No Image
المحافظات

زري خصب.. تجربة سياحية تُعيد إحياء التراث وتفتح آفاقًا جديدة لصناعة الخزف بمسندم

04 نوفمبر 2025
من الطين تبدأ الحكاية
04 نوفمبر 2025

يبرز مشروع (زري خصب) في محافظة مسندم كأحد أبرز المشاريع التي نجحت، حيث جمعت بين السياحة والتراث والفن مقدّمًا نموذجًا ملهمًا لإبراز محافظة مسندم كوجهة ومقصد سياحي مع إثراء تجربة الزائر والتعريف بالتراث الثقافي الأصيل للمحافظة التي لا تكتفي بالمشاهدة بل تُشرك الزائر في تجربة حيّة من الإبداع والهوية.

ومن هنا يبرز مشروع (زري خصب) كتجربة سياحية رائدة تهدف إلى الترويج لمحافظة مسندم، المشروع لا يقتصر على السياحة فحسب بل يجسد رؤية شاملة لربط الحِرف التقليدية بالاقتصاد السياحي الإبداعي.

إحياء الموروث الحرفي

Image

أشارت إيمان بنت صالح الصلتية صاحبة مشروع (زري خصب) وصاحبة الرؤية التي تقف خلفه إلى أن (زري خصب) يسعى لأن يكون جسرًا بين الماضي والحاضر من خلال إحياء الموروث الحرفي العريق وتقديمه بأسلوب عصري يليق بالسائح المعاصر، فمن خلال متجر الهدايا التذكارية تُعرض منتجات يدوية صنعها حرفيون وحرفيات من محافظة مسندم تعبّر كل قطعة منها عن روح المكان وجمال التراث المحلي.

حكاية إنسان

وأضافت إيمان الصلتية: إن التجربة لا تكتمل دون الجانب الثقافي والسياحي، إذ يقدم فريق (زري خصب) المؤلف من مرشدات سياحيات مرخصات من وزارة التراث والسياحة جولات فريدة يعيش فيها السائح لحظات من التراث الأصيل كتجربة النقش بالحناء وارتداء اللبس التقليدي العُماني وتذوق الضيافة المحلية وحتى تعلم تحضير المأكولات الشعبية، وأردنا أن نصنع تجربة تُعيد للتراث حضوره وتمنح الزائر فرصة أن يعيش عُمان من الداخل من خلال اللمس والرؤية والتجربة، فمحافظة مسندم ليست فقط طبيعة خلابة بل حكاية إنسان عاش بين البحر والجبل وحمل تراثه معه أينما ذهب.

السياحة الثقافية

وأوضحت إيمان الصلتية أن فكرة (زري خصب) جاءت كاستجابة لحاجة السائح إلى تجربة أكثر عمقًا من مجرد التجوّل في المواقع السياحية، فمن خلال دمج الثقافة العُمانية الأصيلة بالفن والضيافة يقدم المشروع للسائح تجربة متكاملة تعرّفه على هوية محافظة مسندم وعراقة أهلها، مضيفة إن هدف فريق (زري خصب) الأساسي هو إثراء تجربة السائح والترويج لمحافظة مسندم كوجهة سياحية متكاملة تُبرز القيم الثقافية والتراثية للمحافظة وتمنح الزائر فرصة التفاعل الحقيقي مع المجتمع المحلي.

كل قطعة تحكي قصة

تقول إيمان الصلتية: يبدأ الزائر رحلته في (زري خصب) بركن الهدايا التذكارية حيث تُعرض منتجات يدوية صنعتها أنامل حرفيين وحرفيات من محافظة مسندم، كل قطعة هنا تحكي قصة، من السلال المنسوجة بخيوط البحر إلى الأواني الطينية التي تحمل نقش الجبال، ثم ينتقل إلى الأنشطة الثقافية التفاعلية التي تعرّف السائح على تفاصيل الحياة العُمانية اليومية كتجربة النقش بالحناء بإشراف فنانات متخصصات يعرضن رموزًا وزخارف تراثية عُمانية أصيلة، بالإضافة إلى اللبس التقليدي العُماني الذي يتيح للسائح أن يعيش لحظة من الماضي ويلتقط صورًا تذكارية بملابس تعبّر عن الأصالة، وكذلك الضيافة العُمانية حيث تُقدّم القهوة والتمر والبخور في أجواء من الحفاوة والمودة، بالإضافة إلى تجربة المأكولات الشعبية التي يجرب فيها السائح المأكولات الشعبيّة.

الخزف

وعن تجربة صناعة الخزف تقول الصلتية: إن أجمل ما يقدمه (زري خصب) تجربة صناعة الخزف ذلك الفن العريق الذي يجمع بين الطين والنار والماء ليخلق الجمال، حيث تُدار ورشة الخزف بأيدي نساء عُمانيات مؤهلات تم تدريبهن خصيصًا على يد مختصين في فنون الخزف، حيث يجد الزائر نفسه أمام تجربة فريدة لا تُنسى، يجلس أمام عجلة الفخار ويلمس الطين ويشكّله بيديه ومن ثم يلوّنه ويتركه ليجف ويصبح تحفة فنية تعيش معه ذكرى المكان.

وتضيف صاحبة مشروع (زري خصب): إن تحول السائح من متفرج إلى مشارك ومن زائر إلى فنان تحقق، وهذا ما نسعى إليه حين يلمس الطين ويشكله بيده ويعيش لحظة من الهدوء والتأمل ليشعر الزائر بعمق الصلة بين الإنسان والطبيعة. وتشير إيمان إلى أنه تم تمكين مجموعة من النساء في مجال صناعة الخزف من خلال توفير جميع المواد الخام من الطين والألوان والأدوات إضافة إلى الأفران الخاصة بالحرق، واليوم أصبحن قادرات على تدريب غيرهن وإنتاج تذكارات فنية تُباع للسياح وتُقدّم كهدايا تعبّر عن هوية محافظة مسندم.

تمكين النساء

أوضحت إيمان أن التمكين في (زري خصب) ليس شعارًا بل ممارسة حقيقية تُترجم على أرض الواقع، حيث بدأت المبادرة بدورات تدريبية متخصصة لتعليم مجموعة من النساء أساسيات صناعة الخزف وتطورت لاحقًا إلى برنامج مستدام لتأهيلهن كمدرّبات معتمدات في المجال، مشيرة إلى أن منح المرأة العُمانية في محافظة مسندم فرصة حقيقية لتكون جزءًا من التنمية الاقتصادية المحلية، ليس من خلال المساعدات أو المعارض المؤقتة بل من خلال بناء مهارة دائمة تمكّنها من الإنتاج والإبداع، حيث تم تزويد النساء العاملات بكل المعدات والأدوات اللازمة للعمل من منازلهن أو ضمن الورش التابعة لـ(زري خصب) بما في ذلك الأفران الحرارية المستخدمة لحرق القطع الطينية، إضافة إلى الدعم الفني والتسويقي لبيع منتجاتهن عبر المنصات المحلية والمعارض السياحية الداخلية والخارجية.

صناعة الثقة

قالت إيمان: أرى فخر النساء بمنتجاتهن وأشعر أننا لم ننجح فقط في صناعة الخزف بل في صناعة الثقة، حيث تقدم الورشة تجربة متكاملة لصناعة الخزف، فكل قطعة طين تحمل قصة امرأة آمنت بقدرتها على التغيير، حيث تُعد تجربة الخزف في (زري خصب) أكثر من مجرد نشاط سياحي، إنها جسر للتواصل الثقافي بين الزائر والمجتمع المحلي، والسائح الذي يجلس أمام الطين ليشكله بيديه يتعلم الصبر والاتزان ويستشعر روح الفن العُماني العريق، تبدأ من تشكيل الطين وتمر بمرحلة التلوين والتزيين وصولًا إلى عرض القطعة كذكرى فنية من محافظة مسندم. كما تُقام في الفرع ذاته تجارب فنية للرسم والتلوين لتتيح للسائح التعبير عن تجربته بروح فنية حرة، كما أن وجود نساء عُمانيات يُدرن الورش ويقدمن الشرح بلغات متعددة أضاف بعدًا إنسانيًا ودبلوماسيًا للتجربة، جعل منها مساحة للتبادل الثقافي بين الشعوب.

وعن زيارات طلبة المدارس والجامعات تقول إيمان الصلتية مؤسسة مشروع زري خصب: تحولت ورش الخزف إلى منصة تعليمية تستقبل طلبة المدارس والجامعات بهدف تعريف الجيل الجديد على أهمية الحرف اليدوية ودورها في الاقتصاد المحلي والهوية الوطنية، كما أصبحت الورش وجهة مفضلة للعائلات والزوار الباحثين عن أنشطة هادئة تجمع بين الفن والاستجمام.

الهدايا التذكارية

وحول الهدايا التذكارية تضيف إيمان الصلتية: إن منتجات زري خصب من الخزف والهدايا اليدوية تشكل جزءًا أساسيًا من التجربة السياحية، فكل قطعة تباع في المعرض تحمل بصمة فنية محلية، سواء كانت كوبًا مطليًا بنقوش أو لوحة فخارية تحاكي البحر والجبل أو قلادة تحمل رموز التراث البحري، مشيرة إلى أن هذه القطع ليست مجرد سلع تجارية بل رسائل من محافظة مسندم إلى العالم تنقل صورة المرأة العُمانية المبدعة وتعكس جمال التراث عندما يلتقي بالإبداع الحديث.

وتؤكد الصلتية أن (زري خصب) يسعى إلى بناء اقتصاد إبداعي مستدام يربط الحرف اليدوية بالقطاع السياحي مما يخلق دورة حياة اقتصادية متكاملة تدعم المرأة والمجتمع المحلي في آن واحد، وأن تكون كل قطعة خزف تخرج من محافظة مسندم بمثابة سفيرة صغيرة تحكي للعالم عن ثقافة مسندم خاصة وسلطنة عُمان عامة.

الفن جسر ثقافي

وحول دور (زري خصب) في تنشيط الساحة الداخلية والخارجية تقول إيمان الصلتية: لم يقتصر أثر المشروع على تمكين النساء فحسب، بل ساهم في تنشيط السياحة الداخلية والخارجية في محافظة مسندم، خاصة بعد أن أصبح نقطة توقف رئيسية للسياح القادمين عبر الحدود البرية والرحلات البحرية والبواخر السياحية.

وتضيف الصلتية: إن (زري خصب) شارك في العديد من المعارض المحلية والدولية مثل معرض السفر العربي بدبي ومعرض التراث البحري في فرنسا ومعرض زايد التراثي في أبوظبي، حيث لاقت منتجاته إقبالًا واسعًا من الجمهور والزوار. اليوم يمثل (زري خصب) نموذجًا وطنيًا ناجحًا لريادة الأعمال السياحية والثقافية، حيث يجمع (زري خصب) بين الحرفة والتراث والسياحة ويعيد الاعتبار للمرأة كعنصر فاعل في التنمية المستدامة.

حين يتحول الطين إلى بصمة

وفي ختام اللقاء مع إيمان الصلتية صاحبة مشروع زري خصب قالت في ختام حديثها: من الطين تبدأ الحكاية ومن محافظة مسندم تتفرع الفصول، في كل قطعة فخار تحمل توقيع (زري خصب) تختبئ قصة امرأة وجدت في الحرفة وسيلة للتعبير عن ذاتها وفي السياحة منصة لتقديم وطنها بأبهى صورة، إنه مشروع يؤمن بأن الثقافة ليست ماضيًا يُروى، بل مستقبل يُصنع، وأن الفن يمكن أن يكون أداة تمكين واقتصاد وجمال في آن واحد، ونثبت كذلك بأنه عندما تمتزج اليد العُمانية المبدعة بالطين تُولد الحكاية من جديد، وتبقى مسندم الوجهة التي تُلهم وتُدهش وتروي العالم بصمتها الفريدة.

الجدير بالذكر أن رؤية (زري خصب) تجمع بين السياحة والتراث والفن مقدمة نموذجًا ملهمًا للسياحة الإبداعية في سلطنة عُمان عامة ومحافظة مسندم خاصة، حيث لا يكون الزائر مجرد متفرج بل مشارك في صناعة التجربة وذاكرة المكان.