زمن الحرب الذي يضم أيضًا شخصيات معارضة من يمين الوسط مثل (بيني غانتس) و(جادي آيزنكوت)، اللذيْن وافقا على الانضمام إلى الحكومة بعد 7 أكتوبر، مما يعزز الائتلاف في الوقت الحالي. وكان سموتريتش وبن غفير شرسيْنِ في معارضتهما أي فكرة لإقامة دولة فلسطينية، وكانا يحاولان تشجيع إعادة توطين المدنيين الإسرائيليين في غزة بعد الحرب. والأمر الأكثر إيلامًا بالنسبة لنتانياهو هو أنهما يعارضان أي صفقة رهائن مقابل أسرى قد تفضي إلى وقف إطلاق نار إسرائيلي طويل الأمد في غزة، مثل تلك التي يتم التفاوض عليها الآن. إذا ترك سموتريش وبن غفير الحكومة، وهو احتمال قوي إذا وافق نتانياهو على اتفاق وقف إطلاق النار، فيمكن لحزب معارضة آخر بقيادة (يائير لابيد) أن يتدخل مؤقتًا لإنقاذ صفقة الرهائن، ولكن لا لمنع إجراء انتخابات مبكرة.

أو قد يقرر سموتريتش وبن غفير التخلي عن نتانياهو من أجل فرض إجراء انتخابات، حيث سيخوضان الانتخابات كقادة للأحزاب التي من شأنها أن تسمح للاستيطان الإسرائيلي بالاستمرار وعرقلة أي جهد لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة. هدفهم من هذا السيناريو هو كسب العديد من ناخبي الليكود اليمينيين الذين يشعرون بالاشمئزاز من نتانياهو وحزبه بسبب إخفاقاتهم في 7 أكتوبر.

المسار الثاني: «التصويت البنّاء لسحب الثقة»

أما المسار الثاني والأكثر تعقيدا فيتلخص في «التصويت البنّاء لسحب الثقة». من حيث المبدأ، يمكن لأي عضو في البرلمان يحصل على دعم أغلبية أعضائه أن يصبح رئيسًا للوزراء. وفي الحكومة الحالية التي يقودها الليكود، من المرجح أن يأتي هذا التحدي من أحد أعضاء الحزب. يقول (أمنون أبراموفيتش)، المحلل السياسي في القناة (12) الإخباريّة الإسرائيليّة و(فيفر) من صحيفة هآرتس، إن خمسة مشرعين على الأقل من حزب الليكود سيتعين عليهم الانفصال عن الحكومة الحالية، واتخاذ قرار بشأن بديل لنتانياهو من داخل حزبهم، ثم الحصول على موافقة أغلبية المشرعين على البديل. الهدف من هذه الآلية هو إسقاط الحكومة بينما يتم تنصيب أخرى بأقل قدر من التعطيل. وسيكون لذلك ميزة إبقاء الليكود في السلطة مع تجنب إجراء انتخابات مبكرة.

المشكلة، كما قال أبراموفيتش، هي أن سياسيي الليكود الذين من المرجح أن يقودوا مثل هذه المناورة، مثل وزير الدفاع يوآف غالانت؛ أو رئيس بلدية القدس السابق، نير بركات؛ أو يولي إدلشتين، رئيس الكنيست السابق، «جميعهم يبحثون عن تأييد الآخرين، فهم يريدون أن يكونوا قادة لا تابعين».

فيفر يؤيد هذا الرأي قائلا: «لا أحد يريد أن يهب القيادة على طبق من ذهب لمنافسه». مضيفا: «إن نتانياهو ماهر للغاية وذو خبرة في تأليب المنافسين ضد بعضهم البعض وتهديدهم بالموت السياسي إذا تحركوا ضده، مستعملا في بعض الأحيان ملفات محفوظة بعناية».

قيادة الليكود تعلم أيضا أنه بناء على استطلاعات الرأي الحالية، فإن الحزب سوف يُسحق في أي انتخابات جديدة. يقول أبراموفيتش: إن نتانياهو فقد «ربما 50 بالمائة من دعمه» بين ناخبي الليكود بسبب إخفاقاته الأمنية، ورفضه تحمّل المسؤولية عن كارثة 7 أكتوبر، وما يعدونه «اللعب بالسياسة في زمن الحرب».

هناك تعقيد آخر، يُعرف باسم «القانون النرويجي»، والذي يسمح للوزراء بالتخلي عن مقاعدهم الوزارية للتركيز على وظائفهم الوزارية وشغل المقاعد بشكل مؤقت بآخرين من حزبهم. لذا، يتعين على أي زعيم جديد لحزب الليكود أن يضمن أن الوزراء العائدين إلى مقاعدهم في الكنيست سوف يدعمونه ليكون رئيسًا للوزراء.

المسار الثالث: خروج المعارضة من حكومة الوحدة

يمكن لغانتس وآيزنكوت، وكلاهما جنرالان سابقان معتبران، أن ينسحبا من حكومة الوحدة في زمن الحرب ويحاولا قيادة حركة تهدف إلى إجراء انتخابات مبكرة. ولكن بما أن كلا منهما يفتقر إلى الأغلبية، فلن يتمكن أي منهما من إسقاط حكومة نتانياهو بمفرده.

وبما أنّ الانتخابات الجديدة ستتطلب حملة مدتها ثلاثة أشهر، فإن نتانياهو سيبقى رئيسا للوزراء من دون الأخذ بآرائهما أو التأثر بقيودهما على تصرفاته خلال الحرب. وقد أدى هذا الوضع، بالإضافة إلى مبدأ الوحدة في زمن الحرب، إلى إبقاء كل من غانتس وآيزنكوت داخل الحكومة حتى الآن. لكنهما قد يغيّران رأيهما إذا وقع اتفاق ممتد لإطلاق النار وانتهت الحرب. ويعتبر غانتس، الذي يعد حاليًا السياسي الأكثر شعبية في إسرائيل، هو الأكثر ترددًا بشأن ما إذا كان سيترك الحكومة أم لا، ومتى سيكون ذلك، في حين كان آيزنكوت، عضو في حزب غانتس، أكثر صراحة في انتقاداته لنتانياهو خلال الحرب.

المسار الرابع: الاحتجاج المدني

أما المسار الرابع، الذي ينظر إليه البعض بأنه الأرجح، فيتمثل في تجدد المظاهرات المناهضة لنتانياهو التي قسمت إسرائيل لمدة تسعة أشهر تقريبًا قبل أحداث 7 أكتوبر. لقد أوجدت الحرب شكلًا من أشكال الوحدة بين الإسرائيليين، لكن هذه الوحدة بدأت تتصدع بشأن بعض القضايا مثل الرهائن، وكيفية إنهاء الحرب، وماذا نفعل بشأن غزة والفلسطينيين عندما تتوقف الأعمال العدائية.

يقول أبراموفيتش: إذا ترك غانتس وآيزنكوت الحكومة، فسيكون السؤال هو: إلى أي مدى يمكن لمنافسي نتانياهو وعائلات الرهائن والجنود الذين قتلوا أو جرحوا أن ينظموا احتجاجات واسعة النطاق ومستمرة «قد تهز هذه الحكومة وتفرض انتخابات جديدة؟».

يقول (ناتان ساكس)، مدير مركز سياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينجز: إن المظاهرات التي تتجاوز اليسار السياسي وتجمع بين القلق بشأن الرهائن والغضب من إخفاقات 7 أكتوبر «يمكن أن تمارس ضغطا حقيقيا على التحالف لإجراء انتخابات في وقت ما في عام 2024».

وهذا من شأنه أن يمثل معضلة للرئيس بايدن؛ لأن اقتراحه بالعمل على حل الدولتين بعد الحرب قد رفضه نتانياهو، وسيعتمد أيضًا على تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة. لكن المسؤولين الأمريكيين يشيرون أيضا إلى أن المواجهة المباشرة مع نتانياهو من المرجح أن تؤدي إلى نتائج عكسية، مما يدعم حملته داخل الليكود والبلاد بشكل عام باعتبارها الحاجز الذي لا غنى عنه أمام الدولة الفلسطينية.

يقول (ناحوم بارنيا)، وهو كاتب عمود في صحيفة يديعوت أحرونوت، وهي صحيفة إسرائيلية شعبية، إن ما يصل إلى 80% من الإسرائيليين يريدون رحيل نتانياهو، «لكن ليس لدينا آلية يمكنها كسر الحكومة الحالية؛ فهو -أي نتانياهو- لا يزال نشطًا للغاية، ولا يؤمن بأنه مذنب أو مسؤول. ولا أستبعد أن يفوز حتى على الرئيس بايدن».

ستيفن إيرلانجر هو كبير المراسلين الدبلوماسيين في أوروبا ومقره في برلين. وقد قدم تقارير من أكثر من 120 دولة، بما في ذلك تايلاند وفرنسا وإسرائيل وألمانيا والاتحاد السوفييتي السابق.