"هافانا السياحية" بين كابوس الهيمنة العسكرية والعقوبات الامريكية
ميامي "وكالات": بعد أن تدفق الأمريكيون على هافانا، بعدما استعاد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، العلاقات الدبلوماسية مع كوبا في عام 2015، قدم الجيش، وهو الكيان الأقوى في الجزيرة، رهانا كبيرا: وهو قيام ذراعها الاقتصادي باستخدام معظم عائدات البلاد من العملات الأجنبية لبناء فنادق فاخرة من شأنها أن تستقطب الأمريكيين وغيرهم ممن سيواصلون - بالتأكيد - زيارة كوبا.
وتوضح صحيفة "ميامي هيرالد" الأمريكية في تقرير لها، أن الرهان كان مبالغا فيه، حيث أدى في النهاية إلى خنق الاقتصاد، وجر البلاد إلى أزمة إنسانية، وفي مفارقة ساخرة، حولها إلى وجهة سياحية غير مرغوب فيها إلا بالنسبة لعدد قليل من السياح.
وخلال العقد الماضي، توسعت "جافيوتا"، الشركة الرائدة في مجال السياحة التابعة للقوات المسلحة في كوبا، بشكل مبهر لتصير أكبر مجموعة للفنادق والسياحة في البلاد، من خلال 121 فندقا، و20 مرسى لليخوت، وشركة "ترانسجافيوتا" للنقل، ووكالة "جافيوتا تورز" للسفر، وشركة "إيه تي كوميرشال" للخدمات اللوجستية والإمداد.
وفي خلال الأعوام العشرة الماضية، زادت شركة "جافيوتا"، التابعة لمجموعة "جي إيه إي إس إيه" القوية التابعة للجيش، عدد فنادقها بأكثر من الضعف.
وبعد فترة قصيرة من بدء أعمال البناء، كان من الواضح أن التوقيت غير مناسب: فقد كان التقارب الذي استعاده أوباما قصير الأمد، وتلاه موجة جديدة من العقوبات التي فرضتها الإدارة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي قيدت حركة السفر إلى كوبا. ثم تسببت جائحة "كوفيد" العالمية في إصابة حركة الطيران بالشلل لمدة عامين تقريبا، بحسب "ميامي هيرالد".
ولكن مع تحول الجيش لمركز القوة الأهم في كوبا، ومع عدم وجود أي جهة قادرة على إجباره على تصحيح مساره، واصلت المؤسسة العسكرية استخدام الدولارات التي تدخل الجزيرة لبناء فنادق جديدة، حتى رغم انهيار كل شيء آخر في البلاد.
ورغم كل شيء، كان مشروعا مربحا للغاية.
وكشفت بيانات مالية سرية مفصلة عن مجموعة "جي إيه إي إس إيه"، حصلت عليها صحيفة "ميامي هيرالد"، أن الشركة الفندقية والسياحية حققت هامش ربح بلغ 42% خلال الفترة من يناير وحتى مارس من عام 2024، بنحو أربعة أضعاف متوسط الربح في قطاع السياحة العالمي.
وخلال تلك الأشهر الثلاثة، حققت "جافيوتا" أرباحا بلغت 13.3 مليار بيزو كوبي من مبيعات بقيمة 31.6مليار بيزو. وتستخدم المؤسسات الحكومية الكوبية سعر الصرف الرسمي البالغ 24 بيزو للدولار في حساباتها، ما يعني أن "جافيوتا" حصلت على أرباح تقدر بـ554 مليون دولار من مبيعات بقيمة 1.3مليار دولار.
وقد عكست هوامش الربح العالية التي حققتها شركة "جافيوتا"، هوامش الربح المرتفعة الخاصة بالمجموعة بأكملها الخاضعة لسيطرة الجيش.
وقد ساهم التوسع المتواصل لشركة "جافيوتا"، في ظل أزمة اقتصادية حادة في تفاقم حالة الطوارئ الإنسانية الحالية في البلاد، بشكل كبير. ونظرا لسيطرة "جي إيه إي إس إيه" على الدولارات التي تدخل البلاد، فقد تم توجيه الأموال - التي كانت الحكومة والوزارات تنفقها من قبل على أمور مثل إنتاج الغذاء والرعاية الصحية وشبكة الكهرباء المتهالكة وغيرها من البنى التحتية الأساسية - إلى بناء الفنادق.
وقد أدى الإفراط لأعوام في الاستثمار في بناء الفنادق على حساب باقي قطاعات الاقتصاد والبنية التحتية في البلاد، إلى حالة من المعاناة التي لم يتمكن السكان من تخطيها، وجعلت كوبا أقل جاذبية كوجهة سياحية.
وأدى انقطاع التيار الكهربائي ونقص الغذاء وانتشار الأمراض الناتجة عن تدهور الأوضاع الصحية وتراكم النفايات في المدن، إلى تراجع العديد من السياح عن زيارة البلاد.
أما بالنسبة لمن يزورون كوبا، فإن الخدمة السيئة التي يتلقونها وقلة الخيارات المتوفرة للطعام في الفنادق، تجعلهم يتساءلون عما إذا كانوا سيعودون مجددا.
وبحلول أغسطس 2024، تضررت الشؤون المالية لشركة "جافيوتا" بشدة، وانخفضت هوامش ربحها بنسبة 38% عن مستوياتها السابقة. وفي ديسمبر من العام الماضي، قال وزير السياحة خوان كارلوس جارسيا جراندا، إن عام 2024 كان "عاما صعبا بالنسبة للسياحة" بسبب نقص التمويل والإمدادات، وارتفاع أسعار الوقود، وتقلبات القوى العاملة التي تعود جزئيا إلى مغادرة الكوبيين للبلاد، وإلغاء الرحلات الجوية، وانقطاع التيار الكهربائي، وانهيار شبكة الكهرباء الوطنية، وتأثير الأعاصير.
وغاب عن تقييم وزير السياحة، دور الجيش نفسه في انهيار قطاع السياحة بكوبا.
وقد ساهم النموذج التوسعي للجيش في استمرار بناء أماكن إقامة فاخرة جديدة، عوضا عن تحسين الوضع الحالي.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن سيباستيان أركوس، المدير المؤقت لمعهد الدراسات الكوبية في جامعة فلوريدا الدولية، قوله إن "هيمنة الجيش على الاقتصاد يكاد يكون أمن بقاء القوات المسلحة كلاعب سياسي رئيسي في المستقبل".
وكما هو الحال بالنسبة لمعظم الأمور في كوبا، قد يستغرق تطبيق قواعد جديدة أعواما. وفي الوقت نفسه، أدى انهيار قطاع السياحة إلى تدهور سبل عيش الكثيرين.
