المحافظات

زرقة عمانية أصيلة وليست نسخة من سانتوريني اليونانية

30 أبريل 2024
4 عقود على قرية البستان الساحلية
30 أبريل 2024

كانت السماء في صفنا عندما زرنا بداية هذا الأسبوع قرية البستان الزرقاء التي ستكمل عقدها الرابع، فهي ملبّدة بالغيوم، والطقس بين خانق ومنعش، والأهم أنه ليس حارًّا جدًّا كما كنا نتوقع. توقعنا أشياء كثيرة في الحقيقة، توقعنا أن لن نجد أحدًا يمكننا الحديث معه حول هذا المكان ذي البيوت البيضاء بنوافذها وأبوابها الزرقاء، فالأرقام المعلقة أعلى البيوت إلى جوار كلمة للبيع أو للإيجار توحي أن أهلها الأصليين ليسوا هنا.

بيت في مقدمة القرية -كان قد صبغ للتو- خالٍ من أهله، ونوافذه مشرعة، والمروحة تدور والنافذة مغلفة بغطاء بلاستيكي ورائحة الصبغ الجديدة التي تملأ المكان، جعلنا نتوقع أيضا أن اللون الأزرق اتفاق بين أهل القرية لتصبح نسخة من سانتوريني اليونانية، وهكذا عرفت بسانتوريني عمان، لتصبح بالتالي مدينة زرقاء عربية أخرى إلى جانب سيدي بوسعيد التونسية وشفشاون المغربية.

يمر سائحان أجنبيان من أمامنا، ولا يبدو أنهما تبعا لأي زرقة هنا عدا زرقة البحر، لابد أنهما زارا سانتوريني من قبل -قلنا في أنفسنا-، لكن هـذا ما لم نستطع معرفته، فبعد دقائق من حديثنا بالإنجليزية وردهما بالصمت والابتسامات قالت السائح: «tres belle»، فعرفنا أنهما من فرنسا، وكان لا مجال لطرح المزيد من الأسئلة.

دلنا أحد الفتية الذين يبدو أنهم قد أنهوا مباراتهم الشاطئية للتو على شخص يمكن أن يقول شيئًا عن المكان، فراح جريا ينادي شخصًا يدعى وليد، والمصادفة أن وليد كان أيضا يلبس قميصًا أزرق. أدخلنا وليد إلى منزل والدته المتوفاة المطل بشرفة واسعة على البحر، تفاجأنا أن وليد علق لوحة «للبيع» أيضا على المنزل، لكنه لا يزال متعلقا بالمكان، نافيا قطعا أن يكون تقليدا أو نسخة عن القرية اليونانية، فَحَسَب وليد بن سيف الوهيبي اللون الأزرق موجود في الأبواب والنوافذ منذ زمن بعيد وأنها ليست بالقرية الحديثة، وذائقة أهل المكان الرفيعة ارتشفت البحر واستنشقت السماء فازرقت عبرها النوافذ والأبواب. وبصراحة الوهيبي: «لا نسميها سانتوريني هنا، نسميها البستان منذ عرفناها وعشنا فيها، سانتوريني اسم أنشأه من هم على وسائل التواصل الاجتماعي». وسألناه لمَ لا تستثمر بيتك عوضا عن بيعه؟ فقال وهو يجول ببصره في المكان: «هذه المنطقة سكنية يصعب استثمارها»، وهو ينادي على شخص ما في البحر من على الشرفة قال لنا: «قاربي أيضا أزرق وأبيض».

نسأل وليد عن جدارية في القرية، فيسأل: «الجدارية الزرقاء؟ هذه لفايزة، سأناديها لكم». يناديها بصوته الذي غطى القرية والبيوت والبحر، فتخرج فايزة من بيت يبعد أمتارا، تمشي فايزة ببطء نحونا ثم تحث الخطى وتسأل: ماذا هناك؟! نقول: لوحتك التي هناك في مدخل القرية، ابتسمت فايزة بنت جمعة الوهيبية بعد أن عرفنا أنها فنانة ونحاتة، وقالت: جاءتني فكرة الرسم على جدران البيوت بنفس طابع القرية، ولو أمكنني لرسمت المزيد على الجدران لأضيف جمالية لمظهرها العام، يلهمني البحر والعيش بقربه يمنحني فرصا للإبداع رسما ونحتا، يصفي الذهن ويعطيني شعورا رائعا تجاه ما أريد عمله، شعرت أن بإمكاني منح الأزرق مساحات أخرى تتعدى النوافذ والأبواب -كما وجدنا الحارة زرقاء منذ البداية- أصبحت أستغل الخشب وأصبغه بالأزرق وأضيفه كإطار للأبواب. نسأل فايزة: هل تعرفين فنانين آخرين هنا؟! تومئ برأسها: «أظن أني الوحيدة».

«من أين يمكن أن أبدأ الحكاية؟» يقول محمد بن سالم الوهيبي وهو من أهالي القرية، واستطرد قائلا: «بداية القرية كانت في أواخر السبعينيات. وبدأ مشروع القرية الحالية المعروفة بألوانها الزرقاء في عام 1982 إلى 1985 ، فانتقلنا إليها في مايو 1985. والمنطقة كانت متكاملة بها صرف صحي وخط هواتف أرضية وخطوط كهرباء. وقتذاك كانت القرية من أحدث القرى، واللون الأزرق موجود منذ أن أنشئت القرية عام 1985 ولو تلاحظون الطابع الإسلامي فيها هو من تصاميم الشركة المنفذة وديوان البلاط السلطاني، حيث ضمت مهندسين عمانيين وبريطانيين. الأحمر كذلك كان لونًا ثانيًا بجانب الأزرق لا ثالث لهما في القرية، وكانت الألوان منسقة من قبل الشركة ثم بدأ الناس بالتغيير حتى طغى عليها اللون الأزرق كليا، أما بالنسبة للأبواب فهي من خشب الزان، لكن أيضا بعض البيوت غيرتها إلى أبواب من حديد أو ألمنيوم. وزاد بعد ذلك المكان جمالًا، فالقرية نظيفة ومرصوفة وتعتبر من أنظف القرى في مسقط ويرتادها السياح بنسبة كبيرة بمساحتها الممتدة من الجبل إلى الجبل والتي تقدر بـ800 متر مربع، وكان الناس في البدء يعملون في حرفة الصيد أو الزراعة والآن يعملون في المؤسسات الحكومية.

وأضاف: «في القرية مقومات سياحية رائعة أولها البحر، وشهرة قصر البستان مع أن القرية أقدم بكثير من الفندق وارتادها الأوروبيون بكثرة قبل افتتاح الفندق، والآن كلما كان الجو لطيفًا وممطرًا يمتلئ الشاطئ بالناس، لكن تنقصها أشياء كثيرة كالمظلات ودورات المياه. وبإضافة إلى اللمسات البسيطة ستكون متكاملة ويزيد عدد السياح، وأكثر ما يثير دهشة السياح هنا نظافة المكان وقدم البناء وعندما نخبرهم عن عمر القرية الحقيقي يستغربون».

وتضيف بشرى الجابرية، من سكان البستان - سانتوريني-: «البستان منطقة ساحلية جميلة في قلب مسقط مطلة على خليج عمان، تمتاز بلطف هوائها صيفًا ونسمات باردة كبرودة رمال شاطئها ليلًا، ويكتظ شاطئها بالسياح، وتزخر المنطقة بالورود والأزهار على جانبي الطريق وفي الممرات الضيقة، ولا غرابة في توافد السياح من مختلف الدول للاستمتاع بجمال الطبيعة، فنرى أناسا يلتقطون الصور تارة وفي الجانب الآخر تنصب استوديوهات لتصوير آخر.

وتعبّر سعاد الوهيبية عن مدى ارتياحهم بتحويل القرية إلى لوحة فنية زرقاء وتصفه قائلة: «هو لون الحياة»، وتتمنى أن يتم الاهتمام بالمنطقة لإنشاء فنادق ومقاهي بإنارات زرقاء وأن يصبح المكان مهيأ للسياح خاصة بعد زيادة توافدهم خلال الفترة الماضية.