No Image
إشراقات

كهلان الخروصي: المطلوب من عموم المسلمين أن ينفوا عن أنفسهم استبداد الوهن وأن يتذكروا أنهم أعزاء بعزة الله

01 فبراير 2024
صرح عدد من العلماء أن الذي يناصر عدو الله ضد مسلم يكون مرتدا عن الإسلام
01 فبراير 2024

الظلمة المعتدون يُتقرب إلى الله بالدعاء عليهم ويُجاهر بذلك -

لم يكن لغزة أن تهدأ، فطوفانها الجارف ما زال يسطر ألوانا من البطولات التي لم يشهد العالم لها مثيلا، فما زال خيال المجاهد الأنيق صاحب المعطف الذي عايناه هذا الأسبوع في خان يونس وهو يصوب "الأر. بي. جي" باتجاه الدبابة ويفجرها عالقا في الأذهان والمنصات الاجتماعية والهواتف وحتى رسومات الملابس من قمصان وغيرها، ليمثل رمزا عصريا لدى الجيل الشاب المتابع لأحداث غزة على الرغم من مرور أكثر من 100 يوم على بداية معركة طوفان الأقصى، وما زال برنامج "سؤال أهل الذكر" الذي يبث عبر تلفزيون سلطنة عمان، والذي يعده ويقدمه الدكتور سيف الهادي ويستضيف فيه فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان يجيب عن تساؤلات الجمهور فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

في بداية البرنامج، ذكر المقدم أن العدوان الغاشم على فلسطين وخاصة أهل غزة تجاوز مائة يوم ولا يزال مستمرا كما هو لا يرحم الأطفال ولا النساء ولا المستضعفين يدمر ويتبع كما يقولون سياسة الأرض المحروقة، المسلم بعد طول هذه المدة قد يصل إلى مرحلة من اليأس أحيانا أو ينسى، فنحن محتاجون بعد هذه المدة إلى التذكير حتى لا تفتر النفوس في متابعة هذه القضية وإحضارها أمام أعين الناس دائما.

فأوضح مساعد المفتي أن ربنا تبارك وتعالى وهو العليم الحكيم قد وطّأ نفوس المسلمين لمثل هذه الأوضاع، وإذا بهذه الظروف القاهرة وهذا العدوان الغاشم وهذا الجبروت والتكبر الذي اجتمع على أهل غزة العزة وعلى أهل فلسطين عموما، يكشف بعض ما نجده في كتابه، فالله عز وجل مما ربانا عليه القرآن الكريم، وغاية ما نحتاج إليه هو أن نجدد عزائمنا وأن نبعث فيها الهمة وأن نغرس فيها التعلق بالله تبارك وتعالى ووعده الحق وأن نتدبر فيما وجهنا إليه ربنا في كتابه الكريم، فالله عز وجل يقول: " وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"، فهذه النفوس المنكشفة لربنا تبارك وتعالى وهو العالم بها الخبير بخفاياها يعلم أنه يمكن أن يصيبها شيء من الوهن والضعف أو أن يستبد بها الحزن أو الخوف، ولذلك يأتي التوجيه القرآني توجيها مباشرا، فجملة "إن كنتم مؤمنين" فيها تحريض للمؤمنين، وتذكير لهم أن سبب استحقاقهم لهذه المنزلة العالية الرفيعة وأن ما أمروا به إنما يتمكنون منه بصدق إيمانهم بالله تبارك وتعالى.

توجيه للمسلمين عامة

وقال: لا يقتصر هذا الأمر على المجاهدين المدافعين المقاومين الذين يتصدون بالنفس والحال للعدوان الغاشم، وإنما يشمل هذا التوجيه القرآني عموم المسلمين، فالمطلوب منهم أن ينفوا عن أنفسهم استبداد الوهن بهم وتملك الحزن بأحوالهم، والمطلوب أن يتذكروا أنهم أعزاء بعزة الله تبارك وتعالى لهم منصورون بنصر الله تبارك وتعالى لهم "وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" وقال تعالى: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ".

ثم يكشف لهم بعض الوجوه التي تجدد فيهم الرجاء وتبعث فيهم الثبات والعزم والعزيمة والصبر والشجاعة والاستبسال، فيقول: " إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ".

تثبيت الأقدام

وأوضح أن: ربنا تبارك وتعالى يكشف لنا هذه الحقائق ويربط على قلوبنا ويثبت أقدامنا أن سنته ماضية في الخلق في مداولة الأيام بين الناس وفي التدافع بين الحق والشر والخير والباطل، لكنه في ذات الوقت يرشد ويبين لعباده المؤمنين أنه لا ينبغي لهم أن يكون ما يصيبهم من قرح وآلام ومصاعب سببا في ضعفهم ووهنهم وحزنهم لأن عدوهم يعاني مثل ما يعاني المسلمون، وقد أصابه القرح كما أصاب المسلمين: "إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ".

تنكشف حقائق المؤمنين

ثم يبين أن الله تبارك وتعالى بهذه الابتلاءات إنما تنكشف له حقائق المؤمنين، فصنف يكون ثابت الإيمان موصولا بالله تبارك وتعالى، راغبا فيما عند الله عز وجل، فيبذل من أجل ذلك كله الغالي والنفيس، وصنف آخر من الناس هم ضعاف نفوس أهل نفاق ملئت قلوبهم أمراضا وضعفا ووهنا وخوفا مما هو في هذه الحياة الدنيا، ورغبة عما أعده الله عز وجل لعباده المؤمنين في الآخرة، فتنكشف حقائقهم في مثل هذه الابتلاءات ولذلك سمى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سورة التوبة، كان من أوصافها عندهم أنها الفاضحة لأنها فضحت أحوال المنافقين ومرضى القلوب وكشفتها للناس جميعا، وكذلك هي أمثال هذه المواقف من الحروب ومقاومة الظلم والطغيان والمدافعة عن الأرض والمقدسات وعن الحال والمال، كل ذلك إنما يكشف مواقف الناس ولكذلك قال: "وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا" ثم إنه بيّن أن من سنته أن يرزأ المسلمون في أنفسهم لكن هذا الرزأ هو اصطفاء منه "وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء".

هذا اتخاذ من ربنا تبارك وتعالى، الذي إليه الرجعى، منه المبدأ وإليه المصير، وقد وعد الشهداء عنده بالمنزلة العالية ثم يطمئن قلوبهم، ويؤكد مرة أخرى أن هذه المواقف وأن هذه الأحوال تمحيص للمؤمنين جميعا للثابتين الراسخين منهم ولأولئك الذين يتساقطون، فتكشف هذه الأحوال أنهم مرضى القلوب وأنهم أهل نفاق ورياء "وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ".

أسباب النصر

وأشار قائلا: مما يجدد أيضا في مثل هذه المواقف وإن طالت الأيام وكثرت المعاناة، فإن الله تبارك وتعالى يرشد عباده المؤمنين الصادقين الأوفياء بأنه لا مناص لهم من التحلي بخصال تكون بإذن الله عز وجل وفضله ومنته وكرمه سببا للنصر المبين، فالله تبارك وتعالى يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيْتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهَ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا"، ففي التوجهات الأولى نجد كل ما يحتاج إليه المقاومون المجاهدون في سبيل الله تبارك وتعالى الذين لا يريدون إلا إعلاء كلمة الله عز وجل في هذه الحياة وجعل كلمة الذين كفروا السفلى فيقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيْتُمْ فِئَةً فَاثْبُوا"، فإنه يأمرهم أولا بالثبات والذي يعينهم على الثبات ويكونون في أمس الحاجة إليه لأجل البطولة والاستبسال والشجاعة هو الإكثار من ذكر الله عز وجل "وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون".

تذكير للمجاهدين

وقال الدكتور كهلان: ولذلك فإن تذكيري لمن كان في أرض المعركة مدافعا عن حقه المشروع ومتصديا للظلم والطغيان هو ما ذكرنا به ربنا تبارك وتعالى في هذه الآيات الكريمة من الثبات والإكثار من ذكر الله عز وجل ثم تحر كل ما فيه طاعة لله عز وجل وطاعة لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فيما يظهر أنه من جلائل الأعمال أو يظهر أنه من دقائقها: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"، وهؤلاء الذين هم في الخطوط الأولى وفي المواجهة ويضحون ويبذلون، ليسوا في حاجة إلى وصية من مثلي وإنما هو تذكير بما في كتاب الله عز وجل أن يحذروا أن يؤتوا من قبل استخفافهم بشيء فيه معصية لله أو لرسوله، ولا غرابة أن نذكرهم بذلك فإن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قد ذكر بها صفوة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي وصيته إلى سعد بن أبي وقاص، حينما كان قائد جيش المسلمين لفتح فارس، إن أول ما بدأ به سيدنا عمر هو أن يذكره بتقوى الله عز وجل قال: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب ثم أضاف قال: وإلا ننتصر عليهم بفضلنا، فإننا لا نغلب عليهم، فإننا لا نغلبهم بقوتنا لأن عددنا ليس كعددهم وعدتنا ليس كعدتهم" وفي وصيته هذه يقول: واعلموا أن عليكم في سيركم من الله حفظة فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمساخط الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدونا شر منا، فلن يسلط علينا، فقد سلَّط الله على بني إسرائيل كفار المجوس حين عملوا بمساخط الله، فجاسوا خلال الديار وكانوا وعدا مفعولا، وسلوا اللَّه النَّصر على أَنفسكم كما تسألوه النَصر على عدوّكم أسألوا اللَّهَ ذلك لِي وَلَكُمْ"، فهذا سيدنا عمر يوصي بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ونحن نجدها متوسطة لهذه الوصايا القرآنية، فعليهم أن يحذروا من أي بادرةٍ لشقاقٍ أو نزاعٍ أو اختلاف قد لا يكون ناشئًا عن أنفسهم، قد يكون من كيد عدوهم أو من كيد المنافقين أو المخذّلين أو المرجفين، فعليهم أن يحذروا كل الحذر وأن يأخذوا حذرهم من مثل هذه المكائد التي يمكن أن تورثهم شقاقًا وتفرقًا في صفهم، ثم يقول ربنا تبارك وتعالى: "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"، وإن طالت الأيام، فإن النصر قادم وإن كثرة المعاناة فإن لطف الله تبارك وتعالى شامل وفضله على عباده غامر، وما يدخره لهم من فتحٍ مبين ونصرٍ عزيز فوق ما يتصورون: " وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ".

ثم تختم هذه الوصايا بوصية هي في غاية الأهمية وإن بدا للبعض أنها لا تخص هؤلاء النفر الثابتين الصامدين الصابرين، لكن القرآن الكريم يؤكد عليها لأنه خاطب بها المؤمنين جميعا، فيقول: " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ"، فالحذر كل الحذر من أن يخالط النفوس شيء مما فيه شيء من حب الدنيا أو الرغبة في الظهور أو الاستعلاء في هذه الأرض أو مما يمكن أن يخالف الإخلاص لله تبارك وتعالى، لأن العدو ما خرج إلا بطرا ورئاء للناس، أما الثلة المؤمنة الصابرة، فإنها لا تبتغي إلا إعلاء كلمة الله عز وجل، ودفع الظلم والطغيان، وتحرير المقدسات، لا يبتغون ثناء من أحد من الناس ولا يريدون مدحا ولا يؤثر فيهم الثناء والمدح وما يكال لهم في مواقع الشبكة العالمية للمعلومات، أو في القنوات الفضائية أو في التحليلات السياسية أو العسكرية، ذلك لا يغير فيهم شيئا، لأنهم إنما يبتغون رضا الله تبارك وتعالى مخلصين راغبين في نصرة دين الله عز وجل وإعلاء كلمته في الأرض، وفي جعل كلمة الذين كفروا السفلى".

القتال لإعلاء كلمة الله

ويجب علينا جميعا أيضا أن لا تكون هذه القضية هي قضية تجارة يكتسب بها المرء شهرة أو أن يقصد بها حظوظا دنيوية، فإنها مزلة أقدام ولذلك لا بد من الانتباه، وحينما سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشهيد قال: (من قاتل لتكون كلمة الله العليا فهو في سبيل الله)، فهذه هي بعض الوصايا القرآنية التي نحتاج إلى أن نتذكرها وأن نذكر بها غيرنا لمن كانوا في الواجهة، ولمن كان من ورائهم من المؤمنين الذين يؤيدون قدر استطاعتهم وينصرونهم بما يستطيعونه من بذل المال ومن الجهاد بالكلمة والأقلام ومن الجهاد بالنشر والتعريف بهذه القضية وبهذا الحق المشروع وبدفع الأباطيل والشبهات والأكاذيب والباطل الذي ينشره عدونا، وبما يبذلونه أيضا من أوقات يجأرون فيها إلى الله تبارك وتعالى ضارعين مبتهلين، وبما يتاح لهم من الوسائل التي لا نهاية لها والله تعالى الموفق.

من يناصر عدو الله مرتد

وحينما سأل المقدم عن قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يخرجه الحاكم:(من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، ما هي الدائرة التي ينبغي أن يهتم بها المسلم حتى يبقى مع المسلمين ولا يخرج عنهم، على الأقل المستوى الأدنى؟

فأجابه الشيخ كهلان: في بعض الروايات حينما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) في بعض الروايات (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)، فإن لم يكن منكرا بقلبه وكان راضيا بما يصيب المسلمين وبما يرزأ به إخوانه المؤمنون وبما لم يكن مهتما بما يتعرضون له كان متشفيا أو مستهزئا أو كان مناصرا لعدو الله تبارك وتعالى، ففي إيمانه نظر، وقد صرح عدد كبير من أهل العلم أن مثل هذه المواقف التي يناصر فيها من ينتسب إلى هذا الدين عدو الله عز وجل على مسلم من أهل القبلة، فإنه يكون مرتدا عن الإسلام، فالمسألة ليست بالمسألة اليسيرة، واليوم بحمد الله تبارك وتعالى قد أوجد لنا ربنا جل وعلا من الوسائل ما يمكننا من نصرة الحق والوقوف مع المستضعفين وتأييدهم وأداء أقل الواجب الذي يمكن، كما تقدم في الوسائل التي يمكن أن يعانوا بها، لكن أن يرضى مسلم بما يصيب إخوانه المسلمين، وما ينكبون به في أنفسهم وفي أرضهم، وما يصيب الأطفال والنساء والشيوخ والولدان، وما يتعرضون له من إبادة وتقتيل وظلم ظاهر من أعداء الدين، ممن لا يلقون لخلق ولا لمكرمة ولا لدين ولا لمقدس إلًا ولا ذمة، وممن يخوضون في أبشع الجرائم ويعتقدون إتيانها، فيأتونها عن قصد، فمن يتعاطف مع هؤلاء فهو في خطر كبير فيما يتعلق بأمر بقاء انتسابه إلى الإسلام، والله تعالى المستعان.

الدعاء على اليهود

وفي سؤال آخر عن تساؤل ربما يطرح أحيانا حول التفريق بين اليهود والصهاينة، فيبقى الإنسان محتارا على من يدعو، يقول هل ندعو على اليهود أو فقط ندعو على الصهاينة أو اليهود الصهاينة؟

فقال مساعد المفتي: كل ذلك جائز، وقد كان عباد هذه الأمة من مختلف المذاهب الإسلامية لا يجدون غضاضة في الدعاء على كل الكفار، ويستندون في ذلك إلى روايات أثرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعما في كتاب الله عز وجل أيضا، في دعاء نوح عليه السلام : "رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا"، فهو يدعو على عموم الكفار أن لا يبقي الله تبارك وتعالى لهم في الأرض ديارا، وأثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان مما يدعو به في بعض المواقف، أنه يقول: (اللهم قاتل أهل الكتاب)، في بعض الروايات (والعن أهل الكتاب الذين كذبوا الرسل)، وفي بعضها دون تقييد بوصف ، وفي بعض الآثار أنه كان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (قاتل الكفرة أهل الكتاب)، فالدعاء عليهم عموما لكفرهم ولقولهم على الله تبارك وتعالى غير الحق، ولأن القرآن الكريم لعنهم قال: " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ".

وإن كان هذا الدعاء لا يلزم منه أن يكون مجاهرة إذا كان في ذلك ما يمكن أن يجلب شيئا من الضرر على المسلمين، شريطة أن لا يكون في الإخفاء ما يمكن أن يوهن أيضا أو أن يضعف من فقه هذه المسألة، فالحقيقة أني لم أجد أحدا من علماء هذه الأمة المتقدمين من يرى أن هناك مانعا في الدعاء على عموم أهل الكفر من اليهود والنصارى وغيرهم، بل إن بعض شرّاح حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينصون على حصول الاتفاق بين علماء المسلمين على جواز الدعاء على عموم الكفرة، لا على معين منهم، إذ قد يهتدي إلى الحق، إلا إن كان لسبب موجب لذلك، أي في الدعاء على المعين، واستدلوا بما تقدم من أدلة أثرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو وجدت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها الحادثة الشهيرة، لمّا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حمى المدينة : (انقل حماها إلى الجحفة)، والجحفة كان يسكن فيها يهود، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدع أن ترتفع الحمى عن المدينة تماما وإنما دعا ربه أن ينقل حماها إلى الجحفة، وهذا كان في أوائل مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة، وفي مجموع هذه الأدلة لا يوجد مانع شرعي من الدعاء على عموم أهل الكفر.

التقرب إلى الله بالدعاء على الظلمة

وأكد على: أن من كان منهم من الظلمة المعتدين ومن ظهرت منهم العداوة أكثر، فهؤلاء يتقرب إلى الله عز وجل بالدعاء عليهم ويجاهر بذلك ويخصون بالدعاء عليهم، ولا يعني أن هذا الذي يدعو يظل مكتوف اليدين ولا يؤدي شيئا من الحقوق التي يتقرب بها إلى الله عز وجل في مناصرة إخوانه، وتكون سببا لإجابة دعائه، مما يتصل بموضوع دعائه، فإن العادة أن الداعي حينما يتوجه إلى ربه متضرعا لطلب أمر ما فإنه يتقرب إلى ربه جل وعلا بما يظهر له أنه أهل لإجابة الدعاء بما يسترحم به وبما يستنزل به رحمة الله عز وجل عليه لإجابة دعائه الخاص ذلك، هذا هو فقه هذه المسألة، وينبغي أن لا تقدم فيها تنازلات لأن أدلتها واضحة، وقلت إن مسلك علماء هذه الأمة ولأن مسلك عبادها وزهادها كان التقرب إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء على الكفرة بكل أنواعهم، ثم إذا صدر منهم ظلم أو عدوان أو ما يوجب مزيدا من التخصيص بالدعاء، فإنهم يجتهدون أكثر، لكن في الحالة الأولى كما تقدم تراعى مصالح المسلمين العامة، وينظر في المضار والمصالح، إذ ليس من شرط الدعاء المجاهرة به، إلا إذا كانت مصلحة الجهر بالدعاء راجحة.

ولا يوكل هذا أيضا إلى الجهلة وعموم الناس أي تقدير هل المصلحة أو أن يخوض في هذا الشأن ليقرروا للناس أن المصلحة في الإسرار بالدعاء أو عدم الجهر به أن يوكل مثل هذا الشأن إلى الجهلة الذين لا يعرفون شيئا من أحكام دين الله تبارك وتعالى، ثم في المقابل إذا كان هذا السؤال متصلا بهذه الأحداث اليوم، فما الذي يرعاه أولئك الذين يظنون أن الدعاء لا يجوز إلا على المعتدين من الكفرة؟ من أين أتوا بهذا الفهم، وما الذي يرعونه أيضا وهم يرون تكالب هذه الأمم تكالب أمم الكفر على بلدان المسلمين وعلى أهل الإسلام؟ ويأتمرون عليهم ويحشدون كل ما يستطيعونه، ولا يرعون فيهم إلًا ولا ذمة. ولا يراعون شيئا في تحقير الإسلام والمسلمين، وفي الاستهزاء بالإسلام والمسلمين، وفي السخرية من مقدسات المسلمين.

مقتضى ما يتعلق بالدعوة إلى الله عز وجل، ومخاطبة العقلاء منهم، وتوجيه الدعوة إلى من كان بعيدا عن الظلم والعدوان، ومن كان يمكن أن يكون له موقف مناصر للحق، فهذا له أسلوبه ووسائله ولا ينبغي أيضا أن يهمل. وواضح أن الباعث الأول في الدعاء على أهل الكفر عموما، إنما هو ما يصيب المسلمين من أذاهم وما يلحقهم من شرورهم. وإلا لو كانوا في حالهم لا يؤذون مسلما ولا يظلمون ولا يعتدون، فإن المسلمين في شغل عنهم بما هم بصددهم من أمور دينهم.