ترجمة

السبيل إلى مساعدة الأفغان على مواجهة شتاء قاس

28 أغسطس 2021
28 أغسطس 2021

لم يكن المجتمع الدولي مستعدا لانهيار الحكومة الأفغانية السريع. لكن الآن على الحكومات المانحة وبسرعة تحديد الكيفية التي تستجيب لها للأزمة الاقتصادية العميقة التي تتكشف في أفغانستان.

ففيما يستعد 38 مليون أفغاني لمواجهة شتاء طويل وقاس مع نزوح سكاني واسع داخل وخارج البلاد، يجب أن يتكاتف المجتمع الدولي خلف الأمم المتحدة للتفاهم والتعامل مع الحكومة الجديدة في كابول.

أولى المهام التي يجب التركيز عليها فكُّ الأصول المجمدة وحشدُ العون الإنساني وإعادةُ توجيه وجود الأمم المتحدة في أفغانستان ووضعُ القواعد الإجرائية للتعاون المستقبلي في كل قطاعات الاقتصاد.

لقد تم تركيع الاقتصاد الأفغاني بإغلاق البنوك والمكاتب التي تتلقى التحويلات المالية والانهيار في قيمة العملة وشح الغذاء والوقود في المدن وتضخم الأسعار وعرقلة التجارة وعدم القدرة على دفع الأجور.

كل هذه الصدمات الدرامية تحدث على خلفية جفاف شديد تسبب في انعدام حاد للأمن الغذائي لحوالي ثلث السكان مما أوجد "وضعا بالغ السوء" يحتاج إلى نطاق واسع من الاستجابات الملحة التي يجب أن تتجاوز مجرد زيادة المساعدات الإنسانية.

لقد ترتبت على تولي طالبان الحكم سلفا عواقب سلبية اقتصادية واجتماعية قاسية. وسيتفاقم توقف الخدمات والإدارة والعون الخارجي إذا ظلت أموال الحكومة الأفغانية مجمَّدة في البنوك الأمريكية وبواسطة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

إذا استمر هذا التجميد لفترة طويلة سيؤدي إلى انكماش حاد في تمويل الحكومة مما يقود إلى الاستغناء عن الموظفين العموميين والعاملين بالمنظمات غير الحكومية وانهيار الخدمات الضرورية مثل الصحة والتعليم ومخاطر التضخم الجامح.

لم يستعد مجتمع المانحين الدولي بما يكفي للتعامل مع طالبان إذا تولت السلطة. فالخطط وُضِعَت ضمن "الإطار الوطني للسلام والتنمية في أفغانستان". وهي ترتكز على النظرة التفاؤلية بالتوصل إلى شكل ما لتسوية سياسية مُتَفاوَض حولها.

داخل مثل هذه التسوية يمكن أن يؤسس المانحون شروطهم لاستئناف تدفق المساعدات خصوصا فيما يتعلق بحقوق الإنسان ووضع النساء. وحتى في غياب انتقال سياسي متفق عليه تمثل الخيار التلقائي في ضمان اقتصار العون على المساعدات الإنسانية عبر وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية.

التحدي الذي يجابه المجتمع الدولي هو الفصل بين قضية التعامل مع إدارة "الأمر الواقع" الطالبانية (لحماية معايش الأفغان العاديين) وبين المصاعب السياسية الداخلية المتعلقة بأي اعتراف رسمي بحكومة طالبانية.

طبيعة ارتباط الولايات المتحدة بأفغانستان حاسمة في أهميتها لتجنب حدوث كارثة اقتصادية وتأمين الخدمات والمؤسسات المطلوبة لإدارة الاقتصاد لأن الحكومة الأمريكية تمسك بمفاتيح فك الأصول الأفغانية المجمدة بما فيها تلك المتاحة عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

لكن الضغوطات السياسية الداخلية والتشريعات الأمريكية الخاصة بمحاربة الإرهاب تعني أن الولايات المتحدة قد تجد صعوبة في استئناف العون الإنساني وفك تجميد الودائع الدولارية. ويشكل استئناف الدعم الضروري للصحة والخدمات الأخرى، إلى جانب مؤسسات الإدارة المهمة، تحديا معقدا للتعامل مع أفغانستان وبشكل أساسي عبر البنك الدولي.

عبرت الصين وباكستان ومؤخرا جدا روسيا عن استعدادٍ للاعتراف بحكومة تقودها طالبان. ويبدو أن طالبان توصلت أيضا إلى ترتيب مع إيران بتقديمها ضمانات لأمن الأفغان من أقلية الهزاره (الشيعية).

القبول بأفغانستان تحت إدارة طالبان من جانب جيرانها الإقليميين، مهما بدا عليه من تردد، يبدو الآن راجحا. والنجاح الدبلوماسي لطالبان يبرز الافتقار إلى توافق دولي. لكن من المهم أن تعمل الدول معا لإيجاد طرق براجماتية للتعامل مع قضايا الاعتراف والشرعية من أجل مصلحة شعب أفغانستان الذي طالت معاناته.

تكشف قمة مجموعة السبع حول أفغانستان التي انعقدت يوم 24 أغسطس التحديات المتعلقة بالحيلولة دون اندلاع أزمة اقتصادية والحفاظ على مكاسب التنمية.

من جانبه، ذكر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن تعامل بلاده مع طالبان سيكون عبر الأمم المتحدة. وهذا إقرارٌ منه أن المنظمة الأممية مهيأة لهذا النوع من الأزمات وأن الفرصة متاحة الآن للأمم المتحدة ووكالاتها وأموالها وبرامجها لإثبات قدرتها على العمل وللحكومات التي تدعي الإيمان بالنظام الدولي المتعدد الأطراف لتقديم الدعم.

التفويض الحالي لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان (يوناما) يقدم بالفعل أساسا كافيا للبناء على الحوار الذي حافظت عليه البعثة مع طالبان خلال العقد الماضي ولعب دور المحاور الفعَّال دعما للارتباط مع المانحين. لكن تفويض البعثة بلغ مرحلة تجديد سريانه مما يعني احتمال أن تسعى الدول الأعضاء إلى تكليف الأمم المتحدة بما يفوق طاقتها من مهام وأدوار ليست معدة لها أو مفوضة بها أو بدلا عن ذلك أن تتجه إلى خفض حجم ونطاق عمل البعثة.

في الوقت الراهن من الحكمة، ببساطة، تمديد التفويض الحالي للبعثة وتقوية ودعم مهمتها التنسيقية مع المانحين بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة للعون الإنساني والتنموي. وعلى الرغم من أن طالبان تريد الإبقاء على وجود وكالات الأمم المتحدة كقناة أساسية للمساعدات الإنسانية والاقتصادية إلا أن اهتمامها باستمرار وجود البعثة السياسية للأمم المتحدة ليس مؤكدا بذات القدر.

البعثة الأممية في أفغانستان والمجتمع الدولي بحاجة إلى العمل معا لإعادة صياغة تفويضها وتجديد هيكلتها كوسيلة لضمان استمرار الارتباط الدولي بهذا البلد. وتشمل التحديات الماثلة الحفاظ على قدراتها في مجال حقوق الإنسان وعلى وجودها في أرجاء أفغانستان.

لكن المطلوب الآن تمديد تفويضها وتعزيز عامليها في الوظائف المهمة ودعم دورها في تأمين اجتياز الأفغان الشتاء القادم بما يكفي من غذاء إلى جانب دعم الخدمات الأساسية الضرورية.